"أطفال داعش".. وقود متجدد لاستغلال المتطرفين

ذات مصر
  خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قُتل مراهق روسي، 16 عامًا، برصاص أحد رجال الأمن، عندما كان يحاول إشعال النيران في عدد من سيارات الشرطة، لكن هذه لم تكن المحاولة الإرهابية الأولى لأسرته، ففي عام 2001، حكم على زوج أمه بالسجن 14 سنة، بعد إدانته بمحاولة تفجير خط للغاز كجزء من مؤامرة إرهابية. تُمثل الواقعة المذكورة تنبيهًا ملحًّا وعاجلاً حول آلية التعاطي مع عشرات الآلاف من أبناء مقاتلي داعش المحتجزين في مخيمات الاعتقال في سوريا والعراق، في الوقت الذي يستغل فيه المنشغلون بقضايا إعادة التأهيل هؤلاء الأطفال لتحقيق أهدافهم الخاصة. وخلال أكتوبر/ تشرين الأول أيضًا، أرسلت عدة حكومات غربية بما فيها السويد وألمانيا وفودًا/ ممثلين عنها إلى سوريا للحديث مع رعاياها المسجونين حول إعادة أطفالهم إلى الوطن، لكن لم توافق أي سيدة من اللائي تحدثن إلى الوفود على إعادة أبنائها إلى أوروبا. كانت الذريعة التي تذرّعن بها أنهن يُردن لأبنائهن أن يكبروا بجوارهن حتى ينشأوا بطريقة صحيحة، وهو ما تداولته صفحات وقنوات على وسائل التواصل الاجتماعي وموقع تيليجرام، الذي يستخدمه عناصر داعش بكثرة، لكن في السر كان لدى هؤلاء النسوة تخوف من أن تؤدي موافقتهن على رحيل أولادهن إلى البلدان التي أتين منها، إلى إغلاق ملفهن وتركهن للأبد في تلك المخيمات. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] معسكر أشبال الخلافة[/caption] وفقًا لمقال كتبته فيرا ميرونوفا، الخبيرة في شؤون الجماعات المتطرفة بجامعة هارفارد، في مجلة "فورين بوليسي" فإن هؤلاء النسوة لم يكنّ على خطأ، فخلال العديد من المقابلات التي أجريت مع مسؤولين في الدول الأوروبية، أبدوا تأييدًا لاستعادة "أطفال داعش" وإعادة تأهيلهم، وهذا الطرح يؤديه الرأي العام الغربي الذي يرى أنه من الآمن فعل ذلك، وفي نفس الوقت بدا الجميع أقل اهتمامًا بما سيحدث لأمهات هؤلاء الأطفال المحتجزين في سوريا والعراق لاحقًا. وحتى لو وافقن على إعادة أطفالهن إلى ديارهم، فما زالت هناك عقبة أخرى متعلقة بقوات سوريا الديمقراطية "قسد" نفسها، والتي تُشرف على عدد من مخيمات الاعتقال لعناصر داعش وأسرهم، لأن سياسة "قسد" هي الموافقة على إعادة الأطفال الأيتام وذوي الحالات المرضية فقط، وهو الأمر الذي دفع عددًا من الأمهات لمحاولة تسجيل أبنائهن كأيتام حتى يتمكنّ من إعادتهم إلى بلادهم، لكن تلك المحاولات اكتُشِفَت أكثر من مرة، ومع ذلك لم تيأس الأمهات اللائي عاودن الكرة مجددًا قبل أن تهددهن قوات "قسد" بإرسال أبنائهن إلى دور الأيتام السورية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] مخيم الهول[/caption] وبالنسبة إلى قوات سوريا الديمقراطية، فإن بقاء عدد كبير من الأجانب، بما في ذلك النساء والأطفال، في قبضتها يقوّي مواقفها في التفاوض مع حكومات هؤلاء الأجانب. وحتى لو كان الأطفال أيتامًا حقيقيين، فإن إعادتهم إلى الوطن لا تكون سهلة، إذ تستغل نسوة هؤلاء الأطفال لابتزاز أجدادهم في الخارج، وإرغامهم على دفع فدية، فعلى سبيل المثال، أخفت "خديجة"، إحدى نساء داعش الروسيات، 56 عامًا، 4 أيتام روسيين في مخيم الهول (أكبر مخيم للاعتقال في سوريا)، لمنع عودتهم إلى بلادهم، بحجة أنها لا تُريد لهؤلاء الأطفال أن ينشأوا في "بلاد الكُفر"، على حد تعبيرها، وفي نفس الوقت أغرت الداعشية الروسية أجداد الأطفال بأنها ستسمح بإعادتهم إلى الوطن في حال دفعوا مقابل تهريبهم إلى تركيا، وفي نهاية المطاف سمحت بإعادتهم بعد أن طلب منها مقاتلو التنظيم فعل ذلك، وهددوها بقطع الأموال التي يدفعونها لإعاشتها دوريًّا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أطفال داعش مع أمهاتهم[/caption] هذه الحالة لم تكن فريدة من نوعها، بحسب مسؤولي المخيم وعدد من الأسر المحتجزة به. وفي حالات نادرة يحدث استغلال الأطفال حتى بعد العودة لبلادهم، كما حدث مع طفل ينحدر من آسيا الوسطى، أُعيد مع والدته إلى الوطن، فزعمت أمه أن والده كان أحد أبناء عائلة ثرية قُتل في صفوف داعش بسوريا، في حين علمت الاستخبارات الوطنية هناك، أن هذا الداعشي كان يُقاتل في منطقة مختلفة تمامًا عن التي كانت توجد بها هذه الأم قبل نحو 9 أشهر من ولادة الطفل، ما يعني أنها تكذب على الأسرة الثرية، غير أن مسؤولي الاستخبارات ظلوا مترددين حيال إخبار الجد بحقيقة حفيده المزعوم. وبالنسبة إلى ميرونوفا، فإن ما يجب فعله مع أبناء مقاتلي داعش يظل سؤالاً حرجًا، ليس على الصعيد الإنساني فحسب، بل على الصعيد الأمني أيضًا، ففي البلدان التي لها تاريخ مع الصراع، ينضم كثير من الأبناء إلى آبائهم في القتال، وحاليًّا تُبقي غالبية الدول الأطفال مع آبائهم الدواعش، في حين تفعل دول قليلة العكس، مثل طاجيكستان التي عاشت حربًا أهلية طويلة، وأودعت أطفال "داعش" العائدين من سوريا في دور الأيتام، ولم تُبقِهم مع آبائهم. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أطفال داعش[/caption] وفي النهاية، فإن "أطفال داعش" يبقون أطفالاً، حتى وإن تورط آباؤهم مع التنظيم، وبالتالي لا ينبغي أن يتخلى عنهم العالم، خصوصًا أنهم معرضون لأن يصيروا الوجه الجديد لداعش أو أي جماعة مرتبطة به، وكلما تخلى عنهم العالم، كانوا إلى معسكر التنظيم أقرب. ويبقى مفتاح حل هذه الأزمة المعقدة هو إعادتهم إلى الوطن ورعايتهم بحرص، مع التركيز على نزع التطرف وإعادة الإدماج في المجتمع.