الخرطوم خارج مفاوضات سد النهضة: 9 سنوات "كَلام".. والمُحصلة صفر!

  في خطوة مفاجئة، قررت الحكومة السودانية الانسحاب من مفاوضات سد النهضة، وتعليق مشاركتها في الاجتماعات حتى إشعار آخر، بحسب بيان صادر عنها في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني. وكان هذا في الاجتماع السداسي لوزراء الخارجية والمياه الذي جمع مسؤولي البلدان الثلاثة "مصر والسودان وإثيوبيا" والذي عُقد نهاية الأسبوع الماضي، بترأس من وزيرة خارجية جنوب إفريقيا التي تتولى بلادها الرئاسة الحالية للاتحاد الإفريقي؛ للتباحث حول مسار مفاوضات "سد النهضة" الجارية برعاية إفريقية. يأتي هذا في الوقت الذي تُصر فيه الحكومة المصرية على أهمية استئناف المفاوضات، من أجل الإسراع في الوصول إلى اتفاق قانوني مُلزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.
سد النهضة هو سد على النيل الأزرق، بدأت إثيوبيا في إنشائه منذ 2011، ويقع في منطقة بني شنجول على بعد 15 كيلومترًا من الحدود الإثيوبية السودانية، وتحجز بحيرة خزان السد 74 مليار متر مكعب، لتوليد نحو 6 آلاف ميجاوات وات. وتبلغ نسبة التشييد في السد حاليًّا نحو 76.3%.

 المصدر:  الحكومة الإثيوبية

الرفض الثاني

هذا التوقف هو الثاني لمسير المفاوضات في أقل من شهر، فقد كانت وزارة الري والموارد المائية السودانية أعلنت إنهاء المفاوضات التي أُجريت مطلع الشهر الحالي دون اتفاق، ومن ثم عاد الملف إلى الاتحاد الإفريقي. ونقلاً عن الدكتور ياسر عباس وزير الري السوداني، فإن أسباب إنهاء المفاوضات في المرة الأولى كانت بسبب عدم ضمان سلامة السودان لمنشآته المائية، خاصة وأن بحيرة خزان الروصيرص لا تبعد سوى 15 كيلومترًا عن سد النهضة. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] مفاوضات سد النهضة[/caption] أما في المرة الثانية، فقد علّل السودان فشل المفاوضات، باتباع إثيوبيا نفس النهج القديم، وطالب بالعودة للاتحاد الإفريقي لاعتماد دور الخبراء الإفريقيين ودفع المفاوضات سياسيًّا لاستكمالها وصولاً إلى اتفاق مُرضٍ، وفقًا لبيان وزارة الري السودانية الصادر في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. وتُضيف الخرطوم في بيانها، أن الرؤية السودانية تتلخص في ضرورة التخلي عن الطريقة السابقة غير المُنتجة في التفاوض وتغييرها بمناهج أكثر فاعلية، بمنح خبراء الاتحاد الإفريقي دورًا أكبر في تسهيل التوصيل لتقريب وجهات نظر الدول الثلاث. واقترحت بالمضي بالتفاوض للأمام وفق جدول زمني محدد وقائمة واضحة بالمخرجات التي ستُرفَع إلى مجلس مفوضية مجلس الاتحاد الإفريقي.

مضيعة للوقت

إلى ذلك، يعتقد الدكتور هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن مفاوضات سد النهضة "مضيعة للوقت"، ولا يمكن أن تستمر على هذا النحو، مضيفًا أن إثيوبيا هي الطرف المتشدد في المفاوضات. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الدكتور هاني رسلان[/caption] ويقول لـ"ذات مصر"، إن الانسحاب السوداني سيؤدي إلى توقف المفاوضات لغياب عضو أساسي فيها، وما يستتبعه من إضعاف لصورة الاتحاد الإفريقي أمام العالم بعد إخفاقه في توحيد رؤى البلدان الثلاثة. ويرى رسلان، أن البيان السوداني علّل انسحابه بعدم إعطاء دور أكبر للخبراء الإفريقيين، لكن هذا موقف مناقض لما قامت به السودان، عندما رفضت التوقيع على اتفاقية واشنطن التي أعدها الخبراء الدوليون خلال الأشهر الفائتة. ويلفت إلى أن ذلك يدعو للتساؤل، خاصة وأن الخرطوم كان بإمكانها طرح مبررات أكثر قوة وتصلب في مصالحه، نظرًا إلى أن مسألة الخبراء الإفريقيين "أمر إجرائي" ليس إلا، نافيًا المتداول من وجود علاقة بين الانسحاب السوداني والتدريب المشترك بين القوات الجوية المصرية والسودانية الذي جرى خلال الأيام الماضية. وكانت أُجريت فعالية تدريب مشترك جوي مصري سوداني تحت اسم "نسور النيل 1" في قاعدة مروي الجوية بشمال الخرطوم، بمشاركة قوات من عناصر الصاعقة المصرية، للمرة الأولى بين البلدين، ويستمر حتى 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. ويختم مستشار مركز الأهرام بقوله: "رئيس الوزراء الإثيوبي عبد الله حمدوك، ووزير الري السوداني ياسر عباس، المتحكمان في ملف مفاوضات سد النهضة بالسودان، متعاطفان مع الجانب الإثيوبي". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الفاغنر الروسيسد النهضة[/caption]

مجلس الأمن هو الحل؟

يقول الدكتور أحمد المفتي، أستاذ القانون الدولي السوداني، والعضو السابق في وفد الخرطوم بمفاوضات حوض النيل، إن كثيرًا من الخبراء السودانيين طالبوا بالانسحاب من المفاوضات، لكن ليس من أجل إحالة الأمر لخبراء الاتحاد الإفريقي. ويُضيف في بيان اطلعت عليه ذات مصر، أن المفاوضات أثبتت عدم جدواها، مطالبًا بالانسحاب من إعلان المبادئ الموقع عام 2015، الذي من وجهة نظره، أضفى الشرعية على إنشاء سد النهضة. ويُرجع المفتي ذلك إلى انتهاك إثيوبيا إعلان المبادئ، بعدما أنهت الملء الأول للسد منفردة، بالمخالفة لمطالب مجلس الأمن الدولي، والولايات المتحدة، والاتحاد الإفريقي. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الدكتور أحمد المفتي[/caption] ويرى أستاذ القانون الدولي ضرورة إحالة قضية السد إلى مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من القانون الدولي، للضغط على إثيوبيا للقبول بشرطين قبل مواصلة المفاوضات، أولهما الموافقة على أن يكون الاتفاق ملزمًا، وثانيًا وقف كل الأنشطة الإنشائية والمائية على السد إلى حين الوصول إلى اتفاق مُلزم.

فشل الاتحاد الإفريقي

يحلل السفير عبد الرحمن شلقم، وزير خارجية ليبيا ومندوبها الأسبق لدى الأمم المتحدة، فشل مفاوضات سد النهضة، بأن تبعاته ستكون أكثر قسوة على منظمة الاتحاد الإفريقي، فقضية السد بالنسبة إلأى القارة الإفريقية ليست مجرد خلاف تقني بين دولتين مهمتين، بل هو قضية قد تتحول إلى إسفين يضرب صلب الاتحاد الهش، حسب وصفه. ويُضيف في مقالة له، إن القارة الإفريقية تُعاني مشكلات كثيرة وتحتاج إلى التعاون والعمل المشترك، موضحًا أن إفريقيا له ركائز خمس هي مصر والجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا، وإذا لم تكن لهذه الركائز مواقف محددة تجاه القضايا الأساسية التي تهم القارة، فلن يكون هناك عمل إفريقي جادّ وموحد يُحقق مصالح القارة. ويُنهي شلقم تحليله بأن الاتحاد الإفريقي سيكون أول من يدفع ثمن استمرار تعثر قضية سد النهضة، إلى ما لا نهاية.