"النووي" يشعل خلافا إيرانيًا.. البرلمان يُعلق التفتيش و"روحاني" يرفض

ذات مصر
  لم يتخلّ الداخل الإيراني عن حالة الانقسام التي تسيطر عليه حتى في ظل التوترات الأخيرة في المشهد، على خلفية حادث اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زادة، بل برز الخلاف بعد إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني رفضه لمشروع القانون الذي أقره البرلمان، الذي يسيطر عليه متشددون، مؤخرًا بتعزيز تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 20% وتعليق التفتيش على المنشآت النووية ما لم تُرفع العقوبات. ووصف "روحاني" في حديثه إلى مجلس الوزراء في 2 ديسمبر/ كانون الأول، مشروع القانون الذي منع عمليات التفتيش الدولية للمواقع النووية الإيرانية ابتداءً من الشهر المقبل، بأنه "ضار" بالجهود الدبلوماسية الرامية لاستعادة الاتفاق النووي مع الدول الكبرى وتخفيف العقوبات الأمريكية، في إِشارة إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018، وكان من المتوقع أن تتخذ إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن خطوات لإعادة واشنطن إلى الاتفاق. وحتى الآن، لا يعتبر هذا القانون ساريًا بسبب القوانين الإيرانية التي تعلق أي قرار يتعلق بمسألة الاتفاق النووي والبرنامج النووي ولا تدخل حيز النفاذ إلا بعد موافقة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي. [caption id="" align="aligncenter" width="1001"] روحاني[/caption]

رد فعل

ويُعد هذا المشروع أول رد على حادث اغتيال العالم النووي الإيراني البارز في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بعد هجوم مسلح على سيارته في منطقة أبسارد، إذ كان "زادة" يترأس برنامجًا قالت إسرائيل والغرب عنه إنه "عملية عسكرية تبحث في جدوى بناء سلاح نووي"، ولكن وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن البرنامج المنظم انتهى عام 2003. ورغم أن العلاقات الإيرانية الأمريكية لم تكن على ما يرام خلال الآونة الأخيرة، في ظل سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبحث عن خيارات لاتخاذ إجراءات ضد الموقع النووي الرئيس في إيران، على خلفية إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فإن إيران صارت تمتلك أكثر من 12 ضعفًا من كمية اليورانيوم المخصب المسموح بها بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع القوى العالمية الكبرى، لكن طهران لم تتهم واشنطن بالوقوف وراء هذا الحادث. وبدلاً من ذلك، وجهت إيران أصابع الاتهام إلى إسرائيل وتعهدت بالرد على حادث اغتيال "زادة" في الوقت المناسب، وشدد المرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، في تغريدة في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، على ضرورة التحقيق في هذه الجريمة وملاحقة مرتكبيها وقادتها بحزم، ومواصلة جهود العالم العلمية والتكنولوجية في جميع القطاعات التي كان يعمل فيها. ومن الواضح أن "روحاني" لا يعارض الرد على مقتل العالم الإيراني بشكل عام، وهو ما توضحه تصريحاته التي أعقبت حادث الاغتيال والتي قال فيها خلال اجتماع لمجلس الوزراء نقله التليفزيون الرسمي، في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، إنه "يجب أن يعلم أعداء إيران أن الشعب الإيراني والمسؤولين أكثر شجاعة من ترك هذا العمل الإجرامي دون رد"، ولكن ربما يكون اعتراض الرئيس الإيراني على طريقة الرد نفسها التي اتبعها البرلمان وهو ما يلقي بظلاله على حالة الانقسام المترسخة في الداخل الإيراني.

One of our country’s eminent scientists in the nuclear & defense fields - Dr. Mohsen Fakhrizadeh -has been martyred by brutal mercenaries. With his great, enduring scientific efforts, he sacrificed his life on the path of God & the lofty status of martyrdom is his divine reward.

— Khamenei.ir (@khamenei_ir) November 28, 2020

صدام متوقع

ويرى المدرس المساعد بقسم الدراسات التركية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، سامح الجارحي، أن الانقسام بين روحاني والبرلمان حول هذا القانون أمر متوقع، في ظل انتماء "روحاني" للتيار الإصلاحي صاحب السيطرة الأقل على البرلمان في مقابل تيار المحافظين، التابعين للمرشد الأعلى الإيراني، والذي يتمتع بسيطرة أكبر وفق ما أوضحه لـ"ذات مصر". ويتبنى تيار المحافظين مبدأ رافضًا لبعض بنود الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015 بين طهران وقوى عالمية كبرى، وكان منها عدم التعرض للمواقع النووية وكذلك البرنامج الصاروخي الإيراني وتجارة الأسلحة التي تدر عائدًا كبيرًا على إيران وتستخدمها في دعم الميليشيات العسكرية التابعة لها في الإقليم، بحسب "الجارحي". أما عن تصديق المرشد الأعلى الإيراني على مشروع القانون، فيقول "الجارحي" إن إيران قد تبدي مرونة في التوقيت حتى تتضح معالم سياسة الرئيس الأمريكي "بايدن" تجاه إيران عقب توليه السلطة في يناير/ كانون الثاني المقبل، فإذا ظهرت بوادر انفراجة في المحادثات بين واشنطن والولايات المتحدة في ظل رئاسته قد تتراجع إيران، خصوصًا أنها تعوّل منذ البداية على الرئيس الأمريكي الجديد، ولكن حادث اغتيال "زادة" أربك المشهد. [caption id="" align="aligncenter" width="750"] عالم النووي المقتول- محسن زاده[/caption]

مسار دبلوماسي

واتفق المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات والمتخصص في الشأن الإيراني، هاني سليمان، مع الرأي السابق، وقال لـ"ذات مصر": "وجهات النظر بين الإصلاحيين، المتمثلة في الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، في مقابل المحافظين المتمثلين في رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، تشهد اختلافًا دائمًا في عدة قضايا". هذا الموقف الرافض من قبل "روحاني" يأتي من إيمانه بالتوصل إلى توافق حول الاتفاق النووي الإيراني من خلال مسار دبلوماسي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ويحاول من خلال تخفيض العقوبات، ولكن هذا التصعيد المتمثل في مشروع القانون من شأنه أن ينسف هذه الإستراتيجية، وفق "سليمان". ويعتبر المتخصص في الشأن الإيراني أن موافقة البرلمان على مشروع القانون يُعد بمثابة ورقة ضغط على الرئيس روحاني من جانب رئيس البرلمان "قالباف"، الذي كان مرشحًا أمام روحاني في الانتخابات الرئاسية قبل أن ينسحب منها، وقد يكون هذا القرار نوعًا من الثأر وتضييق الخناق على الرئيس الحالي تمهيدًا لمجيء رئيس آخر.