ملفات أجندة "بايدن": اقتصادات العالم تنتظر التعافي

ذات مصر
  يأتي فوز بايدن في وقت خرج فيه الاقتصاد الأمريكي عن مساره وشهد ركودًا حادًّا إثر أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وما استتبعه من حالة إغلاق ألحقت أضرارًا كبيرة بالاقتصاد الأمريكي. ووفقًا لمكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي، فقد تراجع معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي 31.4% في الربع الثاني من العام الحالي، وارتفعت معدلات البطالة من 3.5% في فبراير/ شباط 2020 لتصل إلى 6.9% في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وفقد ما يقرب من 15 مليون أمريكي وظائفهم، فضلاً عن تعرض الشركات كبراها وصغراها لضغوطات مادية كبير. وجاءت أجندة بايدن لتواكب الأوضاع الاقتصادية السائدة في الداخل الأمريكي، ومدفوعة برغبته في إدارة التعافي الاقتصادي للبلاد، ومن هنا تمركزت سياسته حول الاهتمام بالطبقة المتوسطة والنهوض بها على اعتبار ما ذكره في أحد تصريحاته من أنها "الطبقة التي أسهمت في بناء الولايات المتحدة الأمريكية". واهتم بايدن بعدة قضايا أخرى: رغبته في الانفتاح التجاري على العالم، وتنشيط التجارة العالمية، فضلاً عن معالجة الصدع في العلاقات الاقتصادية الأمريكية-الصينية، وتوجهه نحو الطاقة النظيفة. وهي القضايا التي ستؤثر بلا شك في مستقبل الاقتصاد العالمي، واقتصادات منطقة الشرق الأوسط. [caption id="" align="aligncenter" width="1100"] الرؤية الاقتصادية لبايدن[/caption] وفقًا للأوضاع الاقتصادية الحالية التي تشهدها الولايات المتحدة، ستكون على الرئيس الأمريكي بايدن مهمة صعبة لإدارة التعافي الاقتصادي للبلاد، وجاءت الطبقة المتوسطة كأحد أهم محاور سياساته، على اعتبار أن الاهتمام بالطبقة المتوسطة أمر أساسي لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة، وفي ما يلي أبرز الملفات على أجندة بايدن الاقتصادية:

الرعاية الصحية:

بناءً على البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء بالولايات المتحدة، فقد ارتفع معدل غير المؤمَّن عليهم من 8.9% في عام 2018 إلى 9.2% في عام 2019، وذلك نتيجة لسياسة ترامب، التي كانت تهدف إلى تقليص الدعم المقدم للرعاية الصحية، إلا أن رؤية بايدن تقوم على توسيع الرعاية الصحية (أوباما كير) ليشمل 97% من الأمريكيين وبتكلفة تُقدر بـ750 مليار دولار أمريكي على مدار 10 سنوات، وإتاحته للجميع، كما أعلن أنه سيعمل على خفض سن استحقاق الرعاية الصحية من 65 إلى 60 سنة.

الضرائب:

يرى بايدن ضرورة سنّ قانون ضرائب يقوم على رفع الحد الأعلى لمعدل الضريبة، وهو مختلف عن قانون الضرائب الصادر عام 2017، والذي كان يرغب ترامب في الاستمرار عليه، والذي يقوم على توسيع الإعفاءات الضريبية. ومن المتوقع أن تحقق خطة بايدن ما يقرب من 4 تريليونات دولار من الإيرادات الإضافية على مدى عقد من الزمان. ووفقًا لمركز السياسة الضريبية "ستتحمل 20% من الأسر ذات الدخل الأعلى (التي تربح نحو 170 ألف دولار أو أكثر) ما يقرب من 93% من عبء الزيادة الضريبية المقترحة". ومن التغييرات التي يريد بايدن إجراءها:
  • رفع الحد الأعلى لضريبة الدخل من 37% إلى 39.6%.
  • فرض ضريبة على أرباح رأس المال وتوزيعات الأرباح لمن يتخطى دخلهم السنوي المليون دولار.
  • فرض ضريبة أرباح رأس المال غير المحققة عند الوفاة.
  • تطبيق ضريبة رواتب الضمان الاجتماعي لأولئك الذين يكسبون أكثر من 40 ألف دولار في السنة.
  • رفع معدل الضريبة على دخل الشركات الأعلى من 21% إلى 28%.
  • فرض ضريبة 15% كحد أدنى على الدخل المسجل للشركات الكبيرة (على الأقل 100 مليون دولار صافي الدخل السنوي).
  • رفع معدل الضريبة إلى 21% على الأرباح التي حققتها الشركات الأمريكية العاملة خارج البلاد.

البنية التحتية:

وفقًا لأجندة بايدن، فإنه يريد تخصيص 1.3 تريليون دولار أمريكي لصالح البنية التحتية ضمن إستراتيجيته خلال (2020-2030)، يشمل المبلغ تخصيص 50 مليار دولار في عامه الأول من توليه الرئاسة لإصلاح الطرق والطرق السريعة والجسور، و20 مليار دولار على البنية التحتية للنطاق العريض في المناطق الريفية، و400 مليار دولار على مدى 10 سنوات لإنشاء وكالة فيدرالية جديدة لإجراء أبحاث وابتكارات في مجال الطاقة النظيفة، و5 مليارات دولار على مدى 5 سنوات لتكنولوجيا بطاريات السيارات الكهربائية، و10 مليارات دولار على مدى 10 سنوات لمشاريع النقل التي تخدم مناطق ذات الفقر المرتفع.

حقوق العمال:

يدعم بايدن رفع الحد الأدنى للأجور الفيدرالية إلى 15 دولارًا في الساعة، كما يرغب في منح العمال المزيد من القدرة على المساومة من خلال التخلص من البنود "التعسفية" غير التنافسية، وإزالة القيود التي تمنع الموظفين من مناقشة الأجور. كما دعا إلى ضرورة سنّ سياسات قوية تُنظِّم العلاقة بين العمل والأسرة، وذلك لضمان قيام أصحاب العمل بتخصيص ما لا يقل عن 12 أسبوعًا من الإجازات العائلية والطبية مدفوعة الأجر لجميع العمال أصحاب الأسر.

التصنيع:

صرح بايدن برغبته في توسيع قاعدة التصنيع والابتكار، وذلك للمساعدة في تعزيز الصناعة المحلية وخلق الملايين من الوظائف الجديدة، وبنحو خاص توفير مليون وظيفة في قطاع السيارات والبنية التحتية للسيارات، والاستثمار في عمال السيارات في الولايات المتحدة، وضمان حصولهم على وظائف ذات معايير عمل قوية.

التجارة:

سوف يستثمر بايدن 300 مليار دولار لاستعادة ريادة أمريكا في التقنيات الحيوية، ويركز على الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا بطاريات المركبات الكهربائية، وبدلاً من انتهاج سياسة فرض الرسوم الجمركية، سيعمل بايدن مع حلفاء الولايات المتحدة لتشكيل جبهة موحدة لمواجهة النزاعات التجارية مع الصين. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الانعكاسات المتوقعة على الاقتصاد الدولي[/caption] رغم أن معظم سياسات بايدن تركزت على القضايا الوطنية باعتبارها أولوية أولى، فإن سياسته المتعلقة بالاستثمار في التقنيات الحديثة والتركيز على تنمية الصناعة المحلية تهدف بالأساس إلى مواجهة التوغل الاقتصادي والتجاري للصين، وتحقيق القدرة التنافسية للصناعة الأمريكية مقابل الصينية، وقد انعكس ذلك في تصريحات بايدن بأنه لا بد من أن تتحمل الصين مسؤولية ممارستها التجارية غير العادلة، كما اقترح تحالفًا دوليًّا ليكون قوة لا يستهان بها أمام الصين. ونتيجة لتركيز بايدن على مقاربات أقل حدة في التعامل مع الصين، مقارنةً بسياسات ترامب، فقد ينتج عن ذلك مزيد من المفاوضات التجارية، وهذا سيخلق بالتبعية بيئة عمل أفضل للشركات من البلدين، وقد تستفيد دول أوروبا واليابان من سياسة بايدن التي تميل إلى التهدئة من خلال الترويج لقطاعات التصنيع البارزة فيها. وبالنسبة إلى اقتصاد الطاقة النظيفة، فإن خطة بايدن تقوم على مواجهة أزمة المناخ، فستنضم إدارة بايدن إلى اتفاق باريس للمناخ، وستُعقد قمة عالمية للمناخ لإشراك قادة الدول الرئيسة المُسبِّبة لانبعاثات الكربون مباشرة، لإقناعهم بالانضمام إلى الولايات المتحدة في تقديم تعهدات وطنية أكثر طموحًا، وهذا يشمل الضغط على الصين -أكبر مصدر للكربون في العالم- لوقف دعم صادرات الفحم. وستنعكس سياسات بايدن الاقتصادية على التجارة العالمية، فقد انتقد التعريفات الجمركية التي أقرها ترامب، وأكد في تصريحاته على ضرورة تشكيل قواعد التجارة العالمية أكثر انفتاحًا وخفض الحواجز أمام التجارة في جميع أنحاء العالم، وهذا يعني مزيدًا من العلاقات التجارية وفتح أسواق جديدة للشركات الأمريكية. وبالنسبة إلى إفريقيا، ستسعى الولايات المتحدة للمزيد من العلاقات التجارية من خلال إصلاح العلاقات الدبلوماسية، وذلك من خلال "برنامج التجارة والاستثمار الإفريقي"، والذي تبلغ قيمته بين 500 و750 مليون دولار أمريكي، ومن خلال شركة تمويل التنمية الدولية للولايات المتحدة الأمريكية، المسؤولة عن توفير التمويل للدول ذات الدخل المنخفض. أما العلاقات الاقتصادية مع أوروبا، فسيعمل بايدن بجد لدعم الناتو وتحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وذلك لمواجهة التحديات القادمة من موسكو وبكين.

الانعكاسات المتوقعة على اقتصادات الشرق الأوسط

يسعى بايدن، ضمن أولوياته، للسيطرة على الوباء في الولايات المتحدة، وسرعان ما أعلن عن تشكيل فريق عمل من الخبراء للمساعدة في مكافحة الوباء، وستعمل هذه الإجراءات على تمهيد الطريق للاستقرار الاقتصادي والنمو في الولايات المتحدة، وهذا سيفيد الأسواق العالمية بما فييها أسواق الشرق الأوسط، حيث تعتمد المنطقة بقدر كبير على الطاقة والتجارة العالمية والأعمال والسياحة، والتي تأثرت كثيرًا بتباطؤ الطلب العالمي. ووفقًا لسياسة بايدن، التي تقوم على تخفيف الإجراءات الحمائية التجارية مع الصين لصالح العودة إلى النمو العالمي، ستكون هذه نتيجة مُرحَّبًا بها من اقتصادات الشرق الأوسط التي تعتمد على التجارة العالمية وتحتاج إلى سلسلة إمداد عالمية تتسم بالكفاءة والفاعلية من أجل رفاهيتها الاقتصادية، كما سيساعد الحد من التوترات التجارية على قدرة دول الشرق الأوسط على توسيع العلاقات على نحوٍ فعّال، فمن مصلحة دول الشرق الأوسط الحفاظ على العلاقات الاقتصادية وتنميتها مع كل من الولايات المتحدة والصين ولا تريد أن تضطر إلى الانحياز إلى أحد الجانبين. ولا شك أن سياسة بايدن في مجال الطاقة ستختلف عن سابقتها، فوفقًا لتصريحاته سيكون التحول بعيدًا عن صناعة النفط نحو الطاقة المتجددة تدريجيًّا، وهذا يعني تغيير معادلة إمدادات الطاقة العالمية، لأن انخفاض العرض من الولايات المتحدة قد يكون له تأثير استقرار على الأسعار، وقد لا تفيد سياسات الطاقة لبايدن المُصدِّرين في الشرق الأوسط على المدى الطويل وخاصة اقتصادات دول الخليج. وبالنسبة إلى إيران، فقد وعد بايدن بإعادة إحياء الاتفاق النووي في مقابل عودة إيران إلى التزاماتها السابقة، وهو الأمر الذي ربما يمثل تحديًا اقتصاديًّا يواجه دول الخليج، بسبب منافسة النفط الإيراني لنظيره الخليجي. ختامًا، يواجه بايدن وضعًا اقتصاديًّا متأزمًا، على المستوى الأمريكي في الداخل، وعلى المستوى العالمي، ما سيجعل برنامجه الاقتصادي يقع في قلب ورأس أولويات أجندة عمله في البيت الأبيض، خاصة في الأيام المئة الأولى.