كتيبة المهدي بايعت "القرشي": "داعش" على أسوار "ميانمار"؟

ذات مصر
  لم تشهد التنظيمات الجهادية حالة من التنافس والصراع، على مستويات فكرية ورؤى سياسية وأيديولوجية، وخاصة الصراع على الجغرافيا والتمدد على الأرض، مثل ما تشهده في اللحظة الراهنة، التي يتسارع فيها كل من تنظيمي القاعدة وداعش على تصدر المشهد الجهادي العالمي، تحت لافتة الدفاع عن المظلومين والمضطهدين المسلمين في جميع أنحاء العالم. وقد شكلت أزمة مسلمي الروهينجا مسرحًا تنافسيًّا جديدًا، سعى من خلالها تنظيم داعش  نحو إثبات وجوده هناك، على حساب غريمه التقليدي "القاعدة". ففي مشهد لافت، أعلنت مؤخرًا جماعة جهادية جديدة، أطلقت على نفسها "كتيبة المهدي في بلاد أراكان" مبايعتها للخليفة "أبو إبراهيم القرشي" أمير تنظيم الدولة الإسلامية - داعش الحالي، الأمر الذي أثار موجة من الجدل حول ماهية هذه الكتيبة، والمنضوين تحت قيادتها وولايتها، خاصة في ظل وجود فعلي لحركة مسلحة في داخل أوساط مسلمي الروهينجا المضطهدين. [caption id="" align="aligncenter" width="674"] عناصر داعش[/caption] مثّل هذا الإعلان عن الوجود الداعشي –الذي لم تتضح معالمه بعد– من وجهة نظر البعض، إعلانًا عن الفشل العسكري لحركة ARSA المسلحة التي تكونت من مسلمي الروهينجا لمقاومة الجيش الحكومي في ميانمار، هذا من جهة، وإشارة إلى تخلخل ثقة الإقليم بها في تحملها مهمة الدفاع عن الروهينجا وحدها، ما مكن غيرها من أن يزاحمها في عقر دارها، من جهة أخرى.

أزمة مسلمي الروهينجا

تعتبر قضية مسلمي الروهينجا من المشكلات الكبرى التي تتعلق بقضايا الأقليات وإشكالات اندماجهم وحرية اعتقادهم في أوطانهم، خصوصًا في قارة آسيا التي تعاني الأقلية المسلمة في بعض دولها الاضطهاد الديني، كما هي الحال في شبه الجزيرة الهندية، منذ وصول رئيس الوزراء الهندوسي ناريندارا مودي. تغض حكومة ميانمار الطرف عن ممارسات الغالبية البوذية تجاه الأقلية المسلمة، بهدف التطهير العرقي لعقيدة امتدت جذورها هناك لعشرات السنوات، على مرأى ومسمع من العالم، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع وتيرة المهاجرين الروهينجا من وطنهم بعد حرمانهم من أبسط حقوقهم، بدءًا من المواطنة وانتهاء بالتعليم والصحة. فقد دفع تفاقم الأوضاع الإنسانية لمسلمي الروهينجا، في ظل حصار سياسي واجتماعي وأمني، الأقلية المسلمة إلى بحث عن مسارات دفاعية، وتشكيل جبهة مسلحة، بهدف وقف تصاعد وتيرة التطهير العرقي التي يعايشها مسلمو الروهينجا منذ سنوات عدة . [caption id="" align="aligncenter" width="800"] جيش إنقاذ الروهينجا (Arsa)[/caption] وجد التشكل العسكري لجيش إنقاذ الروهينجا، الذي أطلق عليه (Arsa) كل المسوغات والسياقات التي تُشَرعِن ظهوره ووجوده، فقد كان الدافع الرئيس لتشكله العسكري في ولاية راخين شمالي ميانمار، هو مواجهة اضطهاد الحكومة التي صارت تصفهم في كل دوائرها الإعلامية والسياسية بالمهاجرين غير الشرعيين، منتزِعَة عنهم صفة المواطنة. وتشير التقارير إلى أن ثمة إرهاصات هامّة للحركة، بدأت قبيل الإعلان عنها كحركة مقاومة عسكرية داخل أوساط الأقلية المسلمة في ميانمار، حيث بدأت في تأهيل وتدريب مسلمي الروهينجا في بدايات عام 2013، وكانت تُعرف آنذاك بأسماء أخرى، كان أبرزها "حركة اليقين"، قبل أن تطلق على نفسها هذا التوصيف الـARSA، وتعني "جيش إنقاذ مسلمي الروهينجا في ولاية أراكان"، وضعت على عاتقها إنشاء دولة إسلامية ديمقراطية لشعب الروهينجا، ومثّل هذا التوصيف حاجزًا من تسرب أو تخلل أي وجهات إسلامية راديكالية جهادية لها، نظرًا إلى عداء حركات كهذه لتلك المفردات، مثل الديمقراطية والوطنية والقومية وما شابهها، ويسجل أول هجوم لها في عام 2016 قُتِل خلاله 9 أفراد من رجال الشرطة، فبادرت الحكومة بتصنيفها منظمة إرهابية . وفي تقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية في عام 2016، أكدت خلاله أن هذه الحركة تقودها عناصر من الروهينجا تعيش في المملكة العربية السعودية، ومن الأسماء الأكثر بروزًا في الحركة رجل يدعى "عطا الله" يقال إنه ينحدر من شرق باكستان، ويشار إليه على كونه الزعيم الحالي لجيش إنقاذ تحرير الروهينجا. وعلى الرغم من اتهام الحركة بعقد صلات مع تنظيمي القاعدة وداعش، نفى بيانها الأخير أية علاقة بينها وبين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عقب إعلان حركة تطلق على نفسها "كتيبة المهدي في بلاد أراكان" ولاءها للتنظيم، ما أغلق الأبواب أمام تفنيد هذه الاتهامات .

الروهينجا بين القاعدة وداعش

[caption id="" align="aligncenter" width="800"] البغدادي والظواهري[/caption] كان القاعدة إلى وقت قريب يعمل على مد خطوط الاتصال ونسج شبكة من العلاقات بينه والحركات الإسلامية المسلحة، القريبة من أزمة الروهينجا أو المنبثقة منها، خاصة حركة اليقين التي تحولت فيما بعد إلى جيش إنقاذ الروهينجا (ARSA) الذي حاول تنظيم القاعدة استمالته. ويذكر أن ثمة صلات كانت تجمع بين الآباء المؤسسين لـARSA  وجماعة المجاهدين في بنجلاديش (JMB) ممثل القاعدة هناك، فضلاً عن أن "حركة اليقين" نفسها كانت ترتبط بجذور مرتبطة بالمنظمات المسلحة البنجالية، مثل الجماعة الإسلامية التي يعود تاريخها إلى أكثر من عقدين، وهذا يفسر أمرين اثنين، أولهما: الاتهامات الدائمة لجيش إنقاذ الروهينجا بتعاطفه مع تنظيم القاعدة، وأنه يتلقى دعمًا منه، وثانيهما: الوقوف أمام توغل تنظيم الدولة داعش داخل أوساط أقلية الروهينجا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أقلية الروهينجا[/caption] في موازاة ذلك، لم يدخر تنظيم القاعدة جهده في توظيف ما تشهده أقلية الروهينجا في الدعوة إلى مناصرتهم ودعوة المسلمين، خاصة في الهند وباكستان وبنجلاديش والفلبين، لمساعدة إخوانهم المسلمين، وتدريبهم وتأهيلهم للمواجهة العسكرية معهم . على الضفة الأخرى كان تنظيم الدولة الإسلامية يرقب مشهد أزمة مسلمي الروهينجا من كثب، إلا أنه رسم إستراتيجية قائمة على تطويق حزامها الجغرافي، عبر انتشار في جغرافيات قريبة على الأطراف لتمكنه من التوغل داخلها، التي خطط لها بدقة عقب خسارته في الرقة والموصل بالشرق الأوسط، وانتقاله نحو ترسيخ وجوده ومن ثم انتشاره عبر آلته الإعلامية التي تمهد للوجود على الأرض، كما حدث من طرق أبواب جنوب وشرق آسيا، وظهور مقاتلين موالين له يعلنون بيعتهم للتنظيم وخليفته. سلك تنظيم الدولة في سباق التنافسية مع تنظيم القاعدة في أزمة مسلمي الروهينجا، مسارين اثنين، أولهما التوعية الإعلامية لما يحدث لمسلمي الروهينجا من اضطهاد ديني وتطهير عرقي على أيدي حكومة ميانمار عبر وسائط إلكترونية متعددة كانت أهمها الـTelegram، وثاني هذه المسارات تقديم تنظيم الدولة نفسه على كونه يقدم الحل الناجز لخروج مسلمي الروهينجا من أزماتهم القائمة منذ عقود، في بورما ابتداء ثم أراكان الحالية، من خلال تبني الجهاد تحت راية التنظيم ووفق رؤيته العقدية . [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] كتيبة المهدى في بلاد أراكان[/caption] في الواقع، يعد الإعلان عن جماعة مؤيدة لداعش من داخل مسلمي الروهينجا بمثابة تطور خطير ستترتب عليه الكثير من التداعيات، أولها على قضية أقلية مسلمي الروهينجا أنفسهم، والذي قد يخصم من رصيدهم دوليًّا وإقليميًّا، فمن المتوقع أن تسارع حكومة ميانمار على تصوير مشهد اضطهادها للأقلية المسلمة هناك على كونه يأتي في سياق محاربة الإرهاب . لكن لأن الإعلان عن ميلاد جماعة داعشية من مسلمي الروهينجا، جاء على شكل بيان، بإمضاء حركة لم تقم حتى اللحظة بعمل يذكر، أو أنها أصدرت مقطعا تسجيليا مصورا يظهر فيه مقاتلون يعلنون فيه ولاءهم الصريح، وبيعتهم لخليفة داعش -أبو إبراهيم الهاشمي القرشي- على النحو التقليدي المتعارف عليه، يجعلنا نذهب إلى القول إن الوقت مبكر للتأكيد على أن تنظيم الدولة الإسلامية داعش، قد شغل حيزًا من أزمة مسلمي الروهينجا، إذ لا يزال على الأطراف، ولم يتمكن من التوغل داخليًّا إلى المركز، فهو لا يزال يحوم حول أسوار أراكان حتى اللحظة، ولا ينفي ذلك إمكانية أن ينجح في التسلل داخلها، لم يصدر حتى الآن من التنظيم تأكيدًا بشأن قبول بيعة مقاتلي مسلمي الروهينجا. بعض المصادر التي اعتمد عليها المقال: