لعنة الموارد: الصراع على إفريقيا الفرانكفونية

ذات مصر
  في صبيحة 18 أغسطس/ آب الماضي 2020، حاصر العقيد أسيمي غويتا، ورفاقه المنشقون، مبنى قيادة الأركان ورئاسة الوزراء في جمهورية مالي، ما أجبر رئيس الوزراء بابو سيسيه، ورئيس الأركان محمد توريه على الاستقالة.. لاحقًا في منتصف الليل تنحى الرئيس المالي أبو بكر كيتا، تاركًا السلطة لقيادة اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب. كان قائد الانقلاب العقيد غويتا تلقى تدريبًا مكثفًا في مركز "جورج سي مارشال" للدراسات الأمنية والإستراتيجية التابع للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا-المعروفة اختصارًا بالأفريكوم- كما ترأس وحدات النخبة الموكلة بمهام مكافحة التمرد والإرهاب، في حين عدّه البعض رجل أمريكا القوي وسط محيط من العسكريين الموالين لفرنسا ، ويصنف الرئيس السابق أبو بكر كيتا كحلقة مهمة في شبكة ربطت فرنسا بالنخب الحاكمة لمستعمراتها السابقة، ضمن علاقات سياسية-إقتصادبة عرفت باسم فرانس-أفريك. [caption id="" align="aligncenter" width="539"] غويتا في أثناء تسلمه شهادة إتمام التدريب بالمركز (المصدر: حساب مركز جورج سي مارشال على تويتر)[/caption] 1- الاقتصاد السياسي لفرانس أفريك في غمرة أفول النفوذ الفرنسي العسكري في القارة السمراء في أواسط الخمسينات عقب الإنهاك والتدمير الواسع الذي خلَّفته الحرب العالمية الثانية، ارتأت جمهورية فيشي الفرنسية المؤقتة ومن بعدها الجنرال ديجول، مؤسس الجمهورية الخامسة، تقليص نفقات الوجود العسكري، وتركيزه على التحكم بالمناطق الإستراتيجية المنتجة لمصادر الطاقة، والمعادن الاقتصادية، وعقد المواصلات والنقل الهامة في إطار سياسة تقشفية توازن بين الحفاظ على المصالح الفرنسية، وبين تقليص ميزان المدفوعات أسوة بنظيرها الأنجلوفوني الموجود آنذاك بقناة السويس -عقدة النقل البحري الأهم في القارة- وفي حزام مستعمرات جنوب إفريقيا البريطانية (روديسيا الجنوبية أو زيمبابوي حاليًّا ومحمية بوتشونلاند البريطانية -بوتسونا حاليًّا) المسؤولتين عن إنتاج 40% من إجمالي الإنتاج العالمي للماس. في أواخر 1956، في أعقاب الانسحاب الثلاثي من السويس، بدأ عصر جديد من الأمل في الحرية والحق في تقرير المصير، وسرت دعوات حركات التحرر الوطني الإفريقية سريان النار في الهشيم تاركة ديجول وجنرالاته في أزمة حوكمة غير مسبوقة، خاصة بعد اشتداد وطأة ضربات المقاومة الجزائرية، وبعدما خلق تضافر جهود تصفية الاستعمار واقعًا جديدًا خشي ديجول من تمدده إلى إفريقيا الفرانكفونية جنوب الصحراء. تفاعل ديجول مع هذا الواقع الجديد بإنشاء كيان نيوكولنيالي (استعماري) جديد، مستعينًا بخبرات مستشاره وأمين عام الشؤون الإفريقية والمغاربية بالرئاسة (جاك فوكار) الضابط السابق بالجيش الفرنسي ورجل الأعمال، لعب فوكار، الذي عرف بنفوذه في أوساط المستوطنين البيض في الجزائر الفرنسية سواء أكانوا رجال أعمال أم مرتزقة، دورًا مهمًّا في نسج شبكات معقدة من العلاقات الشخصية والولاءات المحلية في صفوف رؤساء وسياسيي غرب إفريقيا. [caption id="" align="aligncenter" width="919"] جاك فوكار (المصدر: منظمة شارل ديجول)[/caption] بمضي الوقت بات رؤساء وزعامات غرب إفريقيا أعضاء ضمن برامج مكافآت سخي يشرف عليه ديجول شخصيًّا، في أواخر 1960 وبإيعاز من فوكار، الذي اقترح الوصول إلى حل وسط يوفق بين صيغة الاستعمار القديم وكارثة الاستقلال التام التي تخيم على أجواء الجزائر الفرنسي، ما سيكفل تأمين احتياجات فرنسا النهمة من المواد الخام والسلع الأولية مقابل منحها استقلالاً صوريًّا لمستعمراتها في غرب إفريقيا. يسرد فوكار في مذكراته المهمة "رجل الظل" كما في مقالة كاي وايتمان عن الأخير[i] إشرافه على إبرام اتفاقيات استقلال 14 دولة إفريقية بجانب ملاحقها الأمنية والسياسية والاقتصادية، منها على الترتيب: موريتانيا، السنغال، ساحل العاج، داهومي- بنين حاليًّا-، ڤولتا العليا أو بوركينا فاسو حاليًّا، النيجر، تشاد، الجابون، جمهورية إفريقيا الوسطى، الكونغو-برازاڤيل، ومدغشقر، توجو والكاميرون. وبعصا العمليات القذرة، والخدمات الأمنية، وجزرة المكافآت السخية، استغل فوكار شبكات علاقاته الشخصية مع الزعماء الأفارقة ونفذ إلى أوساطها العسكرية لينظم الانقلابات ويصنع الملوك.. كانت باكورة التعاون تعديل اتفاقية "فرانك غرب إفريقيا" (west African franc) المبرمة في أواسط الأربعينات لتقضي باحتفاظ الدول الأعضاء بنحو 50% من أصولها الأجنبية تحت تصرف الخزانة الفرنسية مقابل الحق في إصدار فرانك غرب إفريقي مقومًا بالفرنك الفرنسي آنذاك وباليورو حاليًّا، ما يعني عمليًّا نفاذًا فرنسيًّا إلى نفط وموارد غرب القارة الطبيعية في آلية مبادلة للفرنك الفرنسي بعقود تفضيلية لشركات المقاولات والاتصالات الفرنسية تُرسى بالأمر المباشر، وامتيازات ممنوحة للشركات الفرنسية العاملة في استخراج الطاقة والمعادن. كشفت عن تفاصيل كل هذه الامتيازات فضيحة الرشاوى السياسية لعملاق النفط الفرنسي السابق إلف-إكتيون، وعن قوائم متلقيها من زعماء ورؤساء وعسكريين أفارقة مقابل إبرامهم عقود امتيازات جديدة. 2- اقتصاديات فرنسا في إفريقيا تتمتع توتال اليوم -الوريث الحالي لإلف– بخريطة امتيازات واسعة في غرب القارة –في الجابون ونيجريا وساحل العاج وأنجولا وخليج غينيا تحديدًا- من إجمالي إنتاجها الكلي الذي يمثل أكثر من ربع إنتاج النفط في القارة، بينما تتواجد شركات الكهرباء، وتمديد المرافق العمومية الفرنسية (مثل شنايدر وشقيقتها إلستوم وبويج) في معظم بلاد غرب وشمال إفريقيا. أما عملاقة الاتصالات الفرنسية(Orange) فتستحوذ على رخصة تشغيل شبكات المحمول في 20 دولة إفريقية بإجمالي عملاء يتعدى 100 مليون مستخدم، أما البنوك الفرنسية (مثل سوسيتيه جنرال، البنك الوطني الفرنسي، بي إن باريبا) فتستحوذ على 70% من رأس مال مجموع البنوك العاملة في دول اتفاقية الفرانك. وشكّل تعويم 1994 صدمة هائلة لإفريقيا الفرانكفونية جنوب الصحراء، حيث انخفضت قيمة الفرانك الإفريقي إلى النصف بعد تعديل بنك فرنسا المركزي لسعر الصرف الثابت من 50 فرانكًا غرب إفريقيّ مقابل فرانك فرنسي أو 50 :1 إلى 100 : 1، في حين تعاملت حكومات مع الصدمة بحزمة من الإجراءات التقشفية؛ سرّح بعضها العاملين بالدولة، وجمد مرتبات المحظوظين منهم. [i] وكانت الضربة القاصمة في بدايات الألفية عندما قررت فرنسا تقويم فرانك غرب إفريقيا باليورو قبيل التحاقها بالاتحاد الأوروبي، بمعامل تحويل قدره 655 فرانكًا غرب إفريقي لكل يورو أو 650 : 1 أي أن معدل التضخم قد زاد نحو 600% في الفترة ما بين 1994 و2001 بحساب معامل الخطأ. وقيَّدت الاتفاقية الفرنسية- الأوروربية حدود السحب بسقف يقدر بـ20 % من إجمالي إيداع كل دولة، أي أن بنك فرنسا منع عمليًّا معظم الدول الأعضاء من إعادة استثمار أو من حرية التصرف بنحو 80% من فوائض الأرباح المودعة بخزانته تحت أي ظرف. وتتضح آثار الضغط التراكمي الرهيب في أثرها على تقلص النفقات الحكومية -رواتب العاملين بالدولة والاستثمار في البنية التحتية- يظهر الفارق جليًّا في الخلل بميزان المدفوعات، فتستورد الدول الأعضاء السلع والخدمات الأجنبية باليورو (عملة قوية)، وتصدر سلعها المحلية من المواد الخام وبعض الخدمات بالدولار (عملة ضعيفة)، ما يعني أرباحًا أقل ونفقات أكثر في ما أسماه الاقتصادي الإفريقي ديمبا موسى ديمبالي بـ"العبودية الاقتصادية"، لكن يتحفظ الباحث في العلاقات الدولية لندري سيجنيه واصفًا إياه بـ"الاتفاق المكبل" لآفاق التنمية والعقبة الكؤود أمام نمو اقتصاديات غرب إفريقيا. [ii] لا يشكل النفط وعقود الإعمار الاستثمارات الفرنسية الوحيدة في القارة السمراء، بل شملت أيضًا تعدين المعادن النادرة كاليورانيوم الذي تنضبه منشآتها ومحطاتها النووية لتولد 75% من كهربة فرنسا، تأتي 40% منها من النيجر، أفقر بلاد العالم ورابع أكبر منتج لليورانيوم والمسؤول عن 5% من إجمالي الناتج العالمي، عهد باستخراج وتنقيب وتصدير الخام الثقيل إلى أورانو أو -آرافا سابقًا Areva -[i] . رافق الاستثمار الفرنسي المباشر في البنية التحتية وفي منشآتها التعدينية وجود عسكري يحمي مصالحها في دول جنوب الصحراء، وفي أعقاب الحرب الأهلية الليبية الأولى، ومع اندلاع تمرد الطوارق المسلح في مالي وتحالفه مع تنظيم القاعدة في المغرب العربي، أطلق وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان عملية برخان في أغسطس/ آب 2014 والجارية إلى الآن بهدف مكافحة الإرهاب، وإسناد الأنظمة الموالية في دول الساحل الإفريقي لتنطلق من القواعد الموجودة مسبقًا [ii] [caption id="" align="aligncenter" width="698"] قواعد الانطلاق الفرنسية لعملية برخان..[/caption] 3- التنافس الفرانكو-أمريكي يرى محللون الانقلاب الأخير في مالي، وصعود أسيمي غويتا ورفاقه إلى السلطة، كجزء من سلسلة طويلة من حلقات الصراع الأنجلو- فرنسي في غرب القارة، حيث يمكن تتبع بداياته في ستينات القرن المنصرم، حين دعَّمت فرنسا متمردي جمهورية بيافرا الانفصالية ضد الحكومة الفيدرالية في نيجيريا، آملةً حينذاك زيادة نصيب مؤسستها النفطية الأكبر -إلف أكتيون أو توتال حاليًّا- في خليج النيجر الذي ينتج 2.2% من إجمالي النفط العالمي. كانت الأصول النفطية النيجيرية تدار عبر تحالف شركتي بريتش بتروليوم-شل البريطانية، فالبلد حديث الاستقلال عن التاج البريطاني آنذاك رتب مع حكومة هارولد ماكميلان شروط منفعة متبادلة جديدة تقضي بتقاسم الأرباح بنسبة 50% - 50% للطرفين، وتقاسمت شل البريطانية ونظيراتها الأمريكية (موبيل وجولف أويل) الامتيازات البحرية في منطقة الشمال الشرقي التي تسيطر عليها الدولة المركزية[i]، تقاسمت شل ونظيرتها الفرنسية -إلف- الامتيازات في الجنوب الشرقي التي سيطر عليها متمردو بيافرا من عرقية الأيغبو. كان فوكار وصديقه هوفيت بوانيي -الرئيس الأول لساحل العاج- العقول المدبرة للتدخل العسكري الفرنسي لإسناد جمهورية بيافرا، التي سرعان ما حلت بعد انتصار الحكومة الفيدرالية وحلفائها في لندن وواشنطن[ii]. في المقابل دعمت الولايات المتحدة الرئيس الغيني سيكوتوريه في مساعيه المناهضة لفرنسا. في النيجر يقيم سلاح الجو الأمريكي أكبر قاعدة للطائرات المسيرة في تاريخه بالقرب من مدينة أغاديز بتكلفة إجمالية قدرها 280 مليون دولار[iii] والمفترض اكتمالها بحلول 2024 في إطار إستراتيجيته الجديدة للحرب الهجينة. لعقود طويلة فضلت الولايات المتحدة استغلال النفوذ الفرنسي لمجابهة حركة التحرر الوطني الشيوعية والقومية في إفريقيا، ما أسفر آنذاك عن قيام نشاط استخباراتي مكثف ضمن تعاونًا بين المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات الفرنسية ونظيراتها العربية، عرف باسم "نادي السافاري".[iv] كانت الإستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في غرب إفريقيا هو القيادة من الخلف بدلاً من مزاحمة فرنسا في ساحتها الخلفية، إلا أن الوضع تغير بعدما كشفت عملية برخان الجارية عجز فرنسا بمفردها عن مكافحة التمرد في الساحل الإفريقي، وبالتالي رضخت باريس لأن تكون القاعدة الأمريكية هي الجار الجنوبي الوحيد لقاعدة فرنسا الجوية في مداما شمالي النيجر. [caption id="" align="aligncenter" width="1009"] بناء هناجر الطائرات في القاعدة الأمريكية بالنيجر قرب أغادير.. المصدر: Carley Petesch/AP[/caption] 4- الصين تملأ الفراغ الأوروبي "كل مرة تأتي شركات النفط الغربية طالبة حقوق الانتفاع ببعض الامتيازات، ترد الحكومة: حسنًا ابنوا مصفاة، فيأتي الرد: مستحيل.. ويأتي الصينيون ليسألوا: أتريدون مصفاة؟! حسنًا بأي حجم تفضلونها؟" إبراهيم عيدي إنجو، رئيس غرفة التجارة النيجرية، واصفًا الاستعداد الصيني.[i] في النيجر تتقاسم الصين التنقيب مع فرنسا علانية عن احتياطيات طاقتها الأهم، اليورانيوم. فعلى بعد كيلومترات معدودة من موقع إنشاء القاعدة الجوية الأمريكية الأكبر في إفريقيا بأغادير، يواصل العمال والمهندسون الصينيون الليل بالنهار في مناوبات لا تنقطع من الحفر والتشييد بمنجم أزيليك لليورانيوم، حيث يتقاسم تحالف (Somina or Societe des Mines d'Azelik) الإنتاج بإسهام صيني يتجاوز 60%، بين المؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية، وشريكها من القطاع الخاص مقابل 33% للحكومة في النيجر، و5% للوسيط التجاري تريندفيلد، الذي باع حصته مؤخرًا إلى هيئة الموارد الحكومية الكورية، تريندفيلد، الشركة التي تملك حديقة الحيوان الوحيدة في البلاد في وسط عاصمتها، نيامي، ويفاخر مديرها التنفيذي جاي دوبورت عبر حسابه على لينكدإن بـ"مهارته التفاوضية التي حسمت تأطير وتنظيم تدشين الشراكة الإستراتيجية بين مؤسسات الصين النووية وبين دولة النيجر". [ii] جاي دوبورت هو أحد الوسطاء والسماسرة والسدنة المهرة الذين تستغلهم الصين لتأسيس شبكات علاقتها المركبة والعميقة بأصحاب النفوذ السياسي في ممارسة قديمة قدم الكونفوشيوسية ذاتها، تسمى "الجوانشي" أو الوسيط، وهي دينامية اجتماعية تولي أهمية للعلاقات الشخصية والهرمية في إطار السعي للسلطة، وككابح فعال لصراعات القوة المحتملة والتي لا يمكن اختزالها في الترجمة إلى "روابط أو صلات"، أو حتى بحصر دلالاتها على العلاقات العامة، أو الفساد المؤسسي والمحسوبية. شكلت الجوانشي جزءًا من ثقافة الصين الاقتصادية تطور بحكم تاريخها التجاري والتقني الطويل. في كتابه المحوري "آلة النهب: أسياد الحرب والأوليغارشية والشركات والسرقة الممنهجة لثروات إفريقيا"، يروي الصحفي البريطاني توم بورجيس كيفية إدخال الصين للجوانشي في إطار علاقتها الاقتصادية بالقارة التي تستهلك مليونًا وربع المليون برميل من إنتاجها النفطي يوميًّا. [iii] في أنجولا، المصدر المهم لواردات النفط الصينية، لجأ "سام با"، رجل الأعمال المقرب من دوائر الحزب الحاكم، عبر شركائه في مجموعة "كوينزواي" للاستشارات المالية والقانونية، المدرجة ببورصة هونج كونج، إلى وسيط يشبه جاي دوبورت، السابق ذكره، فكان ضالتهم هيلدر بتجاليا، وهو رجل الأعمال برتغالي الأصل أنجولي المولد، ومقرب من دوائر السلطة في فوتونجو، ليأتي اتفاق 2004 الذي قضى بمبادلة الصين ملايين الدولارات في استثمارات البنية التحتية، وفي القروض الميسرة مقابل حقوق الانتفاع بالامتيازات البحرية التي اكتشفتها بريتيش بتروليوم، وهذه المشاريع والقروض مؤمنة بضمان الأصول النفطية في ما يعرف بـ"Asset-Based Lending"[iv]. كانت هذه هي قصة تأسيس أكبر شراكة صينية إفريقية في مجال النفط تجسدت في تشاينا سونانوغول التي أمنت خطوط ائتمان بحد 42 مليار دولار في مقابل 11 ألف برميل نفط يوميًا لمدة 17 عامًا، هذا هو "النموذج الأنجولي" الذي كررته الصين في زامبيا التي لجأت إلى رهن أصولها العامة كالمطار الدولي لتخدم قرضًا صينيًّا مقداره 6 مليارات دولار، وفي الكونغو الديمقراطية التي قايضت دين بنك الصادرات والواردات الصيني بـ10 ملايين طن من النحاس!![v] أما بخصوص شرق إفريقيا، فرغم فقره النسبي، مولت البنوك الصينية مشاريع بنى تحتية عملاقة فيه، مثل مد سكك حديد مومباسا في كينيا، وبناء السدود في رواندا وإثيوبيا، إلا أن الخطوة الأهم كانت تدشين أول قاعدة عسكرية بحرية خارج البلد في جيبوتي -المستعمرة الفرنسية السابقة- في إطار (مبادرة الحزام والطريق) لتأمين طريق الحرير الجديد من بحر الصين الجنوبي حتى "المتوسط"، في ما أسماه المحللون "دبلوماسية المخافر" أوcheckpoint diplomacy ، تجاور القاعدة مقر القيادة المشتركة للبحرية الأمريكية في إفريقيا (الأفريكوم) والقاعدة الجوية الفرنسية رقم 188 في تحدٍّ سافر. في المؤتمر الصحفي قبيل زيارة ماكرون لجيبوتي حذر "الدول الإفريقية الصغيرة والنامية من فخ الديون الصيني، ومن التهاون في سيادتها".[vi] وتُعد كل من النيجر وجيبوتي أمثلة واضحة للمصير الذي تخشى فرنسا حدوثه في غرب القارة خصوصًا بعد صعود القادة المناهضين لفرانس-أفريك، وإبرامهم مذكرات تفاهم مع بكين كالرئيس الإيفواري الحسن وتارا.[vii] [caption id="" align="aligncenter" width="1278"] القاعدة البحرية الصينية في جيبوتي (المصدر: ستراتفور)[/caption] 5- خاتمة بجانب الاعتماد على الاقتصاد الريعي، والزبونية السياسية، وفساد الطغم الحاكمة، تجدر الإشارة إلى أن إعادة إنتاج التخلف في إفريقيا هو النموذج الأكثر ملاءمة لمصالح الشركات الدولية والمؤسسات العابرة للقارات، إلا أنه يصعب اختزال ورهن مستقبل دول إفريقيا جنوب الصحراء في اعتمادها على القوى والمؤسسات الدولية، وفي إمكانية نجاح الحوكمة ببلدانها بمعزل عن المتغيرات الإقليمية وعلى رأسها دخول الصين والهند إلى ساحة التنافس الاقتصادي بالقارة. يصعب كذلك تبسيط علاقات القوة الدولية بمجرد تنافسها حول الموارد الطبيعية، فالمتغيرات السياسية في دول كنيجيريا مثلاً قد أوجدت مساحة للتعاون بين الصين وفرنسا، من المتوقع أن تلجأ دول غرب القارة إلى تعديل اتفاقية الفرنك الإفريقي ليشمل تقويمه سلة من العملات بجوار اليورو كالدولار واليوان، خاصة بعد زيادة حجم التبادل التجاري بينها وبين الولايات المتحدة والصين على الترتيب.   [toggle title="الهوامش" state="close"] [1] Mali coup leaves ex-colonial power France in a bind. Retrieved from  https://www.france24.com/en/20200819-mali-coup-leaves-ex-colonial-power-france-in-a-bind. [2] Kaye Whiteman [1997] The Man Who Ran Françafrique from The National Interest No. 49 (Fall 1997), pp. 92-99 (8 pages). [3]Tuğba Korkmaz,    La Françafrique’: The Special Relationship Between France and Its Former Colonies in Africa [August 2, 2019] retrieved from https://insamer.com/en/tugba-korkmaz_960.htm. [4]  Landry Signé  How the France-backed African CFA franc works as an enabler and barrier to development [December 7, 2019] retrieved from  https://www.brookings.edu/opinions/how-the-france-backed-african-cfa-franc-works-as-an-enabler-and-barrier-to-development [5]    Uranium in Niger     [Updated July 2020] retrieved from https://www.world-nuclear.org/information-library/country-profiles/countries-g-n/niger.aspx [6] Opération Barkhane retrieved  from  https://fr.wikipedia.org/wiki/Op%C3%A9ration_Barkhane [7] Uche, Chibuike (March 2008). “Oil, British Interests and the Nigerian Civil War*”. The Journal of African History. 49 (1): 111–135 [8]  Pierre Péan L’Homme de l’Ombre (Man of the Shadows) Fayard, (1990) [9]  Nick Turse   [August 21 2018] The U.S. Is Building a Drone Base in Niger That Will Cost More Than $280 Million by 2024 [10]  Heikal, Iran: The Untold Story (1982), p. 113.and Cooley, Unholy Wars, p. 15 [11] Tom Burgis [2016] The Looting Machine: Warlords, Oligarchs, Corporations, Smugglers, and the Theft of Africa’s Wealth. P. 136 [12]  Ibid., p. 140 [13] Luo Zhenxing  [May 13, 2013] Perspectives on China-Africa Oil Ties.  From A Trilateral Dialogue on the United States, Africa and China published by Brookings. [14]    Tom Burgis, op. cit. p. 95 [15] Dylan Yachyshen [April 30th ,2020] Great Power Competition and the Scramble for Africa [16] John Irish [March 12, 2019] Macron warns of Chinese risk to African sovereignty [17] President Alassane Ouattara of Côte d’Ivoire Meets with Wang Yi [May 22, 2017] retrieved from https://www.africa-newsroom.com/press/president-alassane-ouattara-of-cote-divoire-meets-with-wang-yi [/toggle]