مُهلة قبل الإبادة: هل تنتهي معارك إثيوبيا أم تولد من جديد؟

  في تصعيد جديد تشهده الساحة الإثيوبية في خضم القتال الدائر بين إقليم تيجراي (شمالي إثيوبيا) والحكومة الاتحادية منذ ما يربو على أسبوعين، أمهل رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قوت الإقليم 72 ساعة للاستسلام قبل أن يبدأ الجيش هجومًا على "ميكيلي"، عاصمة الإقليم، ردًا على ما تعتبره أديس أبابا "تمردًا غير مشروع" من الإقليم. وتضمنت المُهلة التي نشرها آبي أحمد في صورة خطاب عبر تويتر، في وقت متأخر من مساء أمس الأحد، تحذيرات للمدنيين في الإقليم الشمالي، من أن الجيش الإثيوبي قد يستخدم الدبابات والمدفعية لقصف المدينة، وذلك لإحكام السيطرة عليها، وفق ما نقلته "سكاي نيوز" عن وسائل إعلام إثيوبية. [caption id="" align="aligncenter" width="511"] وثيقة نشرها أبي أحمد، على تويتر يعطي جبهة تيجراي مهملة لوقف الحرب[/caption]

رد فعل

وفي خطوة تُعد ردًّا على القرار الإثيوبي، أعلنت جبهة تحرير تيجراي، صباح اليوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني، مسؤوليتها عن تدمير مطار مدينة أكسوم، وقال زعيم جبهة تحرير تيجراي، ديبريتسيون جيبريمايكل، لـ"رويترز": "المهلة كانت ستارًا من أجل السماح للقوات الحكومية بإعادة تجميع صفوفها بعد الهزائم التي طالتها على 3 جبهات"، ولكن لم يصدر أي رد فوري من أي من الجانبين على تصريحات الطرف الآخر الأخيرة. وتعود بداية الأحداث إلى 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، حين شن رئيس الوزراء الإثيوبي، الحائز على جائزة نوبل للسلام 2019، هجومًا عسكريًّا في منطقة تيجراي الشمالية المضطربة لإعادة السيطرة على الإقليم، على خلفية سيطرة الأخيرة على قواعد للجيش الفيدرالي، حيث واصلت بدورها جبهة تحرير شعب تيجراي الحاكمة لإقليم تيجراي شمالي إثيوبيا، تبادل الضربات العسكرية مع الجيش الإثيوبي، وسط تحذيرات دولية من اتساع نطاق المواجهات وتأثيرها على السكان المدنيين. [caption id="" align="aligncenter" width="683"] خريطة إثيوبيا[/caption] وأسفر القتال، الذي اندلع خلال الأيام الماضية، عن مئات القتلى ما بين قوات عسكرية تابعة للحكومة الفيدرالية، وقوات الإقليم، وأعلنت الحكومة الإثيوبية أن قواتها قتلت نحو 500 من "جبهة تحرير شعب تيجراي"، التي سبق أن اتهمها آبي أحمد بإعدام جنود تابعين للحكومة الاتحادية، إلى جانب فرار نحو 40 ألف لاجئ، وفق تصريحات أدلى بها معتمد شؤون اللاجئين السوداني عبد الله سليمان، لوكالة فرانس برس في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني.

جُذور الخلاف

ويبدو أن أمد الصراع سيطول ويتسع بعدما طال إقليم أمهرة، جنوب تيجراي، وكذلك العاصمة الإريترية أسمرة، وفق ما أوضحه أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الإفريقية في جامعة القاهرة، أيمن شبانة، لـ"ذات مصر"، قائلاً إن كل طرف يُصر على أن يحقق مكتسبات على الأرض يستطيع أن يستفيد منها على مائدة التفاوض، "ولذلك لا أتوقع نهاية وشيكة لهذا الصراع ولو حتى جرى اتفاق على وقف إطلاق النار، لأنه سيكون اتفاقًا هشًّا لا يعالج جذور الأزمة، ونخشى أن يتحول إقليم تيجراي إلى دارفور جديدة في القرن الإفريقي". وتابع شبانة: صحيح أن الصراع في إثيوبيا داخلي ولكن تداعياته تتخطى الحدود الداخلية، حيث إن هذا الصراع سيؤثر على مفاوضات سد النهضة بين إثيوبيا ومصر والسودان، خصوصًا أن إثيوبيا دائمًا تتذرع بأوضاعها الداخلية لكي تماطل في المفاوضات. [caption id="" align="aligncenter" width="986"] شبانة[/caption] وظل الخلاف بين الحكومة الإثيوبية الاتحادية وجبهة تحرير تيجراي على المستوى السياسي فقط لمدة عامين، منذ أن تولى آبي أحمد رئاسة الوزراء عام 2018، بسبب عدم التوافق حول خطط الأخير الإصلاحية في ما يخص الملفات السياسية والاقتصادية، ما دفع تيجراي لإجراء انتخابات منفردة، رغم قرار الحكومة الفيدرالية بتأجيل الانتخابات العامة في البلاد بسبب جائحة كورونا، وهو ما اعتبرته حكومة إثيوبيا دون جدوى، حتى نشبت المواجهات العسكرية. واعتبرت الخبيرة في الشؤون الإفريقية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أماني الطويل، في حديث إلى "ذات مصر" أن المُهلة التي أعطاها آبي أحمد للإقليم لكي يستسلم ما هي إلا خطوة في إطار الحرب المعنوية بين الطرفين، خصوصًا أن آبي أحمد سبق أن أعطى مهلة لقادة إقليم تيجراي للاستسلام ولم يُستجب لها، وفكرة المُهلة ليست واقعية مع طبيعة هؤلاء القادة لأنهم محاربون أشداء لا يستسلمون ويؤمنون بعدالة قضيتهم، وفق وصفها. ولفتت خبيرة الشؤون الإفريقية إلى أن هذه المُهلة أيضًا للمدنيين لكي يخرجوا من عاصمة تيجراي، وبالفعل هم بدؤوا في الخروج إلى الجبال، لأنه حال الهجوم بالطائرات الإثيوبية على الإقليم في ظل وجود مدنيين سيُعرض ذلك رئيس الوزراء الإثيوبي للوقوع تحت طائلة القانون الدولي. ووسط مخاوف من أن تنزلق البلاد من جراء هذه الاضطرابات إلى حرب أهلية، حذرت الأمم المتحدة من أن ما يجرى في شمالي إثيوبيا يرتقي ليكون "جرائم حرب"، في إشارة إلى تقارير (أعلنتها منظمة العفو الدولية) عن عمليات قتل جماعي تعرض لها عشرات المدنيين في إقليم تيجراي في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، وحثت الأمم المتحدة إثيوبيا في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، على ضمان حماية المدنيين بعد إمهال رئيس الوزراء آبي أحمد قوات إقليم تيجراي 72 ساعة للاستسلام. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أبي أحمد[/caption] وترفض إثيوبيا أي جهود إفريقية للوساطة، وكانت أنباء تواترت عن اختيار الاتحاد الإفريقي في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 3 رؤساء، هم رؤساء موزمبيق وليبيريا وجنوب إفريقيا السابقون، للتوسط في محادثات لوقف إطلاق النار وإنهاء الأزمة المستمرة منذ أكثر من أسبوعين في الإقليم الإثيوبي، لكن أديس أبابا نفت ‬إجراء محادثات وشيكة حول الصراع مع إقليم تيجراي الذي تعتبره الحكومة الفيدرالية "منشقًّا عنها".‬‬‬‬‬ ويرى أيمن شبانة، أن الاتحاد الإفريقي لا يملك أكثر من الوساطة الناعمة في الصراع، كما أن الوساطة الدولية حتى الآن لم تتعدّ كونها دعوات لترك السلاح وضبط النفس، فضلاً عن أن رئيس الوزراء السوداني حاول التوسط ورُفِضت هذه الجهود، خصوصًا من حاكم تيجراي، وتتوسط حاليًّا أوغندا التي ستعقد اجتماعًا مع رئيس الوزراء الإثيوبي وحاكم تيجراي في محاولة للسيطرة على النزاع.