الانسحاب الخامس: لماذا تتنصّل أمريكا من التزاماتها الدولية؟

  للمرة الخامسة خلال أقل من عامين تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية قرارًا بالانسحاب من اتفاقية دولية أو كيان أممي، بعدما أعلنت رسميًّا في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي أنها لم تعد طرفًا في معاهدة "الأجواء المفتوحة". وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن "الولايات المتحدة مارست حقها بموجب الفقرة الثانية من المادة 15 من اتفاقية الأجواء المفتوحة، ووجهت إشعارًا بقرارها الانسحاب من الاتفاقية إلى الجهات المودعة الاتفاقية لديها وكل الدول الأخرى المشاركة فيها في 22 مايو/ أيار الماضي، على أن يدخل هذا الانسحاب حيز التنفيذ بعد 6 أشهر من تاريخ الإشعار". وتسمح اتفاقية الأجواء المفتوحة الموقّعة في عام 1992 والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2002، لـ34 دولة بإجراء رحلات استطلاع غير مسلحة بعضها فوق أراضي بعض، للاستكشاف الذي من شأنه تعزيز الشفافية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا. وفي معرض تعليقها على الانسحاب الأمريكي، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان صحفي في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني إنها ستسعى للحصول على ضمانات مؤكَّدة على أن الدول المتبقية في معاهدة الأجواء المفتوحة ستفي بالتزاماتها، أولاً: لضمان إمكانية مراقبة أراضيها بالكامل، وثانيًا: بشأن عدم تسريب معلومات رحلات الاستطلاع إلى دول ثالثة غير مشاركة في المعاهدة. والتأكد من انسحاب واشنطن من المعاهدة لم يعد بالفائدة على أمن كل من أوروبا والولايات المتحدة وحلفائها. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] ترامب[/caption]

انسحابات سابقة

لم تكن اتفاقية الأجواء المفتوحة الأولى في سلسلة الانسحابات الأمريكية، ففي 8 مايو/ أيار 2018، أعلن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، في كلمة ألقاها من البيت الأبيض، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، وأعاد العمل بالعقوبات المفروضة على طهران، واصفًا الاتفاق بأنه "كارثي". https://youtu.be/3MAWOfXklUA?t=10 وفي 8 يوليو/ تموز الماضي، بدأ الرئيس الأمريكي رسميًّا إجراءات سحب بلاده من منظمة الصحة العالمية، على خلفية اتهامه للوكالة الأممية بالتأخر في التحرك للتصدي لفيروس كورونا المستجد، على أن يكون انسحاب بلاده -التي تُعد أكبر مساهم في المنظمة- نافذًا بعد مهلة عام، أي في 6 يوليو/تموز المقبل. وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، انسحبت الولايات المتحدة رسميًّا من اتفاقية باريس للمناخ التي وُضعت عام 2015 في ختام المؤتمر العالمي للمناخ لمكافحة الاحتباس الحراري ووقعتها 195 دولة، بعد 3 سنوات من إعلان الرئيس ترامب للخطوة، على أن تستطيع الولايات المتحدة أن تنضم مرة أخرى إلى الاتفاقية في المستقبل.

ما رأي بايدن؟

الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الذي سيصل إلى البيت الأبيض بصفة رسمية في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، حذر في بيان نشره على موقع "ميديوم" الخاص بالبيانات العامة، في مايو/ أيار الماضي، من تبعات انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الأجواء المفتوحة، وأن المعاهدة قد تنهار في غياب الولايات المتحدة والخروح منها سيزيد من التوتر بين الغرب وروسيا، وستزداد معه خطورة وقوع الخطأ واشتعال النزاع. وصرح بايدن سابقًا لمجلس العلاقات الخارجية، قبل اختياره رئيسًا للبلاد، بأنه يعتزم عودة انضمام الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي إذا ما استأنفت إيران أولاً إجراءات الامتثال الصارم لالتزاماتها النووية بموجب الاتفاق، كنقطة انطلاق للعمل جنبًا إلى جنب مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والقوى العالمية الأخرى لتمديد القيود النووية للاتفاق. وفي ما يخص منظمة الصحة العالمية، وعد بايدن خلال فترة ترشحه للرئاسة، بأنه سيلغي قرار انسحاب بلاده من القرار في حال انتخابه في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، وكتب على تويتر في 7 يوليو/ تموز الماضي: "يكون الأمريكيون أكثر أمانًا عندما تنخرط أمريكا في تعزيز الصحة العالمية".

Americans are safer when America is engaged in strengthening global health. On my first day as President, I will rejoin the @WHO and restore our leadership on the world stage. https://t.co/8uazVIgPZB

— Joe Biden (@JoeBiden) July 7, 2020
وتعهد بايدن في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بانضمام الولايات المتحدة مجددًا إلى اتفاق باريس للمناخ، الذي انسحبت منه بلاده رسميًّا، بعد قرار اتخذه الرئيس ترامب المنتهية ولايته. وذكر عبر تغريدة على تويتر، أن بلاده غادرت اتفاق باريس المناخي، ولكنها ستعود إليه "خلال 77 يومًا"، في إشارة منه إلى 20 يناير/ كانون الثاني 2021، تاريخ بدء الولاية الرئاسية المقبلة.

Today, the Trump Administration officially left the Paris Climate Agreement. And in exactly 77 days, a Biden Administration will rejoin it. https://t.co/L8UJimS6v2

— Joe Biden (@JoeBiden) November 5, 2020

شروط العودة

ويتوقف قرار الرئيس المنتخب بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني على إجراء مفاوضات مع طهران حول تمديد الاتفاق وتوسيع نطاقه، وفق ما أوضحه المحلل السياسي، عاطف عبد الجواد لـ "ذات مصر"، في حين يتوقف موقف بايدن من اتفاق الأجواء المفتوحة لى عودة روسيا للالتزام الكامل بهذا الاتفاق، خصوصًا وأن موسكو تفرض قيودًا على تنفيذ الاتفاق فوق منطقة كالينينجراد الواقعة بين بولندا وليتوانيا وفيها وجود عسكري روسي كبير، بجانب القيود الروسية المفروضة على حدود جورجيا. ورغم أن أوروبا تعارض الانسحاب الأمريكي من الأجواء المفتوحة، تقول واشنطن إنها سوف تعوض أوروبا من خلال تزويدها بمعلومات استخباراتية أخرى عن التحركات العسكرية الروسية. ومن بين كل هذه الاتفاقات، لن يعود بايدن بسرعة إلا إلى اتفاق باريس المناخي، وسوف تتوقف عودته إلى الاتفاقيات الأخرى على نتيجة مفاوضاته مع روسيا ومع إيران في حالة الاتفاق النووي 2015 والذي وقعته 4 دول أخرى بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وفق عبد الجواد. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الدكتور عاطف عبد الجواد[/caption] وبحسب المحلل السياسي المقيم في واشنطن، تشمل الاتفاقيات التي انسحبت منها حكومة ترامب كذلك معاهدة الصواريخ متوسطة المدى المُبرمة مع موسكو في 2 أغسطس/ آب 2019، والتي تقول واشنطن إن سبب انسحابها يعود لانتهاك روسيا لهذه المعاهدة بإنتاجها صواريخ أطول مدى مما تسمح به المعاهدة. كما ترغب وشنطن أيضًا في انضمام الصين إلى المعاهدة، والواقع هو أن روسيا استغلت المودة التي يبديها الرئيس ترامب نحو موسكو في انتهاك اتفاقيتي الأجواء المفتوحة والصواريخ متوسطة المدى، لكن حكومة ترامب ردت على هذه الانتهاكات بالانسحاب منهما، ولم يكن الانسحاب مفاجئًا بل أعطى ترامب مهلة 6 أشهر قبل تنفيذ الانسحاب وفقًا لبنود الاتفاق. وتوقع عبد الجواد أن يعود بايدن لاتفاقية الصواريخ، شرط التوصل مع روسيا إلى ضمانات على التزامها ببنود الاتفاقية، بل يمكن القول بأن بايدن سيكون أكثر تشددًا مع روسيا من ترامب، وقد يسهم هذا التشدد في التزام روسي أفضل بالاتفاقات التي تبرمها مع واشنطن عمومًا، حسب ما قال. وعمومًا، يرى المحلل السياسي أن العودة إلى اتفاق باريس المناخي سيكون العودة الوحيدة غير المشروطة، ولكن سيكون على بايدن في هذه الحالة طمأنة العمال الأمريكيين بأن عودته لن تؤثر في بقائهم بوظائفهم، فالرئيس ترامب أوضح في كلمته أمام مجموعة العشرين قبل يومين أنه انسحب من اتفاق باريس حماية للعمال الأمريكيين وفرص العمل أمامهم. فلا بد من أن تتزامن عودة بايدن لاتفاق باريس مع ضمانات منه بإجراءات تحمي وظائف العاملين في قطاعات الطاقة والبيئة والصناعة.