استثمارات مصر في إفريقيا: تحديات كبيرة.. ومنافسون شرسون

ذات مصر
  دلالات وتحديات اقتصادية عديدة تطرحها زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى جمهورية جنوب السودان، وهي الأولى من نوعها لرئيس مصري إلى البلد المستقل حديثًا عن السودان (2011). الزيارة تأتي في وقت تزايدت فيه استثمارات الصين وتركيا باطراد منذ بداية الألفية، فقد سجلت التجارة الصينية مع إفريقيا نحو 170 مليار دولار بنهاية العام 2019، في حين ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإفريقيا من 5.4 مليارات دولار عام 2003، إلى 26.2 مليار دولار عام 2019، وبلغ حجم الاستثمارات المصرية في إفريقيا بلغ بنهاية العام 2019 أكثر من 10 مليارات دولار. هذا الوجود الصيني والتركي، ليس هو فقط ما يُزعج الجانب المصري، لكن هناك بلدانًا لها نفوذ تاريخي في القارة السمراء، وهي فرنسا، والولايات المتحدة، وإنجلترا، إضافة إلى روسيا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] زيارة السيسي إلى جنوب السودان[/caption]

استثمارات مصرية

تُوضح الدكتورة نهلة أبو العز، الأستاذ المساعد بقسم السياسة والاقتصاد بكلية الدراسات الإفريقية، أن إجمالي الاستثمارات المصرية في دول إفريقيا "باستثناء دول حوض النيل" بلغت 10.2 مليار دولار، في حين بلغت الاستثمارات الإفريقية في مصر نحو 2.8 مليار  دولار. وتُضيف في تحليل صادر عن مركز فاروس المتخصص في الاقتصاد في يونيو/ حزيران الماضي، أن مصر أكبر سوق إفريقية من حيث إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وأكبر سوق استهلاكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتقول أبو العز، إن حجم الاستثمارات المصرية في دول حوض النيل تزيد قليلاً عن 12 مليار دولار، منها 8 مليارات دولار في السودان والباقي موزع على الدول الأخرى، وتتركز غالبية الاستثمارات المصرية في مشروعات البنية التحتية، متابعةً أن شركة القلعة يبلغ حجم استثماراتها وحدها نحو 6 مليارات دولار. وترى، أن الاستثمارات المصرية في إفريقيا ودول حوض النيل تُواجه العديد من المُنافسين على المستوى الدولي والإقليمي، وهذا يجعلها بحاجة إلى تعزيز استثماراتها في هذه الدول، لافتةً إلى ضرورة تفعيل الـ32 اتفاقية استثمار التي وقعتها مصر مع الدول الإفريقية.
إجمالي قيمة الصادرات المصرية لدول حوض النيل بلغت مليار و197 مليون دولار. السودان جاءت في المركز الأول للصادرات بنحو 396.5 مليون دولار. كينيا احتلت المرتبة الثانية بـ350.2 مليون دولار. إثيوبيا في المرتبة الثالثة بـ169 مليون دولار.

المصدر: نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2019.

بلغ إجمالي قيمة الواردات الإفريقية لمصر نحو 629 مليون دولار. كينيا في المركز الأول 286.6 مليون دولار. السودان في المركز الثاني بـ207.5 مليون دولار. وفي المركز الثالث الكونغو بـ109.8 مليون دولار.

منافسة كبرى

من جهته، يُضيف رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، أن الاستثمارات المصرية في إفريقيا لها أبعاد اقتصادية وسياسية مهمة جدًّا، فإفريقيا تُمثل البعد الإستراتيجي لمصر، إضافة إلى أنها قارة ما زالت بكرًا وتحتاج إلى الكثير من الاستثمارات. ويقول لـ"ذات مصر"، إن دولة جنوب السودان تحديدًا مهمة لمصر في قضية سد النهضة وحوض النيل، وكانت زيارة الرئيس ملموسة، في ضوء وقوف جنوب السودان مع مصر ضد إثيوبيا وسد النهضة، مطالبًا رجال الأعمال المصريين بضرورة توجيه جزء من استثماراتهم نحو الدولة الوليدة. ويُشير عبده إلى ارتباط مصر بإفريقيا تاريخيًّا وسياسيًّا، وبالتالي على الحكومة أيضًا توفير آليات مناسبة من أجل الاستثمار في إفريقيا وتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار هناك، لافتًا إلى أن الاستثمارات المِصرية في إفريقيا تواجه الكثير من المنافسين دوليًّا وإقليميًّا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الاستثمارات في أفريقيا[/caption] ويلفت رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية إلى دفع العلاقات الاقتصادية المصرية مع البلدان الإفريقية، بما يعود بالفائدة على الاقتصاد المصري، نظرًا إلى ما تملكه إفريقيا من إمكانيات اقتصادية ضخمة.
توزيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إفريقيا مصر      43% الجزائر    8% جنوب إفريقيا    8% إثيوبيا       7% المغرب     7% موزمبيق      7% نيجريا         7% تنزانيا      2%

المصدر: تقرير فايننشال تايمز الصادر في 2018.

التنين الصيني

يُوضح تحليل اقتصادي صادر عن شركة إنفستوبيديا Investopedia المتخصصة في الاقتصاد، أنه في غضون 11 عامًا منذ أن بدأت الصين الاستثمار في إفريقيا، باتت الصين ضمن أكبر الاقتصاديات استثمارًا، موضحةً أن الصين أعلنت تقديمها لنحو 60 مليار دولار من الدعم المالي لإفريقيا في عام 2018. ويُضيف في التحليل الصادر في إبريل/ نيسان الماضي، أن الثروات المعدنية والنفط المحور الأساسي لاستثمارات الصين في كثير من الدول الإفريقية، لكنها مع ذلك تستثمر في مجال الأغذية والبنية التحتية وبناء الموانئ والنقل. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أطفال أفارقة[/caption] ويُظهر التحليل، أن استثمارات الصين تتمتع بميزة تنافسية عند تقديم العطاءات والمناقصات، فالحكومة الصينية تدعم الشركات الصينية وتقدم إعانات مالية للبلدان الإفريقية نظير ترسية العقود على شركاتها. وتُشير التقديرات إلى أن إفريقيا تحتوي على 90% من إجمالي الإمداد العالمي من البلاتين والكوبالت، ونصف إمداد الذهب بالعالم، وثلثي المنجنيز في العالم، و35% من اليورانيوم، وتُمثل نحو 75% من معدن الكولتان وهو معدن يستخدم في الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف المحمولة. ويكشف التحليل، أن الصين تريد توسيع نفوذها الجيوسياسي في إفريقيا، وتُمثل البلدان الإفريقية غير النامية التي تفتقد للتكنولوجيا فرصة كبيرة لذلك، ويمكن التدليل على ذلك من خلال تكثيف الصين لاستثماراتها في البنية التحتية في إفريقيا والذي تُقدمه من خلال صندوق التنمية الصيني الإفريقي.
الصين قدمت 143 مليار دولار من القروض لإفريقيا بين العامين 2000 و2017. 20% من إجمالي الديون الخارجية للحكومات الإفريقية مصدرها الصين.

المصدر: تقارير صحفية.

تركيا على الخط

تُظهر بيانات وزارة المالية التركية، أن حجم الاستثمارات التركية في إفريقيا بلغت نحو 70 مليار دولار، مرجعةً ذلك إلى زيادة عدد سفاراتها من 12 سفارة إلى 42، إضافة إلى وجود نحو 26 مكتبًا تجاريًّا. وتُضيف في البيانات المنشورة على موقعها الإلكتروني، أنها وقعت 13 اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي مع 13 دولة إفريقية، ووقعت 5 اتفاقيات للتجارة الحرة مع 5 دول أخرى، مشيرةً إلى أن صادرات تركيا لإفريقيا بين عام 2003 إلى 2019 بلغت 16.6 مليار دولار، وأنها تستهدف رفع حجم التبادل التجاري إلى 50 مليون دولار. إلى ذلك يرى بشير عبد الفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن نظام الحكم التركي بقيادة رجب طيب أردوغان، لديه طموحات كبيرة في إفريقيا، لأنه يريد استغلال نقص التطور التكنولوجي الذي تُعانيه بعض البلدان الإفريقية لمد سيطرتها ونفوذها هناك. ويقول لـ"ذات مصر"، إن تركيا استغلت حاجة البلدان الإفريقية للمساعدات والإعانات، من خلال توظيف مؤسسة تيكا التركية الإنسانية، عبر تقديم مساعدات إنسانية للدول، ومن ثم تدخل الاستثمارات الاقتصادية وتليها القواعد العسكرية، مثلما كانت تريد أن تفعل في الصومال والسودان. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] طفل أفريقي[/caption] ويلفت عبد الفتاح إلى أن تركيا أسست نحو 53 سفارة ومكتبًا تجاريًّا وقنصلية في غالبية البلدان الإفريقية، وبالتالي استطاعت الانتشار، وباتت تتمتع بحضور كبير في إفريقيا، حتى إنها باتت لا تُزعج مصر وحدها، ولكنها أزعجت فرنسا في مالي ودول الغرب الإفريقي.
أعلى الدول استثمارًا في إفريقيا الصين           36.1 مليار دولار الإمارات العربية المتحدة     11 مليار دولار المغرب        4.8 مليار دولار إيطاليا        4 مليار دولار السعودية     3.8 مليار دولار الولايات المتحدة الأمريكية           3.4 مليار دولار سنغافورة         3.2 مليار دولار اليابان     3.1  مليار دولار ماليزيا      2.5 مليار دولار بريطانيا    2.3 مليار دولار دول أخرى            18.1 مليار دولار

تقرير فايننشال تايمز الصادر في 2018.

المنافسون التاريخيون

يُحلل رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، أبعاد المنافسة الدولية لمصر في قارة إفريقيا، بأنه على المستوى الدولي توجد فرنسا وبريطانيا ولديهما وجود تاريخي في القارة، والوجود الصيني، وانتشار الولايات المتحدة، والوجود التاريخي لروسيا، إضافة إلى اليابان والهند. ويقول في تحليل صادر في يونيو/ حزيران 2019، إن فرنسا نظمت ما يُعرف بـ"رابطة الدول الفرانكفونية"، وأن بريطانيا أسسّت "رابطة الدول الأنجلوفونية" وهي الدول التي كانت تستعمرها بريطانيا وبقيت بعد استقلالها في ما يُعرف برابطة الكومنولث البريطاني ويضم الآن 54 دولة من قارتي إفريقيا وآسيا، مشيرًا إلى الوجود الصيني في إفريقيا والذي بدأ منذ الستينات بعد استقلال الدول الإفريقية، وتقدم الصين إعانات مالية ومنح تعليمية للأفارقة في الصين. ويُتابع عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، بالإشارة أيضًا إلى الوجود الروسي والذي هو إرث الاتحاد السوفييتي، لكنه تراجع بقدر ما في الآونة الأخيرة، فضلاً عن انتشار الولايات المتحدة والهند واليابان، وهي دول تهتم بالغاز والنفط تحديدًا. ويعتقد حسن أن العلاقات المصرية الإفريقية تحتاج إلى مراجعة في عدد من المحاور، أهمها تغير المفهوم العام لهذه العلاقات، التي كانت تعتمد أيام عبد الناصر على الدعم والمساندة لحركات التحرر الوطني، في حين تغيرت أولويات الدول الإفريقية الآن، وبدأت تركز على الجوانب الاقتصادية والتنموية، وبناء دول حديثة، وهذا كله يتطلب من مصر الاستثمار في الموارد الطبيعية والمعادن والصناعات التحويلية.