محمود سلطان يكتب: «الإعلاموي» المصري.. تحولات ما بعد «مبارك» و«الإخوان»

ذات مصر

ثمة تطورات، لحقت "بدور/ وظيفة" الإعلام الرسمي للدولة، والمقصود بالرسمي ـ هنا لم يعد بطبيعة الحال، إعلام "ماسبيرو" تلك الصورة المتوارثة منذ حركة الجيش عام 1952.

الأخير "ماسبيرو" فقد الاهتمام "السيادي"، وتراجعت أهميته كثيرا في الفترة التي تلت 3 يوليو 2013 بالتدرج لصالح الإعلام "الخاص" الجديد.. الذي خرج من رحم "وكلاء" ظهروا فجأة وبقوة غير منطقية، عشية التحولات العنيفة التي انهت حكم الإخوان في أقل من عام من توليهم السلطة.

ظل "الإعلامي/الرسمي"، منذ سقوط آخر حكام الأسرة العلوية، عند حدود "السلطة الاعتبارية" وما يترتب عليها من "شهرة" بكل استحقاقاتها من "نفوذ" داخل مؤسسات الدولة الأخرى، وإسالة هذا "النفوذ/الاعتباري" إلى "مكاسب" شخصية أو عائلية. فيما كانت مؤسسات مثل "الأهرام" تليها "الأخبار" و"الجمهورية" بدرجة أقل مؤسسات "سيادية" بالمعنى الحرفي للكلمة: رئيس مجلس الإدارة بها ليس صحفيا مهنيا وحسب.. وإنما "رجل دولة" ورجل المهام السياسية الصعبة في الخارج، أو وزير الخارجية "الخفي/السوبر".. ويعتبر "هيكل" أحد أبرز الأباء المؤسسين لهذا النفوذ السياسي الداخلي والخارجي.. وانتقل هذا الإرث إلى كل من تعاقبوا على هذا المقعد .. حتى إبراهيم نافع وإبراهيم سعدة ومكرم محمد أحمد وسمير رجب وغيرهم.. ثم أَفِلَتْ الظاهرة وخَفَتَ وهجُها، بالتدرج مع تولي المقعد، صحفيون تم فرزهم على أسس "هلامية" ليس بوسع أحد أن يفهمها، مهما قيل عن شرط "الولاء" .. أو المرور على فلاتر أمنية كممارسة وتقليد متبع منذ عقود مضت.

هذا الثالوث السيادي القديم "الأهرام، الأخبار، الجمهورية".. هذا "المتن" الصلب والعملاق وما حوله من صحف ومجلات الـ"هامش" أيضا.. فقد "هيبته" تماما تقريبا، مع الاستثمار الرسمي للدولة في الإعلام الخاص، لمرحلة ما بعد مبارك والإخوان.

نعيد ونكرر ـ هنا ـ أن "الإعلامي/الإعلاموي" الرسمي "صحفي أو مقدم برامج إذاعية أو تلفزيونية".. ظل ـ إلى ما قبل ثورة يناير.. رجل "نفوذ" وذلك من خلال ما اكتسبه بحكم منزلته المهنية المتماسة مع الجماهير وصوغ الرأي العام . وظل عند هذا المربع لا يغادره إلى أبعد من ذلك.. إلا في حالات نادرة: "هيكل" الذي كان جزءا من القصر الرئاسي وصناعة القرار السياسي.. وجزءا من السلطة ومن أدواتها الخشنة.. بلغت ذروته إلى أن أصبح "هيكل" أقوى من أي جهاز أمني ومن أي سلطة سياسية في مصر.. وهي الظاهرة التي انتهت مع السادات ومبارك لاحقا.

منذ عام 2017، طرأ تغير جوهري في دور و"نفوذ" الإعلاموي/الصحفي "الرسمي".. تضخم بالتدرج بدون أن أية دلالة على ذلك.. إلا أن ثمة اختبارات تعثر بها ـ رغما عنه ـ بسبب اصطدامه مع "معارضين" وكانت النتائج مذهلة، هذا الاصطدام العنيف والخشن ونتائجه على المستويين الإنساني والحقوقي.. وقع ـ في تقديري ـ بسبب عدم وعي المثقف المصري "المعارض"، بهذا "الورم" وخطورته على أمنه وحريته.. حال قرر الاشتباك مع هذا الإعلاموي "السلطوي" أوذاك في طبعته الخشنة الجديدة والتي لا يوجد لها طبعات مشابهة في تاريخ الصحافة والإعلام المصري: إقالة وزير الإعلام أسامة هيكل في إبريل 2021، احتجاز أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، د. أيمن ندا وملاحقته قانونيا وحبسه، في خريف عام 2021 بالتزامن مع اعتقال الكاتب صلاح الإمام عقب تقديم بلاغ ضده من إعلامي شهير على الهواء مباشرة.

من الأهمية ـ هنا ـ الإشارة إلى أن القاسم المشترك بين كل هذه الحالات.. أنها كانت على خلفية "تلاسن" عنيف وخشن "انتقادات" قاسية نالت من الأداء المهني لصحفيي الإعلام التعبوي المهيمن على الشاشات المحلية حاليا.

ولأن أجزاء الصورة كانت ـ ولا زالت مبعثرة ـ تعذر على المراقب المدقق الخروج بوعي مختلف عما آل إليه دور "الإعلاموي" الرسمي والذي تضخمت منزلته داخل حضانات ما فوق "القوة".. وانتقاله من محض "سلطة اعتبارية" لها وجاهة ونفوذ اجتماعي ومؤسسي نسبي.. إلى مايبدو لي  ـ على الأقل ـ أنه بات " جزءا" من السلطة ذاتها بمفهومها السياسي وبشقها العقابي والثأري.. ما يجعل الصدام به، مغامرة غير مأمونة العواقب.