"جاهزة للاستعمال فوراً": جرعة عقوبات قيد التحضير لردع تركيا

ذات مصر
  عاد شبح العقوبات مرة أخرى ليحوم حول أنقرة التي أثارت بتصرفاتها الأزمات في المنطقة، بعد أن حذر وزير التجارة الفرنسي فرانك ريستر، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، خلال مقابلة مع إذاعة "فرانس إنتر" من أن المجلس الأوروبي المقبل سينظر في مسألة تركيا وقد يفرض قيودًا عليها بسبب سلوكها "غير المقبول" في ناجورنو كاراباخ، منتقدًا موقف أنقرة حول الدعوات إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية في بعض البلدان الإسلامية على خلفية الجدل بشأن الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، بحسب وكالة "فرانس برس". وتسعى باريس، التي تشهد علاقتها بأنقرة توترًا ملحوظًا منذ ما يقرب من عام حول ملفات سوريا وليبيا وشرق المتوسط، لفرض عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي على تركيا على خلفية تهجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لدفاعه خلال تأبين المدرس الفرنسي صامويل باتي عن الحق في نشر صور كاريكاتورية للنبي محمد، الشهر الماضي. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أردوغان وماكرون[/caption]

قرار محتمل

ولن يستطيع الاتحاد الأوروبي حسم قراره بفرض عقوبات على تركيا حتى انعقاد القمة الأوروبية المقرر لها ديسمبر/ كانون الأول المقبل في بروكسل، ولكن قبل ما يقرب من شهر، أدان رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال في بيان صحفي، عقب قمة أوروبية عبر الفيديو لاستعراض التدابير الأوروبية لمكافحة كوفيد-19، ما وصفه بـ"التحركات التركية الأخيرة الأحادية في شرق المتوسط، والاستفزاز والخطاب غير المقبولين تمامًا"، في إشارة إلى الأزمة التي تشهدها المنطقة على خلفية تنقيب "أنقرة" عن الغاز الطبيعي قرب السواحل اليونانية والقبرصية، بسبب الخلاف حول الحدود البحرية. وتبنى الاتحاد -وقتها- مقاربة تجاه تركيا تنص على الالتزام بتحسين بعض وجوه التعاون واستئناف الاتحاد الجمركي بين الاتحاد وأنقرة، شرط أن توقف تركيا التنقيب غير القانوني في المياه القبرصية وأن تؤكد رغبتها في الحوار مع أثينا. بدورها، هددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بأن المفوضية ستستخدم جميع الأدوات بحوزتها، حال واصلت أنقرة تحركاتها غير القانونية، وأن المفوضية أعدت صيغة عقوبات اقتصادية وهي جاهزة "للاستعمال فورًا". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] شارل ميشال[/caption] وطوال الشهور الماضية، تتلقى أنقرة إدانات وتهديدات بفرض عقوبات، ليس فقط من جانب الاتحاد الأوروبي، ولكن كذلك من الولايات المتحدة، إذ دعا أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي إلى فرض عقوبات على تركيا على خلفية تشغيلها منظومة صواريخ إس-400 الروسية، في حين أشارت وسائل إعلام محلية إلى احتمالية فتح تحقيق أمريكي، بشأن علاقة الرئيس التركي وعائلته بتاجر إيراني قدم رشاوى لمسؤولين أتراك، لمساعدته في استخدام البنوك التركية في عمليات غسل الأموال بتحويل المال الإيراني إلى ذهب، وإعادة بيعه مرة أخرى مقابل العملات الصعبة، ما يسمح بإخفاء المنشأ الإيراني لهذه الأموال، وهو ما شكّل التفافًا على العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أردوغان وزوجته[/caption]

خطوة إلى الوراء

ويبدو أن أنقرة استشعرت أن قرار العقوبات قد يصير بين ليلة وضحاها أمرًا واقعًا عليها أن تتعامل معه، ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى دعوة الاتحاد الأوروبي للحوار، محذّرا التكتل من التحوّل إلى أداة لمعاداة بلاده، في ظل ارتفاع منسوب التوتر بشأن حقوق التنقيب على موارد الطاقة في شرق المتوسط. وقال الرئيس التركي في خطاب مسجّل لمؤتمر حزبه الحاكم: "نتوقع من الاتحاد الأوروبي الوفاء بوعوده وعدم التمييز ضدنا أو على الأقل عدم التحول إلى أداة للعداوات المفتوحة التي تستهدف بلدنا؛ لا نرى أنفسنا في أي مكان آخر غير أوروبا، ونتطلع إلى بناء مستقبل مشترك معها". ومؤخرًا، وتحديدًا في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارًا بتمديد عقوباته على تركيا بسبب أنشطتها غير القانونية في البحر المتوسط، وتتمثل العقوبات في حظر السفر إلى الاتحاد الأوروبي، وتجميد أصول الأشخاص والكيانات، إلى جانب حظر توفير الأموال للمدرجين على لائحة العقوبات. ومن الواضح أن اللين الذي أبدته تركيا في خطابها الأخير، ليس نتاج التهديدات بتوقيع العقوبات فقط، ولكنه نابع من التراجع الذي تشهده أنقرة مؤخرًا على المستويات كافة، خصوصًا الاقتصاد، وتهاوي الليرة مقابل الدولار، وذلك في خضم انخراط أنقرة في عدة معارك ما بين الصراع في شرق المتوسط ودعم حكومة الوفاق في ليبيا وكذلك دورها في سوريا وإقليم كاراباخ. ومؤخرًا، وتحديدًا في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارًا بتمديد عقوباته على تركيا بسبب أنشطتها غير القانونية في البحر المتوسط، وتتمثل العقوبات في حظر السفر إلى الاتحاد الأوروبي، وتجميد أصول الأشخاص والكيانات، إلى جانب حظر توفير الأموال للمدرجين على لائحة العقوبات. ومن الواضح أن اللين الذي أبدته تركيا في خطابها الأخير، ليس نتاج التهديدات بتوقيع العقوبات فقط، ولكنه نابع من التراجع الذي تشهده أنقرة مؤخرًا على المستويات كافة، خصوصًا الاقتصاد، وتهاوي الليرة مقابل الدولار، وذلك في خضم انخراط أنقرة في عدة معارك ما بين الصراع في شرق المتوسط ودعم حكومة الوفاق في ليبيا وكذلك دورها في سوريا وإقليم كاراباخ.

عقوبات موجعة!

ولكن فرْض الاتحاد الأوروبي عقوبات قوية على تركيا يعتبر أمرًا مستبعدًا، وفق ما أوضحه الخبير في الشأن التركي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، بشير عبد الفتاح، لـ"ذات مصر"، قائلاً: العقوبات الموجعة من شأنها زيادة الجفاء بين أنقرة والاتحاد وتحفيز تركيا على التوجه للتقارب مع روسيا والصين وإيران وهذا ما لا يريده الغرب، فضلاً عن أن تركيا تلعب دورًا مهمًّا في مسألة الهجرة واللاجئين، وتشديد الضغوط عليها سيدفعها للتقاعس بما يضر المصالح الأوروبية، ولذلك قد تكون العقوبات المحتملة رمزية بهدف توصيل رسالة إلى تركيا بالرفض الأوروبي لسياساتها، لكن دون دفع أردوغان لاتخاذ خطوات متهورة. وبحسب عبد الفتاح، فإن التراجع عن السياسات التركية بناءً على هذه التحركات الأوروبية أمر وارد، خصوصًا أن أردوغان يعلم جيدًا أن هناك تربصًا أمريكيًّا أوروبيًّا به في ظل تغير الإدارة الأمريكية، فضلاً عن الضغوط التي يتعرض لها الأوروبيون من اليونان وفرنسا لفرض عقوبات عليه، ولذلك فهو يحاول أن يهادن من خلال التصريحات والمواقف قدر المستطاع، على الأقل حتى يتجاوز الاجتماع الأوروبي المقبل في ديسمبر/ كانون الأول 2020. [caption id="" align="aligncenter" width="969"] بشير عبد الفتاح[/caption] وعن ملف تورط تركيا مع رجل الأعمال الإيراني، رضا ضراب، رأى خبير الشأن التركي أنه ليس الملف الوحيد الخلافي بين تركيا والولايات المتحدة، فهناك ملفات أكثر تعقيدًا مثل ملف فتح الله جولن، المقيم بأمريكا والذي يتهمه أردوغان بتدبر انقلاب تركي فاشل في 2016، وملف صفقة إس 400 الصاروخية الروسية، وملف الأكراد. وفي النهاية فإن ملف رجل الأعمال الإيراني يعد ملفًّا قانونيًّا موجودًا في المحاكم يمكن أن يُفعّل أو لا، لأن الرجل يمكن أن يتراجع عن أقواله في أي لحظة ويقول إنه مسؤول عن كل شيء، كما أن القضايا الخلافية الأخرى ذات أهمية أكبر باعتبارها تمس الأمن الأمريكي، ولذلك فإن ملف رجل الأعمال الإيراني ليس الأخطر، ولكن يمكن أن يكون "مستصغر شرر" يؤدي إلى مواجهة تركية أمريكية على الصعيد القانوني.