من وحي "خطاب القرشي": "داعش" يتمدد جنوب الصحراء الإفريقية

ذات مصر
  في 18 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بث تنظيم داعش كلمة صوتية لمتحدثه أبي حمزة المهاجر القرشي، دعا فيها عناصر وأنصار التنظيم لشن هجمات ضد السجون وإطلاق سراح أعضائه الموجودين بها، وخلال أيام معدودة كانت أولى الاستجابات لدعوته في الكونغو، حيث اقتحم مسلحون محليون مبايعون له سجن "كانجباي" المركزي في بلدة بيني (شرق البلاد) وأطلقوا المئات من مقاتليه وأنصاره. وبعد أسابيع قليلة من هجوم الكونغو، أعلن مسؤولون رسميون في موزمبيق أن مسلحي داعش حاولوا مرتين اقتحام "سجن ميزي" في مقاطعة "كابو دلجاو"، في تطور جديد داخل المقاطعة التي تُعد مسرحًا لعمليات التنظيم في البلاد. مثلت محاولات "داعش" لاقتحام السجن الموزمبيقي تصعيدًا جديدًا لوتيرة العمليات الإرهابية التي تقودها "ولاية وسط إفريقيا" الداعشية، التي أعلن التنظيم عن تأسيسها قبل فترة، ليشمل نطاق عملياتها الجغرافي دولتي الكونغو وموزمبيق. وحسب مركز "صوفان" الأمريكي فإن محاولات اقتحام السجون وغيرها من العمليات تعد وسيلة هامة للتنظيم لتعزيز وتدعيم صفوف مقاتليه وإظهارهم الولاء له، إذ تتم تلك الهجمات بصورة منسقة مع التنظيم المركزي الذي دعا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لتنفيذ هجمات مماثلة. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] مسلحو داعش في جنوب الصحراء الأفريقية[/caption]

"خطاب القرشي".. كلمة السر

يمثل خطاب/ كلمة أبو حمزة القرشي كلمة السر في الأحداث والنشاط الداعشي الأخير، فقد تضمنت كلمة "القرشي" الأخيرة ثناءً خاصًا على مقاتلي داعش في موزمبيق والكونغو، الذين شنوا خلال الفترة الماضية سلسلة هجمات منسقة، وتمكنوا من توسيع دائرة العمليات في أكثر من منطقة، وتبعها اقتحام السجن المركزي في كانجباي الكونغولية. ورغم أن تحليل عملية اقتحام السجن يشير إلى أن المقاتلين المحسوبين على داعش في البلاد خططوا لها محليًّا، فإن تنفيذها بعد أيام معدودة من "كلمة القرشي" يكشف أن هذا التزامن بينهما كان مقصودًا لتحقيق غرض دعائي ورفع الروح المعنوية لعناصر التنظيم. [caption id="" align="aligncenter" width="800"] أبو حمزة القرشي[/caption] كما أن سرعة تبني التنظيم لعملية اقتحام السجن، يكشف أن قنوات الاتصال بين فرعي داعش في الكونغو وموزمبيق وبين التنظيم المركزي في العراق وسوريا تعمل بفاعلية كبيرة، وأن العلاقات بينهما راسخة، ويبدو أن مقاتلي داعش في الكونغو تلقوا ضوءًا أخضر من قيادة التنظيم المركزية قبل تنفيذ الهجوم. وحسب وثائق سابقة كشفها مركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية "ويست بوينت" العسكرية الأمريكية بنيويورك فإن آلية العمل الإعلامي داخل داعش تتطلب إرسال أخبار وصور وفيديوهات العمليات التي نفذتها الأفرع الداعشية إلى ديوان الإعلام المركزي للتنظيم عبر قنوات سرية، ومن ثم يعرضها إعلاميو داعش على القيادات المختصة داخل الديوان، وإذا سُمح بنشرها يبثونها في صورة رسائل إعلامية دعائية عبر منصات التنظيم الرسمية المختلفة. ومن الواضح أن التنسيق بين "داعش" وأفرعه يتخطى حدود العمل الإعلامي، إلى غيره من مجالات العمل التنظيمي، فمثلاً تضمنت كلمة المتحدث باسم تنظيم داعش تأكيدًا على وجود مجموعات جديدة في مختلف أنحاء العالم بايعت خليفته "أبوإبراهيم الهاشمي"، ولعل المفردات التي استخدمها "القرشي" وعدم إعلانه عن أسماء المجموعات الجهادية التي بايعت التنظيم مؤخرًا، تُشير إلى أنه هدف إلى إرسال رسائل خفية إلى مؤيدي "داعش" في أنحاء العالم. وعقب أسابيع معدودة من الكلمة السابقة، أعلنت مجموعة من الجهاديين الميانماريين الذين ينتمون إلى "الروهينجا" بيعتهم لـ"الهاشمي" عبر بيان نشروه على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقًا لـ"مركز صوفان". وتُعتبر البيعة المذكورة تطورًا نوعيًّا على مستوى الصراع في ميانمار، حيث إن المجموعات الجهادية المحلية في إقليم أراكان الميانماري التزمت طوال سنوات الصراع الماضية خطًا محايدًا يبتعد عن تنظيمات الجهاد المعولم مثل القاعدة وداعش، لكن من غير المتوقع أن يسارع "داعش" بالاعتراف بمجموعات الروهينجا الجهادية كفرع جديد له، خاصة أن تجاربه السابقة تُشير إلى أنه يتريث في هذا الأمر، حتى تنفذ تلك المجموعات هجمات ضمن مناطق نشاطها، كما حدث في حالة فرع "داعش" في موزمبيق والكونغو. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] جنود من الكونغو الديمقراطية[/caption]

فرع وسط إفريقيا كتمدد داعشي

بحسب مركز صوفان، فإن فرع وسط إفريقيا برز من ركام التراجع الداعشي في سوريا والعراق، ففي حين انهارت الخلافة المكانية لداعش في سوريا والعراق بسقوط قرية الباغوز فوقاني (مارس/ آذار 2019)، تمدد التنظيم في وسط إفريقيا بقبوله بيعة المجموعات الجهادية المحلية في موزمبيق والكونغو والتي قبلها زعيمه السابق "أبوبكر البغدادي" في إبريل/ نيسان 2019. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] شعار داعش[/caption] شكّل الفرع الجديد فرس رهان رابحًا لدى التنظيم الإرهابي، فخلال الشهور التالية، وسع الجهاديون في موزمبيق رقعة عملياتهم في شمال البلاد، خصوصًا في مقاطعة "كابو دلجاو"، ووصل لهيب العمليات الإرهابية حتى تنزانيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وهو ما حدا بالعديد من الدول- بينها كوريا الجنوبية- إلى تحذير رعاياها من السفر إلى تلك المنطقة. وفي الكونغو، نفذ الجهاديون المبايعون لداعش سلسلة هجمات منسقة "رفيعة المستوى"، ورغم عدم سيطرتهم على مناطق في البلاد، فإن نشاطهم الإرهابي لا يقل خطورةً عن نشاط الفرع الموزمبيقي، كما أنهم نجحوا مؤخرًا في إطلاق سراح عناصر جهادية وإجرامية عبر حملة "هدم أسوار السجون"، وهو ما سيزيد تعداد مقاتليهم، وبالتالي سيسهم في زيادة معدل ووتيرة الهجمات الإرهابية في المنطقة في الأسابيع والشهور المقبلة. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] شعار مركز صوفان[/caption] ووفقًا للمركز الأمريكي، فإن داعش سيواصل الاعتماد على فرع وسط إفريقيا وغيره من الفروع، طوال الفترة المقبلة، لإثبات أنه لا يزال حاضرًا وبقوة في المشهد وأن خلافته ستستمر حتى بعد التراجع الملحوظ في نشاط فرعه المركزي (سوريا والعراق).