17 عامًا على غزو العراق: ليل طويل مرهون بدحرجة آخر برميل نفط

  كشف واحد من أبغض التسريبات، التي أخرجتها الإدارة الأمريكية مؤخرًا من بريد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، أن المبعوث الأمريكي في العراق بريت ماكجورك مارس البغاء مع صحفية تعمل لصالح صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية على سطح القصر الجمهوري في بغداد عام 2008، في واقعة تمثل دلالة رمزية للغزو وما فعله بالعراق. صحيح أن الجيش الأمريكي خرج رسميًّا من العراق عام 2011 تاركًا إياه فريسة ضعيفة مقسمة، لكن القوات الأمريكية عادت إليها عام 2014 لمساعدة القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية على هزيمة تنظيم داعش، ويوجد في العراق حاليًّا نحو 5200 جندي ومستشار عسكري أمريكي. وبانسحاب أول دفعة قوات أمريكية من العراق، وفق الاتفاق مع واشنطن بحسب جدول زمني وتوقيتات محددة، تضع بلاد الرافدين نقطة جديدة في حقبة استعمارية امتدت 17 عامًا منذ الغزو في 2003، لكنها من المتوقع أن تبدأ في كتابة أسطر جديدة في مستقبل الصراع الإقليمي بالمنطقة، فخطوة الانسحاب تلك تبدو كأنها "مناورة" أو "صفقة" تمهد لمرحلة فارقة في تاريخ العراق. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] غزو العراق[/caption]

النفط يحكم الصراع

كأن نهاية هذا الانسحاب المجدول مرهون بدحرجة آخر برميل نفط عراقي، بعدما تحولت الصراعات والحروب الإقليمية من حروب نفط وبترول إلى غاز ومياه، خاصة بعدما شهدت أسواق النفط العالمية خلال عام 2020 انخفاضًا كبيرًا في أسعار الخام نتيجة تفشي وباء فيروس كورونا، واستقر السعر عند أقل بقليل من 40 دولارًا للبرميل، ما أدى إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط، وترك أثرًا دائمًا في البلدان التي تعتمد عائداتها على النفط. وطبقًا لدراسة صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بعنوان "تراجع أسعار النفط يشير إلى الحاجة إلى مشاركة أمريكية أوسع في الخليج"، فإن الوضع في العراق، الذي كانت بؤرة تنافس بين المصالح الأمريكية والإيرانية، أسوأ بكثير، فقد أثر تراجع أسعار النفط الخام بنحو رئيس في اقتصاده الريعي الذي يعتمد بنسبة 93% على عائدات النفط، وتسبب في حدوث أزمة اقتصادية كبيرة أبرزتها "الورقة البيضاء" للإصلاح. وإلى جانب التحديات السياسية المستمرة في البلاد، اضطرت الحكومة العراقية إلى اللجوء للحصول على قروض محلية وأجنبية لتغطية نفقات الدولة – وهو مؤشر خطير لأي حكومة. ورغم أن الحكومة العراقية الحالية تعمل مع الولايات المتحدة لتعميق العلاقات الثنائية على الصعيدين الأمني والاقتصادي، فإن البلاد معرضة لحالة من عدم الاستقرار من جانب أطراف تؤثر في زعزعة أمنها. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] حرب النفط في العراق[/caption]

سيناريوهات ما بعد انسحاب الجيش الأمريكي

السيناريو الأول متعلق بمشروع التقسيم.. هنا لا بد من العودة للوراء زمنيًّا لعرض أبرز مشاريع تقسيم العراق التي طرحت في فترات زمنية سابقة. "خطة ليزلي جليب أو ما عرفت بخطة التقسيم الناعم للعراق، والتي تعتمد على استبدال 3 دول صغيرة مكان العراق الحالي، كردية في الشمال وسُنية في الوسط وشيعية في الجنوب، وتفترض هذه الخطة أن كل طائفة ستكون لها دولتها الخاصة بها، حتى يتوقف الاقتتال. ثم أتت خطة هنري كيسنجر أو ما عُرفت بـ"الشرق الأوسط الكبير" عن ضرورة تقسيم العراق، والتي اقترحها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق كمخرج لحل الأزمات التي تواجهها الإدارة الأمريكية في العراق بقوله: "لكي يكون الشرق الأوسط كبيرًا، وهو الذي لا يمكن تغيير جغرافيته، يجب أن تكون دول هذا الشرق الأوسط صغيرة وغير قابلة للحياة بمفردها، فلا بد من قوة عظمى تدعمها لتعيش، وتبقى بتثمين الدولة الطائعة، ومعاقبة الدولة العاصية، دون أن يتسبب ذلك في إرباك النظام العام في الشرق الأوسط الكبير، وهذا هو معنى دولة الثواب والعقاب، وما العراق وتقسيمه سوى البداية". وجاءت خطة بيتر جالبريث في كتابه "نهاية العراق"، وهي الخطة التي طرحها داعيًا فيه لتقسيم العراق إلى 3 دويلات، بسبب الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في العراق، والتي كان من أبرزها الفشل الذريع في الحفاظ على نسيج الوحدة الوطنية في البلاد، ما جعل العراق ينجرف في حرب أهلية لم يشهد العالم لها مثيلاً من قبل، مبرزًا رؤيته بقوله: "لأن محاولة بناء مؤسسات وطنية أو قومية في بلد دمرنا فيه كل أسس ومقومات الدولة، ليس سوى جهد ضائع ولا يؤدي إلى شيء سوى الإبقاء على الولايات المتحدة في حرب بلا نهاية، إن ما كان يعرف بالعراق الموحّد ذهب إلى غير رجعة، إلى التفكيك السياسي لمؤسساته بغزو واحتلال العراق وتدمير بنيته التحتية  وسحق كل مؤسساته". وأخيرًا، خطة جو بايدن حول توازن القوى داخل العراق، عبر تقسيمه إلى 3 أقاليم مع بغداد. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] انسحاب الجيش الأمريكي من العراق[/caption] إذًا.. هل العراق ماضٍ نحو التقسيم في ظل إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن؟ الإجابة قد تكون "نعم"، إذا توافر جو متناغم مع ذلك، بحسب أستاذ العلوم السياسية العراقي ومتخصص الشؤون الإستراتيجية والأمن القومي، فراس إلياس، الذي أكد على أن جميع هذه المشاريع لم يتحقق، وفسر رؤيته هذه بأنه "ليس بالضرورة أي فكرة أو نظرية تجد طريقها للتطبيق، بعضها يفشل بفعل متغيرات الواقع، والبعض الآخر يفشل بفعل اعتذار منظريه، وهو ما حصل مع مشروع بايدن.. بالمختصر (المتغير الرئيس في سياسة بايدن نحو العراق، سيتوقف على مسارات العلاقات الأمريكية الإيرانية)، والعراق ليس إلا ملفًّا لاحقا لهذه العلاقات". وعليه فإن مشروع الأقلمة أو الفدرلة، الذي يتحدث عنه البعض مشروع ميت، بحسب إلياس: "حدود مشوهة، وتداخلات ديمجرافية، واحتقانات اجتماعية، وسلاح مسيطر، وإرادة دولية غير عابئة بما يحصل في العراق، بالتالي كيف نتجه نحو هذه المشاريع دون حسابات دقيقة لا يؤمن بها بايدن نفسه، لأن بايدن السيناتور ليس بايدن الرئيس". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] تقسيم العراق[/caption]

وضع العراق بعد 17 عامًا من الغزو

من المقرر أن تستكمل الولايات المتحدة خطة انسحاب جنودها من العراق في نهاية العام الحالي، تنفيذًا لبنود اتفاقية أبرمتها واشنطن وبغداد عام 2008 بعد نحو 9 سنوات من دخولها البلاد على رأس قوة دولية أطاحت بالنظام العراقي السابق. وصُنّف الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 كجريمة عدوان بموجب القانون الدولي، وبعد مرور 17 عامًا وعلى مشارف انسحاب الدفعة الأولى من الجيش الأمريكي، فإن العراق غارق في الحروب الداخلية المحتدمة والانقسامات التنظيمية و"الميليشيات" المسلحة، حتى وصلت الحال بحكومة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى أن تواجه قضايا فساد كبرى بعدما فشلت الحكومات المتعاقبة في إدارة القضايا الاقتصادية والأمنية في البلاد، أو حتى تحسين الظروف المعيشية والخدمات العامة للشعب العراقي، ما جعل العراق في المرتبة العشرين ضمن الدول الأكثر فسادًا في العالم.
وبلغ معدل الفقر في العراق عام 2018 نحو 20%، وارتفع في العام الحالي إلى 31.7 % بحسب تصريح لوزير التخطيط العراقي، خالد بتال النجم، إلى وسائل الإعلام. وترتفع نسبة الفقر في المحافظات الجنوبية، ففي محافظة المثنى وصلت نسبة الفقر إلى 52%، كما بلغت نسبة البطالة عام 2018 إلى 22.6%، ووصلت هذا العام إلى 40%.