"Mosul" و"الرواية الأخرى": معركة "درامية" بينNetflix وتنظيم داعش

  معركة درامية، أدواتها الصوت والصور وأداء الممثلين والإسكريبت. طرفا المعركة: أمريكا (عبر فيلم هوليوودي على منصة نتفليكس)، وتنظيم داعش (عبر إصدارين مرئيين على نتفلكس الجهاديين!). الجدل الواسع كان من نصيب الساحة العراقية التي انشغلت الأيام الماضية بضخ ردود فعل حول فيلمي ""Mosul"، و"الموصل.. الرواية الأخرى". في البداية، بثت منصة "نتفليكس" الأمريكية فيلمًا سينمائيًا على الطريقة الهوليودية عن معركة استرداد مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (أكتوبر/ تشرين الأول 2016: يونيو/ حزيران 2017) والتي يمكن اعتبارها المعركة الأطول في التاريخ العسكري الحديث. [caption id="" align="aligncenter" width="905"] إصدار مناصري داعش.. الموصل الراوية الأخرى[/caption] على مدار 102 دقيقة هي مدة الفيلم الأمريكي، عرضت "نتفليكس" ما قالت إنه بطولة إحدى وحدات "سوات" نينوى العراقية خلال معركة الموصل، وسط ضجيج أصوات القذائف وهدير الطائرات وضرام الغارات، لكن الطرف الآخر الذي كان متخندقًا في صف الأعداء (ونعني به تنظيم الدولة الإسلامية) كانت له رواية أخرى. فخلال ساعات معدودة من بث الفيلم عبر شبكة "نتفليكس"، بث أنصار تنظيم "داعش" إصدارين مرئيين بعنوان: "معركة الموصل" و"الموصل.. الرواية الأخرى" الذي للمفارقة جاء مصحوبًا بشعار "نتفليكس" لكنها لم تكن الشبكة الأمريكية بل "نتفليكس الجهاديين".

الجهاديون قلبوا الطاولة؟

وفي حين كانت سهام النقد توجه من كل جانب رسمي/ غير رسمي لفيلم "الموصل"، نجح الجهاديون في كسب الزخم وتقديم صورة شاملة للمعركة غابت بالأساس عن الفيلم الهوليوودي، ليستفيدوا من الضجة التي أُثيرت في الإعلام على شرف إنتاج "نتفليكس"، ويضيفوا إلى رصيدهم الإعلامي إصدارين جديدين بجانب 13 إصدارًا قديمًا بثها ديوان الإعلام المركزي (الذراع الدعائي لتنظيم داعش) من قلب المعركة، وعشرات التقارير المرئية التي وثقت الاشتباكات والمعارك يومًا بيوم. [caption id="" align="aligncenter" width="865"] فيلم الموصل[/caption] للوهلة الأولى لا تبدو مشاركات "أنصار داعش" الإعلامية أمرًا مستغربًا، فمنذ بزوغ فجر الظاهرة الجهادية، دأب أنصارها على التفاعل معها والترويج لها عبر كل وسيلة ممكنة بدءًا بالمنتديات ومرورًا بالمدونات ثم الشبكات الإعلامية غير الرسمية والمؤسسات المناصرة المتخصصة في الإنتاج الإعلامي، غير أن فيلم "الموصل" أتى ليعيد تسليط الضوء على مجتمع مناصري داعش والذين باتوا يُعرفون بـ"جنود الخلافة الافتراضية". فمع الأيام الأخيرة لمعركة قرية الباغوز فوقاني السورية (مارس 2019)، بدأ السياسيون والعسكريون والخبراء من مختلف الجنسيات، الحديث عن "ما بعد داعش"، في حين كان صوت خافت تحت الرماد ينادي أن "داعش باقية وتتمدد" رغم هزيمتها العسكرية وخسرتها الأرضية. لقد كان هذا الصوت أكثر من مجرد صيحة أطلقها أنصار تنظيم انهارت خلافته المكانية، وفقد آخر معاقل سيطرته، بل كان دليلا على أن المعركة لم تنتهِ بعد، فخلافة داعش  انتقلت إلى خلافة افتراضية تنشط عبر شبكة الانترنت العنكبوتية عبر شبكات معقدة من الأعضاء التنظيمين والأنصار الجهاديين، بجانب وجود خلايا ومفارز أمنية يبلغ تعداد مقاتليها بضعة آلاف داخل سوريا والعراق وخراسان وإفريقيا وغيرها. [caption id="" align="aligncenter" width="700"] فيلم الموصل[/caption] ولاحقًا، تحاول الخلافة الافتراضية إثبات قدرتها على الصمود والبقاء رغم حملات تعقب الإرهاب الإلكتروني العديدة التي شنتها منصات التواصل الاجتماعي المختلفة (فيس بوك، وتويتر، وتيليجرام..)، ورغم تلقيها ضربات قوية قضت على شبكات فاعلة عديدة لها، يحاول الجهاديون المناصرون التأقلم والتكيف مع الأوضاع الجديدة بل واكتساب خبرة التخفي والخداع للمنصات التقنية الكبرى التي أصبحت تجاهد هي الأخرى لإزالة المحتوى الذي يبثه هؤلاء. إلى ذلك، يسعى أنصار داعش إلى تصدير أنهم يتقدمون بخطوة على منافسيهم، فعلى سبيل المثال نجحت قناة "حرب وإعلام" في إعداد إصدار وثائقي سريع باسم "معركة الموصل" وخرج هذا الإصدار بجودة عالية وبتعليق صوتي رخيم، يُذكر بالمحتوى الذي كان يبثه ديوان الإعلام المركزي في أوج قوة التنظيم وانتشاره. وفي مقابل حملات المكافحة الإلكترونية، بثت مؤسسة "آفاق الإلكترونية" دورات وشروحات عن الأمن التقني والإلكتروني وتعليم الاختراق والهاكرز ليتمكن أنصار التنظيم من شن هجمات إلكترونية ضد خصومهم، كما دأبت المؤسسة الداعشية على إصدار مجلة دورية معنية بالأمن الإلكتروني لمن تصفهم بـ"أنصار المجاهدين". [caption id="" align="aligncenter" width="1264"] لقطة من إصدار أنصار داعش عن معركة الموصل[/caption]

نشاط داعش على مواقع التواصل

وفضلاً عما تقدم، ينشط الآلاف من مناصري "داعش" عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وما إن يُحذف لهم حساب/ صفحة حتى يعودوا من جديد، وسط حملات تضامنية من أنصار داعش لنشر حسابات العائدين من الحذف، وتُستثمر تلك الحسابات في نشر أخبار داعش اليومية وصحيفته الأسبوعية "النبأ" وإصدراته الصوتية والمرئية، والتوجيهات والنصائح الأمنية والعسكرية لشن الهجمات الإرهابية. ولا يترك "أنصار داعش" فرصة مواتية إلا واستغلوها لنشر أفكارهم المتطرفة، فعبر كل هاشتاج/ وسم نشط على موقعي "فيس بوك" و"تويتر"، تُنشر تغريدات وتدوينات مؤيدة للتنظيم، ويُعاد نشر بيانات وكالة أعماق (الذراع الإخبارية للتنظيم)، ورفع الإصدارات المرئية تمامًا كما حدث مع إصداري "الموصل" الأخيرين. في هذا السياق يرى مراقبون أن نهاية الحرب الطويلة على الإرهاب عبر الشبكة العنكبوتية لا تلوح في الأفق، تمامًا، كما هي على جبهات القتال الأخرى، وهو ما يضيف تحديات إضافية أمام الأجهزة والجهات التي تخوض تلك الحرب، ويعقد من مهمتها في مواجهة عدو غير نمطي يعتبر أن معركته مستمرة إلى قيام الساعة، ولا تتأثر بخسارته معاقل سيطرته أو قتل قادته، لأن كل هذا ليس في إطار إستراتيجية شاملة لتحييد التهديد الإرهابي وتفكيك أفكاره المؤسسة التي تمثل الوقود الحيوي لاستمرار تنظيمات وجماعات الإسلام السياسي المختلفة. [caption id="" align="aligncenter" width="2000"] جنود في الموصل[/caption] تفاصيل المعركة التي دارت داخل/ وحول شريط نتفليكس، وإصداري "داعش"، لا تكشف إلا عن جزء يسير من طبيعة التنظيمات الجهادية عمومًا وطبيعة تنظيم "داعش" خصوصًا، وهو تنظيم استفاد وسيستفيد من حالات الطائفية والاستقطاب وفوضى السلاح وتعدد الولاءات داخل الدولة الواحدة، بجانب عوامل أخرى عقيدية وأيديولوجية أسهمت في بروزه كفاعل أساسي على الساحة الإقليمية والعالمية من خلفها، وساهمت في تطور قدراته وخبراته. لقد وظف مقاتلو داعش خبرتهم في معركة الموصل، وسخروا مقدراتهم الإعلامية في التأكيد على أنهم لم يُهزموا حتى بعد انتهاء المعركة لغير صالحهم، ويبدو أنهم نجحوا جزئيًّا في تسويق هذه السردية الدعائية التي استفادت من فشل الدولة العراقية في التخلص من آثار إرهاب التنظيم، والذي تبعه انسياق جهات أخرى كشبكة "نتفليكس" عن قصد أو غير قصد لترويج فكرة "الإرهاب المضاد" الذي تمارسه قوات حكومية مارقة كأنه السبيل الوحيد للقضاء على داعش. [caption id="" align="aligncenter" width="1500"] الخلافة الافتراضية- تعبيرية[/caption] في النهاية، يبدو أن الفيلم الأمريكي الأخير، لم يخدم سوى أهداف "داعش"، كما منح أنصاره فرصة أخرى ليعيدوا تسويق سرديتهم لمعركة الموصل الفاصلة في تاريخ "خلافتهم المكانية"!