الوقوف بين الفتوات: إسرائيل تستعد لرد إيران: عيني على سوريا

  من الجولان، تعمّد الجيش الإسرائيلي إيصال رسالة مباشرة إلى الجانب الإيراني، بشأن أي محاولة عدوانية مرتقبة للرد على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، قبل أيام، كأنه يقول "آخر حدودكم هنا". رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، آفيف كوخافي، أجرى جولة تفقدية للقوات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان السورية، ناقش فيها مع قادته وجنوده جاهزيتهم لكافة السيناريوهات المتوقعة على الحدود مع سوريا. البيان الصادر عن الجيش الإسرائيلي، مساء الأحد، ونشرته صفحة وزارة الدفاع عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، جاء فيه: "رسالتنا واضحة، مستمرون في العمل بالقوة المطلوبة ضد التموضع الإيراني في سوريا.. مستمرون في الجهوزية الكاملة ضد كل محاولة عدوانية تستهدف إسرائيل". كانت إيران قد اتهمت إسرائيل، رسميًّا، باغتيال كبير علماء الذرة الإيرانيين محسن فخري زادة، مساء السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، بعد استهداف سيارته بالقرب من العاصمة الإيرانية.

"Our message is clear: we will continue to act as vigorously as necessary against the Iranian entrenchment in Syria, and we will remain fully prepared."

— Chief of the General Staff Lt. Gen. Aviv Kohavi at a situation assessment today in northern Israel. pic.twitter.com/aQSb1v6gm7 — Israel Defense Forces (@IDF) November 29, 2020
وأضاف كوخافي، طبقًا لبيان الجيش الإسرائيلي: "جئت إلى هنا لأتابع آخر مستجدات الوضع الأمني، خاصة في ما يتعلق بالتموضع الإيراني في سوريا"، موجهًا رسالة شكر إلى كل من أسهم واشترك في النشاط المركز والناجح في كشف حقل العبوات الناسفة قبل 10 أيام قرب الحدود. وأعلن الجيش الإسرائيلي في السابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، تفكيك حقل للعبوات الناسفة، عثر عليه بالقرب من الحدود مع سوريا داخل الأراضي الإسرائيلية، محملاً دمشق مسؤولية أي عمل "تخريبي" ينطلق من أراضيه.

إيران تتوعد والأنظار تتجه لسوريا

تعمد الجيش الإسرائيلي إيصال رسالته للجانب الإيراني من الجولان السورية، بعد توعد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بالرد في الوقت المناسب على اغتيال عالمها النووي، يعني الكثير. فهنا -سوريا- موضع تمركز إيراني رئيس في الشرق الأوسط، وخط تماس مع "حزب الله" اللبناني، الذي قد يكون أداة للرد، فإيران تعتمد كثيرًا على مفهوم تصدير الثورة الذي يعتمد على إنشاء الميليشيات والأدوات التي تستطيع بها التأثير بنحو غير مباشر، حسب مدير المركز العربي للبحوث والدراسات والمتخصص في الشأن الإيراني، هاني سليمان، الذي يرى أن إيران نجحت في هذه الإستراتيجية بالفعل في العراق بإنشاء أكثر من 69 ميليشيا، يرجع الفضل في إنشائها لقاسم سليماني، الذي اغتيل في أوائل يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، باستهدافه في مطار بغداد. [caption id="" align="aligncenter" width="738"] عناصر حزب الله[/caption] الخبرات العديدة في تكوين الميليشيات، أبرز مثال لها "حزب الله في لبنان، حسب "سليمان"، الذي أشار إلى أن أحد أهم الأهداف التي حكمت التدخل الإيراني في سوريا هو عملية إنشاء ميليشيات للتوغل في الداخل السوري لصنع تغيير ديمجرافي على الأرض وتوطين سكاني من الطائفة الشيعية لتحقيق الأهداف الإيرانية. الوجود الإيراني في سوريا، من وجهة نظر المتخصص في الشأن الإيراني، يحقق أكثر من هدف، منها البحث عن موارد جديدة وتعميق النفوذ ووسائل الضغط وأدواته لاستخدامها بعد ذلك في المساومة والتفاوض والضغط في الإقليم في أكثر من مجال لتوسيع نطاق النفوذ، فضلاً عن محاولة تعميق علاقاتها مع النظام السوري كمحور للمقاومة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدام ورقة الضغط السورية والسيطرة على مناطق تستطيع بها تهديد إسرائيل، ولو شكلاً، لمحاولة جذب أوراق وتحقيق أهداف في المستقبل القريب. وطوال الفترات السابقة، كان هناك مناوشات بين الجانب الإسرائيلي والجانب الإيراني، الأمور تهدأ تارة وأوقات كثيرة تزداد سخونة، على هذه الوتيرة تسير العلاقة بين الندين الإقليميين، صحيح أنه ليس هناك مواجهات مباشرة صدامية عنيفة، ولكن غالبًا ما تنشب تحرشات عسكرية من حين إلى آخر بين الجانبين، وقصف صاروخي متبادل في بعض الأوقات. ويعتقد الخبير في الشأن الإيراني، أنه بعد مقتل محسن فخري زادة، وبما يشكله من أهمية نوعية وإستراتيجية للجانب الإيراني، أن يأخذ الرد الإيراني أشكالاً مختلفة، فالبرلمان الإيراني أقر الأحد 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، بعض الإجراءات الخاصة بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في مفاعل فوردو، والخروج من بروتوكول إضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وغيرها من الإجراءات، هذا على الجانب التشريعي في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. أما على الجانب الدبلوماسي، فيقول سليمان إن إيران تبذل محاولات لاستصدار قرار أو موقف أممي رافض لعملية الاغتيال كأداة دبلوماسية أو سياسية، ليبقى العنصر الثالث في إستراتيجية الرد الشاملة هو العمل الأمني والعسكري، الذي رأى الخبير في الشأن الإيراني أنه قد يكون مؤجلاً بعض الوقت وغير مباشر، على اعتبار أن هناك بعض الترتيبات اللازمة والتدقيق والاستعداد الإيراني للرد المحتمل. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الجولان[/caption] قد يكون هناك رد عسكري على الأرض، لكن الصورة الأوضح أن إيران مترددة في اتخاذ هذه الخطوة حتى لا تستفز جو بايدن، ساكن البيت الأبيض الجديد، خاصة في هذه المرحلة شديدة الحساسية التي تحملت فيها الكثير من العقوبات، في محاولة لخلق بيئة مناسبة للعودة للاتفاق النووي، أو كسب الرئيس الأمريكي وتهدئة الأوضاع ورفع العقوبات حتى لو جزئيًّا. لذا، يتوقع سليمان أن يكون الرد الإيراني على اغتيال عالمها النووي من جانب "حزب الله" اللبناني أو من الداخل السوري، في المناطق التي تستطيع فيها إيران الرد مباشرة، والتحركات الأخيرة التي تحدث عنها الجيش الإسرائيلي تمهد لهذه المناوشات المرتقبة.

طموح إيراني في عودة الاتفاق النووي مع أمريكا

حدودية الخطوات التصعيدية من الجانب الإيراني، رؤية طرحها مدرس الدراسات الإيرانية والتركية ودراسات آسيا الوسطى بجامعة القاهرة، سامح الجارحي، الذي اعتبر أن إيران ليست الدولة الساذجة التي من الممكن أن تقوم بخطوات تصعيدية في الوقت الحالي، الذي تنتظر فيه إدارة أمريكية جديدة بقيادة جو بايدن الرئيس الأمريكي المنتخب، وتحاول تهدئة الأمور وعدم تصعيدها في المنطقة حتى انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] فخري زادة[/caption] ويعتقد الجارحي أن الرد الإيراني على خلفية مقتل "زادة" لن يخرج عن بعض المناوشات التي ستستخدم فيها إيران أنيابها وجماعاتها المسلحة في المنطقة، فممكن أن يطلق "حزب الله" اللبناني بعض الصواريخ على الجولان السورية المحتلة، وكذلك في الجنوب اللبناني. الأمر نفسه ينطبق على جماعة الجهاد الإسلامي في فلسطين، حيث من المتوقع أن تقوم ببعض المناوشات العسكرية البسيطة. وعن خطواتها الحذرة في الرد، قال الجارحي إن إيران لن تقدم على أي خطوات حاليًّا لأنها تأمل أن يعود جو بايدن للاتفاق النووي الإيراني، بعدما تضررت إيران كثيرًا من إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب. وفي ما يتعلق بخريطة التموضع الإيراني في سوريا، قال الجارحي إنها خريطة ليست بجديدة، فإيران كثيرًا ما تعيد التموضع في الداخل السوري من أجل أهداف تكتيكية وأهداف عسكرية في سوريا، وهو ما قصده الجيش الإسرائيلي في بيانه. أما من ناحية الرد العسكري، فيقول الجارحي إن إيران اتهمت إسرائيل علنًا بأنها المتهم الأول في اغتيال زادة، ومع ذلك فالرد الإيراني لن يكون بهذه الشراسة. "لنا في اغتيال قاسم سليماني مثال"، بحسب الجارحي الذي دلل بذلك على عدم اتخاذ إيران أي خطوات تصعيدية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، إلا بإطلاق بعض الصواريخ على المنطقة الخضراء في العراق. وبالتالي لا يتوقع الجارحي أن تقدم إيران على التصعيد، خصوصًا ضد إسرائيل، حتى لا تعطي إدارة ترامب ذريعة لشن خطوات أخرى ضد طهران. ويرى الجارحي أن الإدارة الإيرانية أذكى بكثير من أن تحرم نفسها من عودة الاتفاق النووي التاريخي مع أمريكا، الذي أكد عليه "بايدن"، وأن خطواتها تجاه إسرائيل لن تكون إلا من جانب وكلائها في المنطقة، والحديث هنا لا يشمل "حزب الله" في لبنان والميليشيات في سوريا فقط، بل أيضًا، بحسب الجارحي، سنشهد بعض الضربات العسكرية لحلفاء أمريكا في المنطقة، مثل إطلاق الحوثيين في اليمن صواريخ تجاه السعودية. ختامًا، يؤكد الجارحي على أن إيران "لن تشن عمليات عسكرية خارج إطار الشرق الأوسط، لتجنب الدخول في أزمة دبلوماسية وأزمات سياسية مع دول العالم، وهي أصلاً دولة تعاني من الوحدة والانفصال عن العالم".