"العلاقات الإلكترونية المُحرمة".. وقائع تكشف قصورًا في قانون العقوبات

ذات مصر
  في عام 2014، بينما كانت هبة سمير*، 40 عامًا، تستعد للسفر لزيارة أسرتها رفقة شقيقها وبناتها، سمعت زوجها يتحدث إلى إحداهن في الهاتف "مراتي راحت عند أهلها تعالي"، كتمت "هبة" بكاءها، وطلبت من أخيها المغادرة، واختبأت بالمنزل، لتفاجَأ بصديقتها المُقربة مع زوجها بعد وقتٍ قصير. طُلِّقت "هبة" وحرمها زوجها من نفقة أولادها، ولم تستطع إثبات خيانته لها بسبب قصور بقانون العقوبات، حال دون تمكينها من إثبات واقعة الزنا. قصة "هبة" واحدة من 7 قصص وثقها "ذات مصر"، يكشف فيها أزواج وزوجات خيانة شريك الزوجية لهم، ويمتلكون أدلة وإثباتات إلكترونية تثبت الوقائع. خلال عام 2019 ضمت محاكم مصر 6224 دعوى زنا، فُصِلَ في 4583 دعوى منها بنسبة 74%، في حين أن 18% من تلك الدعاوى -التي تحتاج إلى فحص الأدلة الإلكترونية- أُحيلت إلى المحاكم الاقتصادية ثم رُدَّت إلى محاكم الجنح مرة أخرى، بحسب المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية. بدأت قصة السيدة الأربعينية مع والد ابنتيها في عام 2005، تزوجا وانتقلت للعيش معه بمكان عمله في محافظة شمال سيناء. تعكر صفو الزواج بعد عدة أشهر، اتصلت شقيقتها تشتكي ذات يوم من إرسال زوج أختها رسائل غرامية إليها، تجدد الأمر مع خالتها، فكان رده على ذلك "عادي.. بارسلها لكل الناس"، انتهت تلك المشكلات بعد أيام وبدأت أخرى جديدة. تقول هبة: "كان حريصًا على ألا يقترب أحد من هاتفه، في نهاية عام 2013، طلبت ابنتنا أن تتصور بهاتفه، ظلّت تتحايل عليه حتى وافق ثم ذهب للاستحمام، فأخذتُ هاتفه منها لأبحث فيه، كانت صدمتي، وجدت فيديوهات وصور ومحادثات مُخلة مع أخريات، لم أتمالك نفسي، ظَللتُ أصرخ وأبكي وتركت البيت حينها، تصالحنا ورجعت إلى البيت خوفًا على مصير ابنتينا، لكني قررت أن أبحث خلفه دومًا، ووجدت بعد ذلك في درج مكتبه كارت ميموري به فيديوهات فاضحة وتسجيلات صوتية وصور لعديد من النساء، فجعلتها إثباتًا على خيانته واحتفظت بنسخة منها".

تشير هبة إلى أن واقعة 2014، كانت الفاصلة في حياتهما، بعدما ضبطته مع صديقتها في البيت، انهال عليها -حينها- ضربًا وتسبب في حدوث عاهة مستديمة ترتب عليها تركيب 8 مسامير بظهرها: "ظللت أصرخ وأبكي وطردتها من البيت، ومن غبائي مرة أخرى أفسدت واقعة الزنا بالتلبس وبمسكن فراش الزوجية". انتهت حياتهما بعد ذلك، ليبدأ فصل من المطاردات والمحاكم، كما تقول: "ذهبت إلى أسرتي وتفاجأت بأنه نقل العفش (الأثاث) ورفع قضية إنذار ببيت الطاعة ضدي، وذهبت إلى القسم كي أحرر محضر خيانة زوجية، ورفعت بالفعل دعوى طلاق وكسبتها معتمدة على التقارير الطبية التى أثبتت ما فعله بي من ضرر، ثم حصلت على حكم نفقة للأولاد، ومنذ 8 أشهر امتنع عن دفع نفقة الأبناء، وعندما طلبت إثبات وقائع الخيانة الزوجية بـ(كارت الميموري) الذي حصلت عليه، رفضوا مُعللين بأن إثبات واقعة الزنا ينبغي أن يكون والزوج متلبس بفراش الزوجية، ولم أستطع جلب حقي أو حق أبنائي حتى الآن". تقول هبة إن القانون لم ينصفها في الحصول على حقها، لكونه لم يعتد بما لديها من أدلة على خيانة زوجها لها. وتشترط المادة رقم 276 من قانون العقوبات، الخاصة بحالات الزنا، تلبس الزوج بشقة الزوجية فقط عند إثبات واقعة الزنا، وتُرفض دعوى الزوجة دون ذلك حتى لو امتلكت (الزوجة) أدلة إلكترونية، أما الزوج فتُقبل دعواه إذا كانت واقعة الزنا في أي مكان. يشير المستشار عبد الله الباجا، رئيس محكمة نقض الجنح الرئيسة بدار القضاء العالي (رئيس محكمة الأسرة سابقًا) لـ"ذات مصر"، إلى أن التسجيلات والفيديوهات والصور تعد جرائم اتصالات ولا بد من أن تكون دليلاً رسميًّا في قضايا الزنا. ويٌضيف الباجا: "الكارثة أن قضايا الزنا تبدأ بوقائع إلكترونية أو ما يسميه البعض عبر السوشيال (زنا إلكتروني) وهو مصطلح غير قانوني، فقد باتت مُنتشرة بنسبة 80% لسهولتها وسريتها في آن واحد، وهي مقدمات للزنا الفعلي"، مُدللاً على ورود وقائع كثيرة منها إلى محاكم الأسرة سواء أكان الرجل هو المُتهم فيها أم المرأة، لكن إثبات هذا النوع من القضايا صعب للغاية، بحسب ما يقول المستشار. وتنص محكمة النقض على أن القاضي يعتمد على المحادثات والصور التي تؤكد اللقاء الفعلي ولا يعتمد على ممارسة الأفعال المُخلة إلكترونيًّا فقط، فمثل هذا النوع من الجرائم إذا شك القاضي 1% في الرسائل يحكم ببراءة الزوجة لأنها جرائم شرف ليس بها رد اعتبار، بحسب الباجا. ويشدد حسين سمير، المحامي بالاستئناف العالي، على أنه لا يمكن تطبيق نصوص مواد الزنا الفعلي على الأفعال الإلكترونية المُخلة، بقوله "حكم من مارس الزنا الفعلي ليس من مارس الفضائح عبر الإنترنت بكل أشكاله، لأن الزنا علاقة جنسية مُحرمة بين رجل وامرأة، ويمكن قبول قضايا الزنا بالأدلة الإلكترونية ولا بد من أن تؤول في النهاية إلى إثبات علاقة زنا حقيقية". الأدلة الإلكترونية، هي وسيلة من وسائل إثبات الزنا الفعلي، فالعلاقة المُحرمة بين الرجل والمرأة على الإنترنت لا تُعتبر زنا ولا يعترف بها القانون كواقعة زنا، وإن كان يُعاقِب المشرع عليها ولكن بنصوص تجريم أخرى، فالزنا المعروف في القانون بأنه الواقعة الكاملة بين الرجل والمرأة، لكن اللجوء إلى الوسائل الإلكترونية يكون لإثبات واقعة الزنا على اعتبارها من المكاتيب والرسائل التي نص عليها القانون في المادة 276، بحسب ما يؤكده المحامي حسين سمير. https://youtu.be/U1LOvAVwBf4 يشير سمير إلى أنه بدأ قبل عامين في تلقي قضايا لوقائع مُخلة عبر الإنترنت انتهت بالزنا الفعلي، غير أن القاضي يتردد أكثر من مرة قبل النطق بالحكم في تلك القضايا، لأنه بذلك ينطق على المرأة حكمًا أشبه بالإعدام، وسيراها مجتمعنا الشرقي "زانية"، ولذلك فالمشرع لم يُعدد أساليب إثبات الزنا وحددها فقط بالتلبس والمكاتيب والرسائل، مطالبًا بضرورة تدخل المُشرع لتغيير القانون، خصوصًا مع التطور التكنولوجي وانتشار هذه الوقائع بكثرة، لأن هناك قضاة لا يعترفون بالأدلة الإلكترونية لسهولة التلاعب بها من وجهة نظرهم. المادة رقم 276 من قانون العقوبات، حددت عقوبة جريمة الزنا بالحبس 6 أشهر للزوج وسنتين للزوجة، وحال تنازل الزوج، يوقف تنفيذ العقوبة حتى لو كان الحكم نهائيًّا، بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض ياسر سيد أحمد. ويشير أحمد، إلى أن تطبيق عقوبة الزنا بالحبس 6 أشهر للزوج، وسنتين للزوجة، غير ملائم للعقوبة نفسها، بحيث أنها غير رادعة بالنظر إلى تطبيق الحد الشرعي في الرجم لكليهما حتى الموت، قائلاً: "من يعلم بفقدان حياته بسبب الزنا لن يرتكب هذا الجرم، أما الحبس فغير كافٍ، ويرتكبون الجريمة نفسها عدة مرات بعد قضاء العقوبة". وبشأن الفيديوهات والصور الفوتوغرافية، يقول: "إذا كانت الصور تجمع بين كل من الشريك والزوجة في وضع مريب، فقد ذهب البعض إلى أنها تعتبر فى الواقع دليلاً على التلبس بالزنا، لأن الصورة التى يظهر فيها المتهمان وهما يرتكبان ذات الفعل المجرم تُنبئ بذاتها عن سبق حالة التلبس، ولكن يجب على المحكمة أن تتأكد من سلامة الصورة عن طريق الاستعانة بالمختصين".

"حضانة مع وقف التنفيذ"

في منتصف أكتوبر الماضي، حصل علي محمود*، 35 عامًا، على حكم ضد زوجته بالسجن لمدة عامين بعد ثبوت وقائع الزنا عليها، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على حضانة ابنه رغم ذلك. يقول علي إنه تزوج في عام 2017، وذات يوم عاد إلى المنزل حاملاً ملابس جديدة لزوجته وابنه، إلا أنه فوجئ بصوتها تهاتف أحدهم بألفاظ جنسية وهي عارية أمام كاميرا الهاتف: "طردتها من المنزل وذهبت إلى والدتها، وظلّت غاضبة لمدة 4 أشهر، وأخذت ترسل من يصلح بيننا وتتحايل وترسل الوعود بأنها ستتغير، وبالفعل تنازلت ووافقت حتى لا يضيع مستقبل ابني، عادت إلى المنزل من جديد ظننتها ستبدأ حياة جديدة، إلى أن جاء أحد المقربين وأخبرني بأنه شاهد زوجتي في أحد المولات الشهيرة مع رجل غريب". نشبت مشاجرة بين علي وزوجته إثر ذلك، ظل يراقبها، وعثر على هاتفها القديم المُعطل، وقرر صيانته فكانت الصدمة: "وجدت عليه صورًا ومحادثات لزوجتى تخونني مع 4 رجال، ترسل صورها عارية إليهم، وكان أحدهم صديقها في العمل". قرر علي الذهاب إلى قسم دار السلام بالقاهرة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 لتحرير محضر خيانة زوجية ضد زوجته، وعقب تحويل المحضر من النيابة إلى المحكمة أخرج ما لديه من "فيديوهات وصور ومحادثات" عثر عليها في هاتفها تُثبت خيانتها وتؤكد صحة موقفه. https://youtu.be/swbOPasAsI0 يقول علي: "لم ينته الأمر عند ذلك، فقد رفعت قضية زيادة النفقة (تُرفع عند تغير الحالة المادية أو زيادة راتب الزوج)- وقضية خلع وقضية تمكين من شقة الزوجية، فأنا وابني وقعنا ضحية لأفعال امرأة لا تتحمل المسؤولية، وأتمنى أن توجد قوانين رادعة تُتيح للأب الحصول على حضانة أبنائه على الفور ولا تذهب إلى أم الأم". يشير المحامي حسين سمير، إلى أن غالبية حالات ما يُعرف بـ"الزنا الإلكتروني" أو حتى الزنا العادي التي مرت عليه، عادةً ما كان يتستر فيها الزوج على الزوجة، ويكتفي بإنهاء العلاقة الزوجية في صمت مُقابل "التطليق على الإبراء" وتنازل الأم عن حقوقها وعن حضانة الأبناء ضمنيًّا (على الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية لا يعترف بتنازل الأم عن حضانة الأبناء، حفاظًا على حياتهم). ويقول: "تلك الوقائع كثيرة. كتبت عقدًا بين الطرفين بالتنازل عن حضانة الأطفال، على الرغم من انعدام أثره القانوني، وكان بناءً على طلب الطرفين وإقرار من الأم بعدم مطالبتها بضم الأطفال). ويُضيف: "فوجئت في حالات أخرى باستباق الأم (مرتكبة واقعة الزنا) لتلك الخطوة وإقامة دعوى لتمكين والدتها من حضانة الصغار حتى تحرم الأب من صغاره"،  لافتًا إلى أن "الخيانة الإلكترونية" شكل من أشكال الزنا ولو لم يقره القانون، فالعرف والمجتمع صارا يعترفان به.

الوصم والعار أجبرهم على السكوت

لم يتمالك علاء مصطفى*، 33 عامًا، نفسه، وسرعان ما انذرفت الدموع من عينيه وهو يشاهد هاتف زوجته، صور وفيديوهات عارية لها مع خطيبها السابق، ومواعيد بينهما ومحادثات على اللقاء بعد الزواج. اسودت الدنيا أمام عينيه، وفكر في قتلها لكن مستقبل أبنائه حال دون ما فكر فيه. يقول علاء: "أُقيم بمحافظة الإسماعلية وزوجتي من كفر أبو حماد بالشرقية، دائمًا ما كنت أشعر بالشك، الهاتف لا يفارق يدها، كُنت أعلم بعشقها لمواقع التواصل، ذهبت إلى السوق ذات يوم ونسيت هاتفها، أدخلت تاريخ ميلادها وفتحته لينفتح معه باب النار، وجدت صورًا وفيديوهات مُخلة لها أرسلتها إلى خطيبها السابق. على الفور حمَّلت كل هذا على كارت ميموري واحتفظت بكل الأدلة، كانت المرة الأولى التي أبكي فيها". يضيف: "فور رجوعها من السوق فكرت في نزع السكينة وقتلها، لكني اكتفيت بطردها، وذهبت إلى والدها كي يستمع للتسجيلات، لكنه رفض الاستماع لي، ومن هنا قررت تحرير محضر خيانة زوجية بالإسماعلية، لكني لم أقدم الأدلة خوفًا على سمعة ابني، فسيعلم الجميع وقتها أن أمه سيئة السمعة، لذلك حُفِظَ المحضر". حال حنفى السيد*، 42 عامًا، لا تختلف عن سابقه "علاء مصطفى" كثيرًا، كلاهما فضل الصمت خوفًا على مستقبل أولاده. يقول "حنفي"، أحد سكان منطقة إمبابة بالقاهرة: "لدي 3 أبناء، جومانا 12 عامًا،  وعبد الرحمن 6 أعوام، ورودينا 4 أعوام، لم أستطع نسيان أي شيء، كل يوم أتذكر ما حدث معي كأنه وقع منذ دقائق، صدمتي لم تكن في أم أولادي فقط بل كانت في صديق عمري أيضًا". يذكر "حنفي" أنه سمع زوجته تتحدث إلى أحد الأشخاص في الهاتف بألفاظ غرامية، فقرر مراقبتها وتمكن من فتح حسابها على "فيس بوك" فوجد رسالة من حساب صديقه يقول (افتحي الكاميرا كي نستكمل ما كنا نفعله أمس)، فانقلبت حياتهما الزوجية عقب مشاهدة تلك الرسالة. يقول "حنفي" إنه رفض مسامحتها، ترك لها السكن مع الأولاد، لكنه فوجئ منذ بداية هذا العام بأنها رفعت قضية نفقة وتمكين من شقة الزوجية، فرفع هو الآخر دعوى باسترداد المسكن وإسقاط الحضانة، وطلاقها غيابيًّا. يضيف: "لم أجد أسبابًا للخيانة، وكل ما يشغل تفكيري هو كيفية الحصول على حضانة أولادي، فسبب التحفظ على تلك الأدلة هو الأبناء، ولم أرفع دعوى خيانة زوجية لأجلهم رغم امتلاكي ما يدينها، ولكن مع رفع دعوى إسقاط الحضانة سيعلمون ما فعلته والدتهما". قال مسؤول بـ"مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية"، إن المشيخة واجهت حالات عديدة للخيانة الزوجية عبر الإنترنت، لافتًا إلى استقبالهم منذ شهر إبريل/ نيسان لعام 2018 حتى الآن، 20 ألف نزاع أسري جرى حل 14% منها، كانت بنزاعات قضائية بأشكالها كافة، و10% من القضايا بسبب الإلكترونيات، ولهذا الأمر أصدر الأزهر حملات إلكترونية لضبط التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، تضم كبسولات شرعية وحملة "لم الشمل" وحملة "عاشروهن بالمعروف". رفض مسؤول الأزهر-الذي فضل عدم نشر اسمه- إطلاق لفظ "الزنا الإلكتروني" على تلك الوقائع، لافتًا إلى أن المصطلح الذي اتفق عليه الأزهر في ذلك هو "العلاقات الإلكترونية المُحرمة" لكونه موضوعًا شائكًا، ودعا لضرورة تعديل مواد الزنا في القانون لمنع انتشار الفاحشة في المجتمع. [caption id="" align="aligncenter" width="1024"] المستشار وائل الشوربجي[/caption] المستشار وائل الشوربجي، رئيس محكمة جنح حلوان، يؤكد أن قضايا الخيانة الإلكترونية باتت مُنتشرة بكثرة وكانت سببًا رئيسًا لكثير من وقائع الزنا الفعلي، مضيفًا لـ"ذات مصر": "وردت على محكمة حلوان قضايا عديدة من هذا النوع، وتُقبل الأدلة الإلكترونية التي تفيد وجود علاقة زنا فعلي، وآخرها كانت قضية سيدة متزوجة زنت مع أحد جيرانها". تمكنت مباحث الإنترنت من توثيق وقائع عديدة لقضايا "الزنا عبر الإنترنت"، تبدأ بتحرير الزوج محضر بوجود رسائل شاذة على هاتف زوجته، ومن ثم التحري عن الواقعة، وعند ظهور طرف آخر تتحول إلى قضية زنا فعلية. في هذا الصدد يؤكد المستشار عبد الله الباجا، رئيس محكمة نقض الجنح الرئيسة بدار القضاء العالي، أهمية حصول المدعي على تصريح رسمي من المحكمة لتسجيل المكالمات، لأن التسجيل دون إذن جريمة يُعاقب عليها القانون. [caption id="" align="aligncenter" width="1024"] المستشار عبدالله الباجا[/caption] ودعا للتفريق بين أمرين قائلاً: "لو أن شخصين غير متزوجين وتجاوزا سن الـ18 عامًا ومارسا الزنا فعليًّا أو إلكترونيًّا، لا يعاقبهما القانون، لأن هذا يكون تحت بند الإثارة، ولكن بشرط ألا يصل إلى حد العلانية. أما إن كانت متزوجة فتُرفع ضدها دعوى زنا بمحاكم الجنح، وتصل العقوبة إلى السجن 3 أعوام (أقصى عقوبة للجنح 3 أعوام وأقل عقوبة 24 ساعة) إذا أثبت الزوج واقعة الزنا الإلكتروني بشرط الوصول إلى مرحلة من الشهوة بين الطرفين يعاقب عليها القانون، ومن حقه منعها من حضانة الأطفال وحرمانها من الحصول على مستحقاتها". ويشترط المهندس فاروق عبد الكريم، خبير تكنولوجيا واتصالات، أن يملك الزوج أو الزوجة تسجيلات لمكالمات أو محادثات تثبث الاتفاق على ممارسة الزنا الفعلي، فالوسيط في هذا الأمر هو جزء التكنولوجيا، مؤكدًا أن الفيديوهات والصور إثبات قوي بوقائع الزنا، لكن كثيرين يتشككون بها ويصفونها بـ"المفبركة" وتُرسَل إلى الخبير، فالتكنولوجيا سهلت كشف الخيانة الزوجية بداية من التعارف الإلكتروني حتى ممارسة الزنا الفعلي. "انتشرت وقائع الزنا الإلكترونى منذ عامين وبكثرة شديدة، ونسبة الرجال بهذه القضايا التي وصلتني سواء أكانت قضايا أم استشارات قانونية تجاوزت الـ80%"، حسب المحامي حسين سمير.

مُجتمع مُهدد وأسرة مُفتتة

أيمن حسين*، مُحامي يقيم بمحافظة قنا جنوب صعيد مصر، لم يختلف عن سابقيه كثيرًا، فقد آثر الصمت خوفًا من "العار" كما يصف: "لم أرفع قضية زنا ضدها خوفًا من تصادم العائلات. عائلتانا شهيرتان بقنا، وستحدث جرائم إذا علم أحد بهذا الأمر". يقول "أيمن" إنه تزوج بفتاة حاصلة على تعليم عالٍ فور عودته من العمل بدولة الكويت، وذهبا لقضاء شهر العسل بمدينة الغردقة، لكنه سمعها في اليوم السابع من السفر تتحدث إلى أحد الأشخاص قائلةً "وحشتني" وتصف أجزاءً من جسدها، فأسرع وخطف الهاتف من يدها وأخذ يسب هذا الشخص، ليرد عليه قائلاً: "إنت عايز تعمل راجل؟ ربي مراتك الأول". يقول أيمن إنه حصل على صور ورسائل مُخلّة تتفق فيها زوجته على مواعيد لممارسة الزنا مع آخرين، لكنه خشي من رفع دعوى ضدها بسبب تقاليد وأعراف المجتمع الصعيدي: "إذا ذهب رجل لتحرير محضر زنا يكون رد المباحث عقب مرور أيام رفض صحة الواقعة لعدم كفاية الأدلة، حتى لو كانت الأدلة موجودة، لكيلا تحدث مجزرة بين العائلات، فالصعيد له قانونه الخاص". يقول الدكتور أحمد مجدي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن الانحرافات (الخيانة) الإلكترونية تؤثر في شكل العلاقات بين الزوجين وفي المجتمع والأسرة، وبالتالي ستظهر وتنتشر وصمات اجتماعية تؤدي إلى انهيار منظومة الأخلاق عمومًا، وتؤثر في الأفراد داخل الأسرة وفي المجتمع عمومًا، لافتًا إلى أن هذة الانحرافات ستزداد على نحو كبير إذا لم يتصد لها المجتمع بالأساس. كما دعا لإعادة النظر في منظومة التنشئة الاجتماعية، مع أهمية ترسيخ القيم الدينية بقوله: "قبل التكنولوجيا كانت الأسرة قريبة بعضها من بعض. الآن صار الفرد داخل الأسرة يتخذ قرارات يكتسبها من وسائل التواصل الاجتماعي، بعيدًا عن القيم الإيجابية، وأكبر دليل هو الفضائح الإلكترونية والمحادثات المُخلة". في النهاية، يأمل المحامي حسين سمير، تعديل المادة 276 من قانون العقوبات، وأن يتحقق الإنصاف بين الرجل والمرأة في مدة العقوبة، وتعديل قانون الأحوال الشخصية الخاص بالحضانة، وإحالة القضايا التي تكون الأدلة الإلكترونية فيها وسيطًا إلى محاكم الأسرة حتى لا تظل حائرة بين المحاكم الاقتصادية ومحاكم الجنح. https://youtu.be/hvkwDK6wokM * جميع أسماء الحالات "مُستعارة" بناء على طلبهم، وحفاظًا عليهم. * تحتفظ "ذات مصر" بجميع الأدلة القانونية.