محمود سلطان يكتب: إعلام "السلطة" في مصر: عزيزي المثقف أنت "لا شيء"!!

ذات مصر

بعيدا عن التنظير في الفراغ، فإن تقييم النخبة المصرية، لـ"جماهيرية" الإعلام "التعبوي/السلطوي" الحالي، الذي انحسرت مهمته في "إقناع" الناس، بالأداء الرسمي للسلطة.. تقييم يقيس تلك "الجماهيرية"، وموقف النخبة منها في رأسه.

تماما.. كما يقيس المثقف العربي تاريخ المسلمين السياسي في القرنين السابع والثامن الميلاديين وأروبا المتقدمة حاليا في "رأسه".. أو يقيس "أداء" بايدن في دولة تديرها المؤسسات.. و"ديكتاتور" شرق أوسطي في رأسه!! 

يعتقد المثقف المصري، وهو ـ عادة ـ لا يرتبط إلا بعلاقات "نخبوية" متطابقة مع حاله تماما.. يعتقد أن الإعلام الرسمي للدولة "فاشل" في مهمته المناط القيام بها! بدون أن يستحضر في ذات اللحظة التي يصدر حكمه عليه، "المهمة" أو "الوظيفة" التي أسندت لهذا الإعلام من قِبَلِ صُنَّاعهِ "السّياديين".

سؤال الفشل أو النجاح.. هو سؤال يرتبط بـ"المهمة/ الوظيفة" وليس برأي الآخرين فيه! قد يكون رأيكم ـ كمثقفين ـ بأنه "فاشل" بوصفه إعلاما يقوم بدور آخر، غير الذي تريدونه أن يقوم به.. فيما يعتبر "ناجحا" من وجهة نظر العقل الذي يديره "سرا وعلانية" لتأثيره على صوغ الرأي العام، على النحو الذي تريده السلطة منه.!

يرى المثقفون أنه إعلام "تضليلي"، وبالتبعية فهو "غير وطني".. فيما يجري مراجعته /مراقبته  داخل أروقة السلطة بوصفه إعلاما "وطنيا" يخدم السلطة في أداء واجبها "الوطني"! سيما أن "الوطنية" ـ وفق معايير الحاضنة الاجتماعية والسياسية للسلطة الآن محض "وجهة نظر" باتت "سائلة" لا مركزية لها.. وليست "المُثل العليا /الثوابت" المتوارثة من أجيال الحركات الوطنية المتعاقبة. 

إذن.. مسألة النجاح أو الفشل.. هي مسألة تخضع  لـ"خسائر" الأطراف المتضررة منه ولـ"مكاسب" الأطراف الأخرى المنتفعة به.. هكذا تبدو لي المسألة!

 أنا مثلك ـ عزيزي المثقف ـ أعتبره إعلاما "فاشلا.". لأسباب مهنية ـ بوصفي صحفيا محترفا ـ ولأسباب تتعلق بدوره في تفكيك وإعادة تركيب منزلة مصر الإقليمية التي تراجعت كمركز لصناعة القرار السياسي والأمني والثقافي في المنطقة لصالح دول "الهامش" والتي ليس لها ذات الثقل الحضاري والإرث من الخبرات المتوفرة لدولة في حجم ووزن الإقليم القاعدة "مصر". 

لكن يبقى هذا الإعلام "الفاشل" و"الكاريكاتوري" من وجهة نظر المثقفين.. يبقى إعلاما "ناجحا" من وجهة نظر الأجهزة التي أُسند إليها إدارة المشهد الإعلامي بعد الإنهيار المؤقت لوهج ثورة يناير.

إعلاميو السلطة "الحاليون".. هم لا يزيدون عن خمسة ـ تقريبا ـ يعتقد المثقفون المصريون أنهم بلا "جماهيرية".. لأسباب تتعلق بالمحتوى الإعلامي الذي يقدمونه!! أي يعتقد المثقف أن "العوام" من المصريين في القرى والنجوع في الأطراف البعيدة وفي العشوائيات المهمشة، على ذات القدر من الثقافة والوعي الذي يؤهلهم على فرز هذا المحتوى وتقييمه مهنيا.. وهو الاعتقاد الذي يجعل المثقف المصري يراهن على الوعي الشعبوي المهمش كقوى ضغط على صُنّاع الإعلام وحملهم على تحسين جودته.

هذا غير صحيح بالمرة.. لقد اكتشفت بنفسي أن لهم جميعا "جماهيرية" لا يمكن تجاهلها حتي بين قطاع ليس بالقيل من المهن ذات الوجاهة الاجتماعية وغير المرتبطة بمصالح نفعية مع النظام السياسي الحالي من جهة.. ومع الكتلة الأكبر والمهمشة خارج العاصمة أيضا من جهة أخرى.

يعتقد زملاؤنا ـ أيضا ـ أن الإعلام الحالي "عشوائي" وأنه مثل "الخُبِّيزَة" نبات عشوائي ينبت بلا ترتيب ولا قصد في المساحات الرطبة.. هذا ـ أيضا ـ غير صحيح . المؤكد بالنسبة لي أن الإعلام الحالي مصنوع بعناية. ربما يكون بالنسبة لك ـ كمثقف ـ ظاهرة تثير الشفقة وربما ـ وأنت محق في ذلك ـ يثير الخجل.. ولكنه بالنسبة لصُنّاع الإعلام مهم ومدروس ومقصود أن يكون على هذا الحال "البائس" من وجهة نظرك أنت.. لأن المستهدف منه لا أنا ولا أنت "المثقفون".. وإنما الفائض الاجتماعي المهمش والمحروم من الخدمات: المهم أن هذا الهامش الذي يمثل الأغلبية في البلد "يصدق" ما يقال لهم كل مساء ثم يدمن هذا النوع من "المحتوي" بل ويدافع عن جودته وقدرته على عمل ترطيب لخشونة ما يكابده يوميا من مشقة في توفير لقمة الخبز.. أما أنت كأقلية "المثقف" فلست في دماغهم ولا يفكرون فيك من أصله.