حسين دهقان مرشحًا للرئاسة.. القومي المتشدد "جدًّا" قد يحكم إيران

ذات مصر
  أعلن مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية، والقيادي في الحرس الثوري، حسين دهقان، رسميًّا أنه سيخوض سباق الانتخابات الرئاسية المقرر مطلع يونيو/ حزيران،  ليحسم الشكوك التي ثارت، منذ أشهر، حول مسألة ترشح الرجل الذي شغل من قبل منصب وزير الدفاع في حكومة حسن روحاني. وترتفع حظوظ دهقان، المدرج على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019،  في الانتخابات الرئاسية المُقبلة، خصوصًا مع نفاد فرص الرئيس حسن روحاني في معاودة الترشح. ويثير فوز دهقان المحتمل تساؤلات حول خلفية روحاني المحتمل، ودوافع ترشحه، ونقاط تفوقه على أبرز منافسيه، فضلاً عن إستراتيجيته  التي سيتبعها أمام كم الأزمات الخارجية والداخلية التي تواجه بلاده، وتهدد مستقبل منظومة حكمه. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] حسين دهقان[/caption]

مهام سرية وأخرى علنية

ينتمي حسين دهقان، 64 عامًا، إلى العسكريين الأوائل في إيران، ممن قادوا الثورة الإيرانية ضد نظام الشاه، وأعادوا، بعد انهيار الجيش النظامي، هيكلة المنظومة الأمنية والعسكرية، وتأسيس الحرس الثوري الإيراني كقوات موازية للجيش الإيراني، اتساقًا مع الغاية الكُبرى للجمهورية الإسلامية نحو إعادة بناء "الإمبراطورية الكبرى" الحلم الذي نشأت عليه الثورة، واجتمع عليه دهقان ورفاقه آنذاك. وكحال أقرانه خلال هذه الفترة، أوكلت لدهقان مهام عسكرية كُبرى أحاطت بغالبها السرية، وكان أبرزها  شغله منصب قائد قوات الدفاع الجوي بالحرس الثوري، والإشراف على عمليات عسكرية عديدة في لبنان وسوريا بين عامي 1982 و1984، كما تروي النسخة الرسمية من سيرته الذاتية التي قُدمت إلى البرلمان الإيراني في عام 2013. وكان أبرز أدوار الرجل السرية هو قيادته للحرس الثوري في لبنان، وتقديم الدعم العسكري والمالي لحزب الله لتأسيس جناحه العسكري، كما تشمل هذه المهام  التخطيط والتدريب لتنفيذ العملية لاستهداف ثكنتي المارينز والقوات الفرنسية في بيروت بشاحنة مفخخة في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1983، وفقًا لنتائج التحقيقات الأمريكية والإسرائيلية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] المرشد الإيراني ودهقان[/caption] وأتاحت الخبرات العسكرية المتنوعة وصلة الرجل الوثيقة بالمرشد طيلة سنوات عمله، الترقي سريعًا داخل أروقة السلطة، لتنكشف هوية الرجل للعلن بعد سنوات طويلة من التخفي والسرية التي أحاطت بمهامه ومناصبه، بعد اختياره وزيرًا للدفاع في حكومة روحاني الأولى، ومساعدًا للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد لشؤون منظمة "الشهداء"، ووكيلاً لوزير الدفاع لفترة 8 سنوات، ترأس فيها الإصلاحي محمد خاتمي البلاد. وكانت المحطة الأخيرة للرجل في دوائر الحكم هو اختياره، قبل 3 أعوام، مستشارًا للمرشد للشؤون الدفاعية، لينفذ إلى المرشد الإيراني مباشرة، ويحظى بثقة الأخير الذي يتمتع بسلطة فوقية، وله الكلمة الفصل في المؤسسة الحاكمة بإيران، بعدما صار مهندسًا لسياسته تجاه أزمات بلاده الكبرى خلال هذه الفترة.

التصعيد العسكري أولوية!

تضع مواقف دهقان وآراؤه السابقة خلال سنوات عمله في قائمة تيار الصقور داخل دوائر الحكم في إيران، ممن يدفعون بلادهم نحو مواقف متشددة في كثير من القضايا مع دول العالم الخارجي، ويغلبون المواجهة العسكرية والتصعيد كأولويَّة لحل أزمات بلادهم قبل التفاوض السياسي. وتعكس سلسلة مواقف لدهقان صورة أعم لهذه الخلفية المتشددة الساعية لترسيخ أقدام النظام الديني،  كان أبرزها دفع قوات بلاده نحو قصف قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق، عقب مقتل سليماني، بعدما تعهد برد "ذي تأثير كبير في الوقت المناسب"، واستخدام نبرة التهديد المتشددة في أحاديثه الإعلامية نحو أمريكا ودول الجوار. كان آخر هذه المواقف حين هدد من أن أي هجوم أمريكي محتمل على بلاده من شأنه أن يسفر عن اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، وذلك في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المنتهية ولايته. وكحال موقف المرشد الإيراني والجيل الأول في الحرس الثوري، يتمسك دهقان بأن أي مفاوضات تُجرى مع الغرب لا يمكن أن تشتمل على الصواريخ الباليستية التي وصفها بأنها القوة "الرادعة" لأعداء إيران وخصومها، ويرفض تقديم أي تنازلات بشأن قوات بلاده العسكرية. وعمل الدهقان،  خلال شغله منصب وزير الدفاع، على رفع درجة التنسيق والدعم لعدد من التنظيمات التي تدرجها واشنطن على قائمة الإرهاب  كحركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"حزب الله" ، وتعهد آنذاك بأنه "مهما تغيرت الظروف فلا يمكن لإيران أن توقف الدعم المالي والمعنوي عن هؤلاء". وتعكس خلفية دهقان كقائد سابق في الحرس الثوري، ومواقف الرجل المتشددة خلال سنوات عمله كمستشار للمرشد، سوءًا محتملاً للعلاقات بينه وبين واشنطن وأوروبا، حتى مع صعود جو بايدن للبيت الأبيض، الساعي لإعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الرئيس الإيراني ودهقان[/caption] ويرفع مستشار المرشد الإيراني شعارًا مماثلاً رفعه من قبل الرئيس الإيراني حسن روحاني، وهو "توفير أرضية للحوار من موقع القوة والكرامة مع الخارج"، والتي يسوِّق بها لنفسه في أحاديثه الإعلامية خلال المرحلة الحالية.

أول رجل عسكري يترأس إيران؟

سيكون دهقان، حال انتخابه رئيسًا بلاده،  أول عسكري يصعد لمنصب الرئيس الإيراني، منذ اندلاع الثورة في عام 1979،  بعدما صار المنصب في حكر رجال من خارج المؤسسة العسكرية، بعد الشكوك الأولية بأن القوات العسكرية النظامية كانت ولا تزال موالية للشاه الإيراني المخلوع. وتساهم خلفية الرجل، وسنوات عمله داخل "الحرس الثوري" قبل الانتقال إلى وزارة الدفاع، بجانب ثقة المرشد المطلقة تجاهه، في دحض هذه الشكوك في حالته، والتي يعززها عدم اعتراض هيئة الرقابة الدستورية الإيرانية، المعروفة داخليًّا باسم "مجلس صيانة الدستور"، على ترشح الرجل  لخوض المعترك الانتخابي الرئاسي. وينظر "مجلس صيانة الدستور"،  الذي يعمل تحت قيادة المرشد علي خامنئي مباشرة، في طلبات الترشح وأهلية المرشحين، كما يتمتع بسلطات مطلقة وإلزامية في أحكامه كافة. غير أن العقبة الكبرى التي قد تواجه دهقان، الذي يصف نفسه بأنه مواطن إيراني "قوميّ"، هي المساعي المستمرة لمحاولة "ترهيب الناس من ترشح العسكريين"، والإشارة إلى أنهم سبب رئيس في حروب بلادهم الخارجية التي انتهت إلى الاضطرابات الاقتصادية التي تعيشها إيران. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] دهقان[/caption]

عسكرة للنظام السياسي

يساهم صعود دهقان المحتمل إلى منصب الرئاسة، في تجدد التوتر في علاقة بلاده مع واشنطن التي تُدرجه على قائمة العقوبات، وأوروبا التي ترفض دومًا صعود رجل من الحرس الثوري إلى منصب الرئيس المدني، خصوصًا مع خلفية دهقان المتشددة داخل دوائر الحكم. وكأحد قادة الحرس الثوري التاريخيين، ستكون إحدى مهام دهقان حال فوزه بمنصب الرئيس، تحجيم مواقع وسلطات التيارات الإصلاحية والمعتدلة التي تولت مناصب رفيعة خلال العقدين الأخيرين، وتوسيع إمبراطورية المؤسسات الاقتصادية التابعة "للحرس الثوري" داخل أو خارج بلاده، والتي سيعول عليها بالأساس لإنعاش اقتصاد بلاده الذي أنهكته العقوبات. ويتأكد هذا التوتر المحتمل في العلاقة مع واشنطن وأوروبا من تصريحات الرجل التي يؤكد دومًا خلالها على أن "إيران لن تتفاوض على قوتها الدفاعية مع أي شخص تحت أي ظرف من الظروف، فالصواريخ هي رمز للإمكانيات الهائلة الموجودة في خبرائنا وشبابنا ومراكزنا الصناعية". أحد أسباب التوتر المحتمل في العلاقة بين إيران والغرب، هو دفعُ الرجل بلاده نحو تعزيز التعاون مع روسيا خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في الأزمة السورية، فقد وسع خلال شغله منصب وزير الدفاع خيارات التنسيق للدرجة التي وصلت إلى السماح لروسيا باستخدام قاعدة همدان الإيرانية في عملياتها العسكرية.