خطاب العبادة والمكاسب.. الإسلام وفرنسا: تاريخ طويل ومأزوم

  أثار النقاش العام الفرنسي، الذي جرى حول الإسلام مؤخرًا، موجة من الجدل الدولي، وتدخل الرئيس إيمانويل ماكرون في لقائه مع قناة الجزيرة لتصحيح ما سماه "سوء الفهم" بشأن سياسته، متهمًا صحيفة فاينانشيال تايمز بـ"تحريف" تصريحاته. ويواجه غير الفرنسيين بالفعل بعض الصعوبة في فهم الطريقة التي يعرّف بها المفهوم الفرنسي للعلمانية علاقات الدولة مع مختلف الأديان، في دولةٍ يقل فيها مستوى التقيد بالشعائر الدينية وتنتشر فيها حالة العداء للدين، لكن من الصحيح أيضًا أن معظم الفرنسيين لا يدرك مدى عمق تاريخه مع الإسلام، راجعين به عادة إلى العقود الماضية عندما احتل الإسلام المرتبة الثانية في فرنسا، متجاوزًا البروتستانتية واليهودية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الرئيس ماكرون في استضافة شيخ الأزهر[/caption] الحقيقة هي أن الجمهورية الفرنسية كانت في عامها الخامس فقط عندما نزل نابليون بونابرت، جنرالها الأكثر موهبة، الإسكندرية مع قوات طليعته الاستكشافية. انطلقت هذه الحملة على مصر في الأول من يوليو/ تموز عام 1798، الموافق الثالث عشر من ميسيدور في العام السادس، بحسب التقويم الثوري، إذ كان من المفترض أن يفتتح تأسيس الجمهورية الفرنسية حقبة جديدة. عمَّم بونابرت منشورًا باللغة العربية، صوّر فيه نفسه على أنه صديق للسكان المحليين وحليفهم ضد المماليك، وهم الطبقة السياسية من الرقيق السابقين الذين حكموا مصر نيابة عن القسطنطينية، وقال في منشوره: "يا أيها المصريون: قد قيل لكم إنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم، فذلك كذب صريح فلا تصدقوه، وقولوا للمفترين إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من أيدي الظالمين وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى، وأحترم نبيه والقرآن العظيم". بعد هزيمة المماليك، استقر بونابرت في القاهرة، ونظم احتفالاً كبيرًا بمولد النبي محمد.. ومع ذلك، لم يمنع كل ما أظهره من التعظيم والاحترام للإسلام أن تقوم ضده انتفاضة شعبية في العاصمة ستُسحَق بلا رحمة في أكتوبر/ تشرين الأول 1798. وبعد 4 أشهر، تحرك الجنرال الطموح لغزو الشام، لكنه فشل في الاستيلاء على المعقل الإستراتيجي: عكا.. انسحب نابليون بقواته إلى مصر، وبعد الاحتفال الثاني بمولد النبي محمد، أبحر عائدًا إلى فرنسا. كان على خليفة بونابرت، الجنرال جان بابتيست كليبر، أن يخمد انتفاضة أخرى اندلعت في القاهرة قبل أن يُقتل في يونيو/ حزيران عام 1800 على يد ثائر مولود في حلب. [caption id="" align="aligncenter" width="714"] نابليون بونابرت[/caption] اعتنق الحاكم الجديد لمصر، الجنرال جاك فرانسوا مينو، الإسلام وتسمّى باسم "عبد الله"، ثم تزوج من امرأة مصرية من عائلة نبيلة، وتعهد الديوان العربي الذي ترأسه في القاهرة بأن "الفرنسيين والمصريين هم الآن شعب واحد تجمعه صداقة قوية وصادقة"، ولكن في شهر أغسطس/ آب عام 1801، هُزمت قوات "مينو" بهجوم منسق بين العثمانيين والبريطانيين. كانت تلك هي نهاية مغامرة الجمهوريين الفرنسيين في مصر.. سرعان ما سيلغي بونابرت، القنصل الأول لباريس، الجمهورية ليؤسس إمبراطوريته الشخصية تحت اسم نابليون الأول. وبينما استمرت الحملة الفرنسية على مصر 3 سنوات فقط، كان غزوها الجزائر في عام 1830 إيذانًا بفترة حكم فرنسية ستستمر 132 سنة. بدأت الحملة الاستعمارية قبل ثورة أخرى أسست لملكية يوليو/ تموز في باريس.. طرد الجيش الفرنسي في البداية الحاميات العثمانية، ثم شنّ حربًا شاملة أدت في نهاية المطاف إلى سحق المقاومة المحلية بقيادة الأمير عبد القادر في عام 1847. وعندما تأسست الجمهورية الفرنسية الثانية في فبراير/ شباط 1848 على أنقاض ملكية يوليو/ تموز، ضمت إليها الجزائر الفرنسية، وقسمتها إلى 3 مقاطعات -الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة- وأبقت على الأراضي الباقية كمنطقة عسكرية. صار لويس نابليون بونابرت، ابن شقيق نابليون الأول، إمبراطورًا للفرنسيين باسم نابليون الثالث في ديسمبر/ كانون الأول 1852، مستبدلاً بالجمهورية الثانية إمبراطوريته الثانية، وسيبدو أن حكمه الإمبراطوري أكثر حساسية، بالنسبة إلى محنة السكان المحليين من الجمهوريات التي سبقته وخلفته. في ذلك الوقت، كان الفرنسيون وغيرهم من الأوروبيين ينتقلون إلى الجزائر ويسيطرون بالقوة والإكراه ومساعدة السلطات الفرنسية على مساحات شاسعة من الأراضي والممتلكات العربية. وخلال زيارتيه إلى الجزائر، أبدى نابليون الثالث تحفظه على هذه السياسة وقرر كبحها لصالح السكان الأصليين. وفي 1860، تصور نابليون الثالث قيام "مملكة عربية" متحالفة مع الإمبراطورية الفرنسية، لكن الأمير عبد القادر، المنفي حينئذ، رفض الانضمام إلى هذا المشروع. وبعد 5 سنوات، أصدر نابليون الثالث مرسومًا يقضي بأن الجزائريين المحليين سيكونون رعايا فرنسيين، وظلت أحوالهم الشخصية قائمة على شرائعهم الدينية: الشريعة الإسلامية لمسلمي البلاد، البالغ عددهم 3 ملايين، والناموس اليهودي لليهود البالغ عددهم 30 ألفًا. [caption id="" align="aligncenter" width="900"] مقتل سليمان الحلبي[/caption] غضب المستوطنون في الجزائر من هذه الخطوة، ونظروا إليها على أنها انحياز لصالح السكان الأصليين في سياسة نابليون الثالث، واتهموا الجيش الفرنسي بحماية السكان المحليين من الاستعمار الاستيطاني، وهذا ما يفسر سبب قيام الجمهورية الثالثة، بمجرد أن حلت محل الإمبراطورية الثانية في سبتمبر/ أيلول 1870، بالعمل على محو إرثها الجزائري "الموالي" للسكان المحليين. نُقِلَت السلطة على الجزائر الفرنسية من وزارة الحرب إلى وزارة الداخلية، وصار اليهود الجزائريون مواطنين فرنسيين كاملي الأهلية، وظل المسلمون الجزائريون مجرد رعايا، ما أدى إلى حدوث انشقاق استقطابي في الشعب الجزائري بين "أوروبيين" -وهم من المستوطنين الأجانب واليهود المحليين- و"مسلمين". كانت هذه اللحظة محورية للغاية في تاريخ الجمهورية الفرنسية مع الإسلام، عند تمييز الشعب الجزائري بهوية دينية متشددة من أجل حرمانه من حقوقه، واشتدت هذه الديناميكية بعد انتفاضة 1871 ضد الحكم الفرنسي. وأدى القمع الدموي لهذه الانتفاضة إلى عملية واسعة من نزع ملكية الفلاحين المحليين، لصالح موجات جديدة من المستوطنين الإسبان والإيطاليين والمالطيين، الذين سرعان ما سيحصلون جميعًا على الجنسية الفرنسية. كانت الجمهورية الثالثة مصرة على فرض السيطرة على الشعب الجزائري وحرمان الأغلبية من حقوق المواطنة، لدرجة أنها سعت لتحقيق عكس المكاسب العلمانية التي تحققت في أماكن أخرى. ومنذ عام 1801، كانت العلاقة بين الجمهورية الفرنسية والكنيسة الكاثوليكية محكومة باتفاق مع البابا يُعرف باسم "اتفاق الكونكوردات"، لكن في عام 1905، تبنت فرنسا قانون الفصل بين الكنيسة والدولة، ما أدى فعليًّا إلى إنهاء الاتفاق المذكور، ومع ذلك، لم يُطبَّق هذا القانون حقًّا في الجزائر. في عام 1903، قررت محكمة الجزائر التي كانت تسيطر عليها فرنسا بالفعل أن الشخص المولود مسلمًا لا يحتاج إلى أن يكون شخصًا ملتزمًا حتى تصنفه الإدارة الفرنسية مسلمًا. كان هذا التخصيص الإثني-الديني للحالة الأهلية وسيلة فقط لحرمان الغالبية العظمى من الجزائريين من الحقوق التي يتمتع بها "الأوروبيون"، وبين عامي 1865 و1915، حصل أقل من 2400 "مسلم" -كثير منهم تحول إلى الكاثوليكية- على الجنسية الفرنسية. وفي عام 1907، عززت الإدارة الفرنسية في الجزائر فكرة الإسلام الرسمي، الذي يموله ويديره الفرنسيون، والذي سيؤدي إلى السيطرة على شبكة واسعة من المساجد والأئمة والمفتين والجمعيات الخيرية كأداة إستراتيجية للهيمنة. [caption id="" align="aligncenter" width="1920"] احتلال فرنسا الجزائر[/caption] ونظرًا إلى أن قانون الفصل لعام 1905 هو اللبنة التأسيسية للائكية الفرنسية، كما يُطلق على العلمانية الفرنسية تحديدًا، فمن المنطقي أن يكون الاستثناء الجزائري من هذا المبدأ الشهير قد أوجد سياسة مزدوجة المعايير: فبدلاً من حالة الحياد الذي كان من المفترض أن تسود العلاقة بين الجمهورية الفرنسية والمعتقدات الكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية، بقي اتفاق الكونكوردات قائمًا في الجزائر، مع تدخل الجمهورية الفرنسية يوميًّا في الشؤون الإسلامية. وفي عام 1936، قدمت الجبهة الشعبية اليسارية مقترحًا بمنح الحقوق المتساوية إلى 24000 "مسلم فرنسي"، لكن ضجة المستوطنين الأوروبيين في الجزائر أدانت هذه المبادرة. وفي عام 1944، منح الفرنسيون الأحرار حقوقًا متساوية لـ65000 شخص من 7.5 مليون "مسلم فرنسي"، لكن هذه المبادرة المحدودة، مقارنة بمليون "أوروبي"، كانت قليلة جدًّا ومتأخرة جدًّا من أجل عرقلة صعود القومية الجزائرية التي اندلعت في النهاية في ثورة التحرير في عام 1954. لم تنجُ الجمهورية الرابعة بعد الحرب العالمية الثانية من هذا الصراع الاستعماري، وبعد انقلاب الإدارة الفرنسية في الجزائر في عام 1958، استُبدِلت بها الجمهورية الخامسة، التي تفاوض مؤسسها ورئيسها الأول، شارل ديجول، على استقلال الجزائر عام 1962. كانت فرنسا قد تخلت بالفعل عن حمايتها على المغرب وتونس، في عام 1956، وصارت تركز وقتئذ على المتروبول الفرنسي، ومع ذلك، أدت الحاجة إلى قوى عاملة رخيصة للحفاظ على النمو الصناعي إلى هجرة جماعية من المغرب العربي إلى فرنسا، وبحلول عام 1968، انتقل بالفعل أكثر من 600000 شخص من قاطني شمال إفريقيا. في مواجهة ارتفاع معدلات البطالة في الداخل الفرنسي، في عام 1974، علّقت باريس الهجرة الاقتصادية من شمال إفريقيا، لكن برنامج "لم شمل العائلة" غيّر من طبيعة هؤلاء السكان، فقد وُلِد جيل ثانٍ من المواطنين الفرنسيين ونشأ في فرنسا. وفي مايو/ أيار 1981، بعد 25 عامًا من الحكومات اليمينية، انتُخِب الاشتراكي فرانسوا ميتيران رئيسًا، ما أدى إلى زيادة توقعات الناشطين من الجيل الثاني. [caption id="" align="aligncenter" width="855"] مظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي[/caption] أدت حوادث العنف العنصري ووحشية ممارسات الشرطة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1983 إلى إطلاق "مسيرة من أجل المساواة" مستوحاة من حركة الحقوق المدنية الأمريكية. وبعد شهرين، اجتمع 100000 شخص في باريس من أجل ما وُصِفَ بعد ذلك باسم Marche des Beurs Beur (كلمة Beur هي اللفظ الفرنسي الشهير المكافئ لكلمة عربي). استقبل ميتيران وفدًا من النشطاء الذين تضمنت مطالبهم الحق في التصويت في الانتخابات المحلية للمقيمين الأجانب، وهو اقتراح مدرج بالفعل في برنامج الحزب الاشتراكي، وجادلوا بأنه كلما زاد اشتغال الجيل الأول من المهاجرين بالحياة السياسية الفرنسية، كان اندماج الجيل الثاني الفرنسي أكثر سلاسة، لكن ميتيران، الذي كان حذرًا من المد المتصاعد لليمين المتطرف بقيادة جان ماري لوبان، علّق مطالب المسيرة، وقاد ذلك إلى وجود نمط مقلق، فقد أدت كل إيماءة تستهدف استرضاء اليمين المتطرف المتنامي إلى تسهيل زيادة شعبيته فحسب. في الانتخابات البرلمانية التي انعقدت في مارس/ آذار 1986، صار لوبان أحد أعضاء حزبه البالغ عددهم 35 نائبًا ممن دخلوا الجمعية الوطنية، واستهدفت دعايتهم المروعة التحذير من "الغزو الإسلامي" المتوهَّم لفرنسا، رغم وجود نحو 4 ملايين مسلم فقط من أصل 57 مليون نسمة في فرنسا. لا يزال الرقم الفعلي للسكان المسلمين موضوعا للجدل الفرنسي المحتدم. هنا مرة أخرى، تظهر أهمية التاريخ، فلا تزال فرنسا تحظر إجراء الإحصاءات على أساس العرق والدين، وهو من إرث المقاومة الفرنسية التي حاربت تعداد فيشي لليهود في أثناء الاحتلال النازي، ولكن ليس من شك في أن فرنسا تستضيف أكبر الجاليات الإسلامية واليهودية في أوروبا، حيث يُقدَّر عدد اليهود بنصف مليون شخص. ومنذ تحرير فرنسا عام 1944، كان للمجتمع اليهودي هيئة تمثيلية، وهي المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية الفرنسية، متميزة عن القيادة الدينية للمجمع اليهودي. حاولت وزارة الداخلية الترويج لقيادة دينية إسلامية مماثلة –على غرار المجمع اليهودي لا المجلس التمثيلي- من أجل الحصول على شريك مؤسسي لمعالجة القضايا الدينية الإسلامية. وتشمل هذه القضايا: الأطعمة الحلال، وتدريب الأئمة، وتنظيم الحج إلى مكة، ومقابر المسلمين، وغير ذلك، وصارت هذه الهيئة الجديدة تعرف باسم المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM). لكن تشكيل هيئة تمثيلية للمسلمين الفرنسيين سيثبت أنه أمر صعب، فالإسلام السني لا يعرف فكرة الهيراركية الدينية، كما أن الجالية المسلمة في فرنسا متنوعة للغاية، تعود أصولها إلى شمال إفريقيا وجنوب الصحراء والشرق الأوسط وتركيا وجنوب شرق آسيا، ولكل منها تقاليدها وحياتها المجتمعية، ومن شأن وجود هيئة موحدة تستهدف تمثيل جميع مسلمي فرنسا أن تواجه تحدياتٍ عدة. أُنشِئ أول مجلس تمثيلي للمسلمين في يونيو/ حزيران 2003 بعد انتخابات أشرفت عليها الإدارة الفرنسية، فقد كان كل مسجد يرسل مندوبين عنه حسب مساحته بالمتر المربع، ولم تجد اللائكية الفرنسية طريقة أفضل للتوفيق بين رفضها قبول الدوائر الانتخابية الدينية ومطالبتها بقدر ضئيل من التمثيل. كان نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية آنذاك، يأمل في أن تساعد هذه المأسسة الإسلامية في تحقيق طموحاته الرئاسية. أعيد انتخاب جاك شيراك، الرئيس ومنافس ساركوزي، في مايو/ أيار 2002 بنسبة 82% من الأصوات مقابل لوبان. وفي يوليو/ تموز 2003، فوّض شيراك، الحريص على كبح جماح ساركوزي، لجنة خاصة لـ"تطبيق مبدأ اللائكية في الجمهورية". [caption id="" align="aligncenter" width="1126"] نيكولا ساركوزي[/caption] بعد 5 أشهر، اقترحت هذه اللجنة أن يحل يوم الغفران وعيد الأضحى، أهم الأعياد اليهودية والإسلامية على التوالي، محل عطلتين مسيحيتين في التقويم الجمهوري الفرنسي، كما تضمنت قائمة المقترحات الطويلة إدراج تعليم اللغة العربية والعقائد الدينية في التعليم الوطني، لكن شيراك قرر تنفيذ مقترح واحد فقط من تلك المقترحات العديدة بصياغة قانون يحظر الرموز الدينية في المدارس العامة. ورغم ذكر غطاء الرأس اليهودي "الكيبا" وعمامة السيخ والصلبان الكبيرة، فإن هذا القانون، الصادر في مارس/ آذار 2004، استهدف الحجاب الإسلامي بوضوح. لقد اختار الرئيس الفرنسي مثل هذا الخط المتشدد لتهميش ساركوزي بوصفه "متسامحًا" للغاية مع الإسلام. وبعد مرور عام على ارتفاع شعبية شيراك بنحو غير مسبوق في العالم الإسلامي، بسبب معارضته الغزو الأمريكي للعراق، أثار "قانون الحجاب" انتقادات واسعة النطاق لفرنسا في تلك البلدان الإسلامية ذاتها. ورغم أن الجدل حول الإسلام كان أقل حدة مما هو عليه الآن، فإن ديالكتيك المواجهة بقي كما هو، وأصبح ساركوزي رئيسًا في عام 2007، وجاء بعده فرانسوا هولاند في عام 2012، وإيمانويل ماكرون في عام 2017 بعد فوزه على مارين لوبان، ابنة جان ماري، بنسبة 66% فقط من الأصوات. ولم يستفد التقدم المستمر لليمين المتطرف، والانتشار الواسع لخطابه المعادي للإسلام، إلا من موجات الإرهاب الجهادي التي ضربت فرنسا بنحو متكرر منذ عام 2015. والمفارقة أنه في كل أزمة حدثت في الآونة الأخيرة، بينما كانت تثير نقاشات جديدة عاصفة حول الإسلام و"راديكاليته"، كانت توضح أيضًا مدى عمق اندماج المسلمين الفرنسيين في البلد الذي ولد فيه الغالبية العظمى منهم الآن. على سبيل المثال، قدم مجموعة من المفكرين المسلمين مؤخرًا طرحهم الجمهورية الخاص: "إن السماح لكل شخص أن يكون مسؤولاً عن مصيره، وفي الوقت ذاته يندمج في بوتقة الجمهورية، يمثل في نظرنا كل الجمال والصعوبة في النموذج الفرنسي، ولا يتعارض بأي حال من الأحوال مع المعتقدات الخاصة لكل شخص"، وأصر هؤلاء المفكرون المسلمون على نشر نصوصهم باللغة الإنجليزية أيضًا حتى تُسمع أصواتهم في الخارج أيضًا.