ما بعد العزلة: ماكينات بنوك السودان تعود للدوران

  تستعد البنوك السودانية لإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي واتحاد المصارف العالمية، بعد نحو 17 عامًا من إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب من جانب الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993. يأتي هذا بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بإزالة السودان من تلك القائمة السوداء. قرار ترامب جاء بعد مفاوضات طويلة بدأت عام 2017، حين رفعت واشنطن رسميًّا العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، مرورًا بالصفقة التي تمت خلال الأشهر الفائتة باتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فضلاً عن تحمل الحكومة السودانية تعويضات قُدرت بنحو 335 مليون دولار للأمريكيين الذين قُتلوا في تفجيرات القاعدة، التي وقعت في عام 1998 بالسفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا. حقائق:
انطلقت قائمة الدول الراعية للإرهاب في ديسمبر/ كانون الأول عام 1979، وضمت حينها ليبيا والعراق واليمن الجنوبي وسوريا، وأضيفت كوبا إلى القائمة في مارس/ آذار 1982، وإيران في يناير/ كانون الثاني 1984، وكوريا الشمالية في 1988، والسودان أغسطس/ آب 1993. وتوجد حاليًّا 4 دول في القائمة هي جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية)، وإيران، وسوريا، والسودان، الذي ينتظر حذفه.

المصدر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية

معاناة طويلة

بعد وضع السودان في القائمة السوداء، حُظِرت البنوك السودانية من إجراء أي معاملات بعملات رئيسة لما يقرب من عامين، ما اضطرها إلى الاعتماد على الدرهم الإماراتي في المعاملات البنكية. وتسبب هذا في اعتماد مستوردي السودان على سماسرة باهظي الثمن للحصول على العملات الأجنبية، ما تسبب في رفع معدلات التضخم بنسب تبلغ حاليًّا نحو 220%، إضافة إلى زيادة الأسعار على المُستهلكين. وتُوضح ورقة بحثية صادرة عن جامعة إدارة الأعمال بجامعة أوريبرو السويدية في 2015، أن الاقتصاد السوداني تأثر سلبًا بإدراجه على القائمة السوداء، فقد تسبب ذلك في خفض نمو الناتج المحلي للفرد في السودان بما يتراوح بين 2.3 و3.5% على مدى 10 أعوام. وتكشف وزارة الخارجية الأمريكية أن الدول المُدرجة على قائمة الإرهاب تُحظر صادراتها، بالإضافة إلى حظر تقديم المساعدات المالية أو العسكرية لها، إلى جانب معاقبة كل الأفراد أو الدول التي تتواصل معها بعقوبات اقتصادية مشددة، مشيرةً إلى أن الحظر يعني منعًا تامًّا عن إبرام أي صفقات تجارية.

انفتاح اقتصادي

في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أكمل بنك البركة السوداني أول تحويل نقدي سوداني مقوّم بالدولار منذ سنوات، وجلب دولارات من نيويورك عبر بنك البركة-مصر، ومقره القاهرة، حسب بيان صادر عن البنك. وكانت غالبية البنوك الأجنبية الرئيسة انسحبت أوائل القرن الحادي والعشرين من إجراء أي تعاملات مع البنوك السودانية، بعدما شنت الولايات المتحدة إجراءات مشددة ضدها، وانتظرت البنوك إزالة السودان خشية أن تتعرض لعقوبات ضد الأفراد المُرتبطين بحرب دارفور. يقول إبراهيم البدوي، وزير المالية السوداني السابق، إن العقوبات كانت تُمثل عقبة كبيرة أمام القطاع المصرفي، إذ كان عليهم التعامل مع البنوك الوسيطة في دول أخرى من منطقة الشرق الأوسط، ما يستتبع تكاليف إضافية من حيث الوقت والخدمة. ويُضيف البدوي، في تصريحات إلى وكالات الأنباء، أن هذه العودة ستكون لها قيمة كبيرة في خفض تكلفة المعاملات المالية، مشيرًا إلى أن الآثار الحقيقية لذلك سوف تستغرق وقتًا حتى تظهر نتائجها، وتابع أن هناك عوامل أخرى قد تستمر في ردع بعض المستثمرين والبنوك الأجنبية عن إعادة العمل داخل السودان. ويعتقد البدوي أن السودان بعد رفع العقوبات لن يكون كما قبله، ولكن لا بد من تشجيع البنوك السودانية على إعادة العلاقات المصرفية المراسلة مع نظيرتها الأجنبية، متابعًا أن الشطب من القائمة سيسمح للسودان بخفض أو إلغاء بعض الديون المتراكمة عليه. ويلفت إلى ضرورة إعادة هيكلة البنوك السودانية، لأن بعضها لا يتجاوز رأسماله مليوني دولار، أو يمكن أن يدخل بعضها في شراكات لزيادة رأس المال. حقائق:
يتكون الجهاز المصرفي في السودان من 37 بنكًا تعمل جميعها بالنظام المصرفي الإسلامي. ويلزم القانون جميع المصارف العاملة في السودان بعضوية صندوق ضمان الودائع المصرفية واتحاد المصارف السوداني. البنوك العاملة في السودان هي بنك الخرطوم، والبنك الزراعي السوداني، وبنك النيلين، والبنك العقاري التجاري، ومصرف الادخار والتنمية الاجتماعية، وبنك أبوظبي الوطني، والبنك السوداني الفرنسي، وبنك فيصل الإسلامي، والبنك الأهلي السوداني، وبنك النيل الأزرق المشرق، وبنك التنمية التعاوني، والبنك الإسلامي السوداني، وبنك التضامن الإسلامي، وبنك البركة السوداني، وبنك تنمية الصادرات، والبنك السعودي السوداني، وبنك العمال الوطني، وبنك الشمال الإسلامي السوداني، وبنك المزارع التجاري، وبنك الثروة الحيوانية، وبنك أم درمان الوطني، وبنك آيفوري، وبنك الاستثمار المالي، وبنك الساحل والصحراء، وبنك السلام السودان، ومصرف التنمية الصناعية، والبنك السوداني المصري، وبنك المال المتحد، وبنك الأسرة، وبنك الجزيرة السوداني الأردني، وبنك قطر الوطني، والبنك العربي السوداني، وبنك أبوظبي الإسلامي، وبنك الرواد والاستثمار، وبنك الإبداع للتمويل الأصغر، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، إضافة إلى البنك المركزي السوداني.

المصدر: اتحاد المصارف العربية

ويرى الدكتور هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن هذا سيسمح للسودان بإعادة الاندماج مرة أخرى في الاقتصاد العالمي، وتابع أن تأثيراته في المواطنين السودانيين ستكون كبيرة، خاصة أنهم يُعانون من مستويات تضخم كبيرة جدًّا. ويقول رسلان لـ"ذات مصر" إن الاقتصاد السوداني ظل سنوات طويلة يُعاني من الديون بسبب العقوبات الاقتصادية، لكن هذه الخطوة ستحتاج إلى وقت وصبر من الشعب والحكومة، مشيرًا إلى عقد السودان اتفاقية مع شركة جنرال إلكتريك الشهر الماضي لتعزيز توليد الطاقة، من شأنها تحفيز البنوك العالمية على العمل مرة أخرى داخل السودان.