استقالات رجال أردوغان: "العثمنلي" وحيدًا؟

  أصبح الرئيس  التركي رجب طيب أردوغان، الذي يتوهم أنه السلطان العثماني الجديد، وحيدًا بعد أن قفز رجال مقربون من سفينته، بحثًا عن النجاة. القفز أحدثَ خروقات في سفينة السلطان المتوهَّم. كان آخر القافزين بولنت أرينتش، مستشاره الرئاسي وحليفه التاريخي الذي استقال أمس الثلاثاء، بعد تعرضه لهجوم عنيف من قبل وسائل إعلام موالية لأردوغان بسبب مطالبته بالإفراج عن معارضين معتقلين في السجون التركية. أرينتش البالغ من العمر 72 عامًا، كان يشغل منصب مستشار الرئيس في المجلس الأعلى الاستشاري للرئاسة، وهي هيئة مؤلفة من كبار المسؤولين السابقين، مهمتها تقديم توصيات وإرشادات لرئيس الجمهورية، إلا أن أردوغان لم يقبل توصية "رفيق دربه" التي طالب فيها بالإفراج عن المعارض الكردي صلاح الدين دمرتاش، ورجل الأعمال، عثمان كافالا. قامت الدنيا ولم تقعد حين ذكّر بولنت أرينتس، الرئيس التركي بوعوده السابقة بتنفيذ إصلاحات قضائية لتعزيز دولة القانون، قائلاً: "تركيا بحاجة إلى إصلاحات في القضاء والاقتصاد ومجالات أخرى، هذا واضح"، إلا أن الإعلام الموالي لأردوغان تنكر لأرينتش، وكال له اتهامات لاذعة وإهانات شديدة وصفها أرينتش بـ"الكراهية". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] بولنت أرينتش[/caption]

شروخات متوالية

ليست المرة الأولى التي يوجه فيها أرينتش سهام النقد إلى أردوغان، فسبق أن عبّر عن استياءه من حصر الصلاحيات في يد الرئيس وحده، كان ذلك في عام 2015، حي حصل أردوغان على صلاحيات واسعة بموجب استفتاء شعبي، وقتها قال أرينتش عن ذلك: "كنا نحن.. وصرنا أنا". كما أن أرينتش ليس الرجل الوحيد الذي قفز من سفينة أردوغان. فقبل أسابيع أعلن وزير المالية التركي وصهر أردوغان بيراق آلبيرت استقالته من منصبه على إثر تدهور الليرة التركية أمام الدولار إلى مستويات متدنية، رغم إعلانه أن سبب استقالته جاء لأسباب صحية، تاركًا وراءه أزمة اقتصادية غير مسبوقة. أما الاستقالة الكبرى التي أحدثت شرخًا في نظام حزب العدالة والتنمية الحاكم، فكانت من نصيب أحمد داوود أوغلو في عام 2019، رئيس الوزراء السابق والخوجا (الأستاذ) الذي رافق أردوغان في بناء حزب العدالة والتنمية، والمنظر للأفكار الأيديولوجية لحزب الرئيس. وجاءت استقالة أوغلو لأسباب كشف عنها في وسائل الإعلام التركية، وكانت قضية "أكاديميي السلام" من أهم أسباب الخلاف بين أردوغان وأغلو، وهذه القضية كما تقول صحيفة زمان التركية "مجموعة من الأكاديميين الأكراد والأتراك، كانوا وقعوا في 2015 عريضة طالبوا فيها الحكومة التركية، بزعامة حزب العدالة والتنمية، باستئناف مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني لتسوية قضية السلام". لكن الرئيس التركي ضرب بالعريضة عرض الحائط، وأطاح بمفاضات السلام، وأجرى قواته عمليات تضييق واعتقال للأكاديميين الأكراد، واعتبر كل من ينادي بالعودة إلى طاولة المفاوضات إرهابيًّا أو داعمًا للإرهاب. [caption id="" align="aligncenter" width="800"] أردوغان وبولنت[/caption] وفي العام الماضي أيضًا، استقال علي باباجان من حزب العدالة والتنمية الحاكم، وكان بابا جان أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، وشغل منصب وزير الاقتصاد، ووزير الخارجية، ورئيس الوزراء أيضًا. وعزا باباجان –الذي أسس لاحقًا حزب الديمقراطية والتقدم– أسباب استقالته إلى "خلافات عميقة وممارسات في حزب العدالة والتنمية، جعلته يشعر بالانفصال العقلي والوجداني"،  وقال "نحتاج إلى رؤية مستقبلية جديدة كليًّا لتركيا". يقول الدكتور سامح جارحي، المتخصص في الشأن التركي، إن الاستقالات التي ضربت نظام الرئيس أردوغان خلال الشهور الماضية، وكان آخرها استقالة مستشاره أرينتش، تعود إلى السياسات الخاطئة التي اتخذها أردوغان، والتي اعتمدت على صوت الفرد الواحد والتهميش والعناد، جعلت المقربين منه يقفزون من سفينة الحزب خشية المصير المجهول الذي قد تواجه تركيا مستقبلاً.

جدل حول زوال حكم أردوغان

وحول هذه الاستقالات التي يمر بها حزب العدالة والتنمية، والأزمة الاقتصادية التي عصفت بالليرة التركية، وما سبقها من زلزال أزمير في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، توقع الكاتب والمحلل السياسي بشير عبد الفتاح زوال الطبقة الحاكمة في تركيا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] بشير عبد الفتاح[/caption] وقال عبد الفتاح لـ"ذات مصر" إن "سيناريو الأزمات الحالية الذي يحدث في تركيا يتشابه مع سيناريو تأسيس حزب العدالة والتنمية الذي صعد إلى الحكم بعد أزمات عديدة تشبه ما يحدث حاليًّا، ومهدت له طريق الحكم في عام 2002"، متوقعًا زوال حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويتفق الجارحي مع بشير في تشابه سيناريوهات الأزمة في تركيا إلى ما قبل 2002، لكنه يختلف في القول بأن أردوغان لا يزال يمسك بخيوط اللعبة جيدًا، وأن إزالته من الحكم أمر صعب، "لأنه متمكن من جميع أدواته في الحكم، وما ساعده على ذلك هشاشة المعارضة التركية التي تقوم على أسس قومية وعلمانية، وضعفها في تقديم بديل لنظام أردوغان". وبسؤاله عن استقالة رجال أردوغان المقربين وما يضيفه ذلك من قوة للمعارضة التركية.. قال الخبير في الشأن التركي إن الاستقالات يمكن أن تُشكل نقطة قوة للمعارضة في تركيا "إذا ما اتحدت"، لكن هذا الاتحاد يصعب تحقيقه لأن معظم توجهات المعارضة مختلفة، كما أنها لا تملك أغلبية في البرلمان التركي تتيح لها الموافقة على مشروع قانون يسمح بالعودة إلى النظام البرلماني بدلاً من الرئاسي الذي منحه أردوغان صلاحيات واسعة.