كأن يعفو عن نفسه مثلاً: 3 مخارج يفكر فيها المهزوم "ترامب"

  توارى دونالد ترامب عن الأنظار منذ الانتخابات الرئاسية. فالرجل الذي اعتاد التحدث إلى الأمة كلها عبر تويتر، بالكاد شُوهد خارج البيت الأبيض، فهو يحاول استيعاب هزيمته وتحطم الأسطورة التي خلقها عن نفسه على اعتباره لا يهزم. ومع ذلك فهو لا يزال مشغولاً بطرد المسؤولين المشكوك في ولائهم له، ويبتكر الألاعيب ليبقى في السلطة. لن يستطيع ترامب ولن يقدر أن يُغيِّر نتيجة الانتخابات، لكنه قد يُحدِث الكثير من الخراب قبل رحيله. سيظهر بعض طرائق التخريب تلك مباشرة وبعضها سيظل مخفيًّا. السيناتور آدم شيف رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي، وهو كذلك منْ ساعد في تحريك دعوى العزل ضد ترامب مطلع العام الحالي، تحدّث إلى كاتب المقال قائلاً: "علينا أن نكون يقظين لإساءة استخدام سلطة العفو الرئاسية خلال الشهرين المقبلين، أو منح التعاقدات للأقارب والأصدقاء أو تدمير السجلات، أو اتخاذ قرارات سياسية لحصار الإدارة القادمة".  لعل ترامب يشعر كذلك بأنه محاصر، لذا سيكون ميالاً أكثر لإساءة التصرف، فلجان التحقيق في الكونجرس ما زالت ترغب في الاطلاع على سجلاته الضريبية، والمحققون في نيويورك يدققون في أنشطته التجارية. ستواجه إدارة بايدن ضغطًا عامًّا حادًّا للتحقيق في التدفقات المالية التي دخلت فنادق ترامب وأندية الجولف خاصته خلال السنوات الأربع الماضية. سُيجرَّد ترامب قريبًا جدًّا من النفوذ الذي يتطلع إليه الرؤساء لحماية مصالحهم، ولأنه مُقبل على مستقبل غامض، فمن المحتمل أن يوسع دائرة النفوذ الرئاسي أو يكسر حدودها كما لم يُجرِّب أحد من قبل. بل إنه من المحتمل أن يُدمِّر الفكرة القائمة على أن الرؤساء خاضعون للمحاسبة على أفعالهم وأنهم مُساءلون قانونيًّا. كل تلك الأمور تجعل من فترة خلو منصب الرئيس ما قبل حلف بايدن اليمين فترة حرجة للغاية. إليكم ما يمكن أن يفعله ترامب: [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] ترامب[/caption] 1- قد يعفو ترامب عن نفسه وعن رفاقه لم يفعلها أي رئيس من قبل، لكن ترامب قد يكون أول منْ يحاول. حتى إنه أعلن سابقًا وعلانية أنه يمتلك كامل الحق في أن يعفو عن نفسه. قد يحميه العفو من أي جرائم فيدرالية قد تُوجه إليه الفترة المقبلة، لكنها لن تحميه من تحقيقات مانهاتن المتعلقة بأنشطته التجارية، وكذلك التحقيقات التي قد تبدأ على مستوى الولاية أو المدينة. ليس من الواضح حتى الآن أي نوع من الخطر سيواجه ترامب على مستوى الجرائم الفيدرالية، على الرغم من أن المحققين قد يعيدوا إحياء تحقيقات المحقق الخاص "روبرت مولر" لتبيان ما إن كان ترامب قد عرقل العدالة بمحاولة تعطيل التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسي. أشار التقرير النهائي لتحقيق مولر وبنحو مُعلَن إلى أن قواعد وزارة العدل تمنع المحققين من مسائلة الرؤساء، وأنه بمجرد خروجهم من مناصبهم يفقدون أي حصانة ضد التحقيقات. لذا فمن المحتمل أن يُحيي المدعي العام الذي سيعينه بايدن قضية ترامب من جديد. (يُذكَر أن ترامب أنكر قيامه بأي خطوة لتعطيل العدالة). لن تكون مسألة العفو الذاتي بهذه السهولة، فالمذكرة التي أصدرتها وزارة العدل قبل أيام من إعلان نيكسون استقالته عام 1974 تضمنت عدم قدرة الرئيس على تبرئة نفسه، وذلك استنادًا لقاعدة أنه لا أحد يمكنه إصدار حكم قضائي على نفسه أو أن يكون ضمن هيئة المحلفين التي تحاكمه. أكد كذلك بعض الأكاديميين الذين تباحثوا المسألة على الأمر ذاته، فقد أخبرني فرانك باومان أستاذ القانون بجامعة ميسوري، وهو من أعد ورقة بحثية عن المسألة، قائلاً: "هناك أمر ما يجب أن يكون واضحًا، وهو أن واضعي الدستور ليس لديهم النية لخلق ملوك... إن كان الرئيس يمتلك قدرة على العفو عن نفسه، فهذا يعني أنه سيصير محصنًا ضد المساءلة القانونية، ما يجعله في مصاف الملوك، وهو أمر لم يكن واضعو الدستور ينوون فعله أبدًا". ومع ذلك، ولأنه لم يُجرِّب أي رئيس من قبل مسألة العفو الذاتي تلك، فليس بإمكان أحد التأكد من اجتياز الأمر للإجماع الدستوري، فقد أخبرني آلان دورشويتز، الذي دافع عن ترامب في تحقيقات العزل الرئاسي، أن "القانون ليس واضحًا". هذا ما يفكر فيه ترامب، فقد أخبرني أحد موظفي البيت الأبيض السابقين خلال فترة ترامب، والذي تحدث معي بحرية (بشرط الحفاظ على السرية) عن المحادثات الداخلية التي حضرها داخل البيت الأبيض، وقال إن ترامب في بداية فترة حكمه سأل مساعديه عن مسألة العفو الرئاسي، وما إن كان الرئيس يمتلك قدرة العفو عن نفسه أم لا. وبدا أن ترامب وصل إلى الحكم وهو مقتنع بذلك. هل سيستخدم ترامب تلك السلطة؟ ربما شيء واحد يمكنه أن يمنع ترامب الذي قدّم نفسه طوال الوقت على اعتباره ضحية شر الساحرات من السير في ذلك الأمر، وهو أنه قد لا يرغب في تقديم انطباع للجميع بأنه يخفي شيئًا. لكن موظف البيت الأبيض السابق قدّم حجة مضادة لذلك، وهي أن ترامب في مرمى هجمات الديمقراطيين، ومن المُرجَّح أن يتخذ خطوة احترازية لمنع أي مقاضاة قانونية بدوافع سياسية. أخبرني أندرو ويسمان، وهو أحد قادة لجنة مولر، قائلاً "سأكون متفاجئًا إن لم يفعل ترامب ذلك". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نائبه مايك بنس[/caption] ثمة طريق آخر أكثر تلاعبًا يمكن أن يسلكه ترامب للحصول على العفو، يمكنه أن يفعل ذلك عبر مايك بنس، فترامب يستطيع أن يجعل بنس رئيسًا مؤقتًا بموجب التعديل الخامس والعشرين. وبعد أن يمنحه بنس العفو يمكن لترامب خفض سلطة بنس مجددًا والعودة للرئاسة، (لكن تلك المناورة ليس من الضروري أن تصمد قانونيًّا، فالتعديل الدستوري وضًع اعتبارًا لرئيس وقع في حالة عجز وليس لرئيس يخطط للهروب من العقاب). ثمة خطوة بديلة، وهي أن يستقيل ترامب قبل ساعات من انتهاء مدته الرئاسية عشية 20 يناير/ كانون الثاني 2021 فيحصل بنس على مدة كافية كرئيس يستطيع إصدار قرار العفو. هل يوافق بنس على ذلك؟ الواقع أن بنس إن أراد أن يصير رئيسًا فعليًّا -وليس لمجرد بضع ساعات- فسوف يرفض أي خطة تفسد قدرته على العودة للمنافسة في 2024. فقد خسر الرئيس جيرالد فورد فرصة إعادة انتخابه كرئيس عام 1976 بسبب الضجة التي حدثت إثر العفو الذي أصدره بحق الرئيس نيكسون. تساءلت مارجريت لاف نائبة شؤون العفو بوزارة العدل، إبان حكم كل من بوش الابن وبيل كلينتون، قائلة: "السؤال هو هل يفكر بنس في المستقبل أم لا؟". يمكن لترامب بسهولة العفو عن رفاقه القدامى، لأنه لا شيء يمنعه من القيام بذلك. ثمة اسمان محتملان يمكنهما الاستفادة من ذلك، أولهما بول مانافورت رئيس حملته السابق، الذي أُدين في تحقيق مولر بتهمة الاحتيال الضريبي والمصرفي، والثاني روجر ستون وهو صديق قديم لترامب أُدين بتهمة عرقلة تحقيقات مجلس النواب في قضية التدخل الروسي في الانتخابات، وقد خفَّف ترامب عقوبته بالفعل وأبعده عن دخول السجن. أخبرني جو بريانن المدير التنفيذي السابق للمخابرات الأمريكية إبان حكم أوباما ومؤلف الكتاب الجديد Undaunted، قائلاً إنه يعتقد أن "ترامب سيسرف في توزيع قرارات العفو خصوصًا على أولئك المقربين منه". 2- قد يحاول ترامب إتلاف سجلات هامة يوجد الكثير من السجلات المُخزَّنة في البيت الأبيض، والتي قد لا يرغب ترامب في أن يراها غريمه المنتصر أو الكونجرس أو حتى العامة، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني المتعلقة بقضية العزل، والمذكرات التي تخص المسؤولين المطرودين من إدارته، والتفريغات المكتوبة لمحادثاته مع فلاديمير بوتين وكيم جونج أون. يُبدي مشرعون وعناصر صالحة في الحكومة تخوفهم من أن يأمر ترامب بتدمير السجلات أو إخفائها كي لا تعثر عليها إدارة بايدن، وقد رفض ترامب بالفعل تمكين بايدن من الاطلاع على التقارير الاستخباراتية التي عادة ما يتسلمها الرئيس المنتخب خلال الفترة الانتقالية. تحدث آدم شيف قائلاً: "إن هذه الإدارة لم تُظهِر سوى الازدراء لدور القانون... عليك أن تكون قلقًا للغاية بشأن ما يمكن أن تلتزم به هذه الإدارة من القوانين الفيدرالية... كل ما أتمناه هو أن يفهم موظفو الخدمة العامة دورهم والتزامهم الأخلاقي بعدم تدمير المستندات، وألّا يكونوا جزءًا من ذلك حتى لو جاءتهم الأوامر من أطراف سياسية". أخبرني موظف البيت الأبيض السابق قائلاً: "يبدو أن ترامب لا يترك خلفه أي أوراق تدل على شيء، فكما سجلت كان ينتقد الموظفين الذين سجلوا ملاحظات خلال اجتماعات المكتب البيضاوي. وقد أخفى محادثاته مع بوتين تحديدًا بالكامل، بل وصل الأمر إلى أنه كان يأخذ الملاحظات التي يسجلها المترجم خلال اللقاءات المباشرة التي جرت بينه وبين بوتين. حين وصل ترامب إلى البيت الأبيض احتفظ بعادته في تمزيق الأوراق غير المطلوبة إلى قطع صغيرة. كان إذا ما انتهى من أمر ما، مزق الأوراق المتعلقة به وألقاها في القمامة. بدا أن هذا هو نظامه في التعامل مع الملفات... أمّا الأمور التي يريد الاحتفاظ بها والتعامل معها، فكان يُبقي أوراقها سليمة على مكتبه". نصّ قانون السجلات الرئاسية الذي أُقر عام 1978 على أن السجلات الرئاسية ليست ملكية شخصية للرئيس، وأن الرئيس المُنتخب يجب أن يحصل على مذكرات مسجلة من أمين محفوظات البيت الأبيض قبل إتلاف أي منها. وقد أخبرني موظف البيت الأبيض أن مساعدي ترامب الحكوميين، في محاولة منهم للامتثال لذلك القانون، كانوا يعملون على تجميع صفحات ترامب الممزقة تلك. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] جو بايدن[/caption] ستحتاج إدارة بايدن إلى الاطلاع على سجلات البيت الأبيض في أثناء وضعها للسياسات الجديدة. سيحتاج المسؤولون إلى معرفة مصير المحادثات التجارية التي أجراها ترامب مع الصين على سبيل المثال، وكذلك الاطلاع على الاتفاقات الدفاعية مع الحلفاء. لكن محققي الكونجرس قد يرغبون في الحصول على تلك السجلات كذلك. فقد يرغبون في الحصول على المراسلات المتعلقة بالتدخل الروسي في الانتخابات، أو بجهود ترامب لكشف القذارات المتعلقة بأسرة بايدن. أخبرني برايان جرير، أحد المحققين السابقين بالمخابرات الأمريكية إبان حكم أوباما وترامب، قائلاً: "هناك بعض التحقيقات الحقيقية والموثوقة تجري الآن، وإذا ما أراد الديمقراطيون متابعتها، فستكون تلك السجلات مفتاحًا هامًّا في ذلك". مسألة تدمير الملفات ليست سهلة كما تبدو، فالمساعدون عادةً ما يصنعون نسخًا منها ويخزّنونها على خوادم مختلفة، لكن موظفي البيت الأبيض يستطيعون اتباع طريقة مختلفة لا تحتاج إلى آلة تقطيع، فهم يستطيعون تسليم سجلات بعناوين مضللة ليجعلوا من الصعب العثور عليها. أخبرني أوستن إيفرز، المدير التنفيذي لحملة American Oversight، الذي حرّك عشرات الدعاوى القضائية ضد ترامب، في إشارة منه إلى المشهد الأخير من فيلم سارقو التابوت الضائع، قائلاً: "أنا قلق من أنهم في حال واجهوا رقابة حقيقية للمرة الأولى، أن يدفعهم ذلك إلى إتلاف المستندات أو إخفائها أو تسميتها بعناوين مضللة أو حجبها تحت أنظمة الملفات الفردية أو تصنيفها بنحو مغلوط، مستعينين بمشهد فيلم إنديانا جونز". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] البيت الأبيض[/caption] 3- يمكن لترامب أن يفشي أسرار الدولة يمكن لترامب، بدافع الحقد أو الإهمال العام، إفشاء الأسرار التي توصلت إليها المخابرات الأمريكية التي لطالما استخف بها، فهو يستطيع القيام بذلك، يمكن للرؤساء أن يرفعوا شرط السرية عن أي معلومات يختارونها. وفي حالة ترامب، فهو قد يكون مدفوعًا أكثر بالحاجة إلى حماية نفسه في أيامه الأخيرة في السلطة، أكثر من اهتمامه بمصالح البلاد. وكذلك هوسه المزعوم غير المثبت بأي دليل بأن إدارة أوباما تجسّست على حملته الانتخابية عام 2016، وإذا ما أردنا مثالاً على نوعية المعلومات التي يمكنه الكشف عنها، فهو قد ينشر بنحو انتقائي أي شيء يدعم ذلك الادعاء. أو يمكن أن يتطلع إلى تصفية حساباته القديمة مع مسؤولي جهاز المخابرات الذين اشتبكوا معه خلال فترة رئاسته، بسبب وقوفهم بحزم على تلك الحقيقة المزعجة المتعلقة بتدخل روسيا في الانتخابات لمساعدته في الفوز. بالنسبة إليه، فإن المسؤولين المهنيين الذين يجمعون المعلومات من أراض أجنبية يمثلون "الدولة العميقة" التي تسعى لإفشاله. أخبرني ديفيد برايس، وهو ضابط سابق في المخابرات الأمريكية، قائلاً: "إن الأمر مقلق للغاية"، متحدثًا عن رغبة ترامب في الكشف عن الأسرار الاستخباراتية في أثناء فترة رئاسته. ففي العام الماضي على سبيل المثال، غرد ترامب ونشر صورة سرية، يُعتقد أنها منصة إطلاق صواريخ في إيران، وفي بداية فترة حكمه قابل مسؤولين روسيين سرًّا في المكتب البيضاوي، وأطلعهم على معلومات استخباراتية سرية بشأن تنظيم الدولة حصلت عليها الولايات المتحدة من حليفتها "إسرائيل". أحد الأسباب التي تجعلنا نأمل ألا يكشف ترامب الكثير من المعلومات، هو أنه قد لا يعرف الكثير كما كانت الحال مع أسلافه، فالرئيس الذي يطلب من رئيس مخابرات دولته أن يعود للمدرسة، لا يبدو أنه كان طالبًا متميزًا. أخبرني موظف آخر في البيت الأبيض، بحرية كاملة مع شرط الحفاظ على السرية، أنه -أي ترامب- حين كان يتحدث مع مسؤولي المخابرات كان يستمع لهم لعدة دقائق، ثم يبدأ في التحدث سريعًا. وقال: "لا يبدو أنه يحمل الكثير في رأسه، فهو لا ينصت ولا يهتم ولا يقرأ المذكرات المكتوبة". وأضاف: "الشيء الوحيد الذي كان يجذب انتباهه هو كل شيء وأي شيء يتعلق ببوتين أو بكشف أمر ما عن انتخابات 2016".