في قتاله ضد "داعش": ظهرُ "القاعدة" تحميه "أوباري – نامبالا"

  في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قرر الجيش الليبي الدفع بتعزيزات إلى الجنوب من لواء طارق بن زياد والكتيبة 116، للسيطرة على اشتباكات أهلية وقعت بين عائلتين من قبيلة القذاذفة في مدينة سبها، وكان الغرض الأول لنزول الجيش هو التعامل مع بلاغات التي وصلت إلى غرفة عمليات الجنوب، حول رصد تحركات مقاتلي ميليشيا "علي كنه"، التابعة لحكومة الوفاق في مدينة أوباري. وحتى لا يترك الجيش مجالاً للصدف، دفع بقواته الخاصة إلى منطقة البلاغات، وداهمت عناصره البيت الذي احتمى فيه مقاتلون فجر السبت 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ليجدوا هناك صيدهم الثمين. لم تكن الخلية تابعة لـ"الوفاق"، وإنما ضمت 7 أفراد من المباعين لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، عثر بحوزتهم على كميات كبيرة من الذخائر للأسلحة الآلية المتوسطة والخفيفة، وصواريخ جراد، ومضادات للمركبات المدرعة وذخائرها. [caption id="" align="aligncenter" width="1010"] داعش في ليبيا- أرشيف[/caption] وتبين أن غالبية المقبوض عليهم تحمل الجنسية الجزائرية، حسب مصادر مطلعة على التحقيقات، كشفت أن بين المقبوض عليهم إرهابيين بارزين هما عمر موسى الشيخ، واسم الشهرة "عمر آدواش"، وحسن واشي، وقد قدِما مؤخرًا إلى ليبيا بعدما أوصلا قافلة من الأسلحة والذخائر إلى تنظيم القاعدة في مالي. في سياق متصل، سجل مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2020، تراجعًا ملحوظًا في نشاط "القاعدة" خلال السنوات الخمس، بالمقارنة مع غريمه "داعش" الذي استهدف الجيش الليبي  في أكثر من عملية خلال العامين الأخيرين. ويستمر تنظيم القاعدة مع الجماعات المتطرفة الأخرى في إلحاق الضرر بدول الساحل والصحراء، كما يظهر المؤشر الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الأسترالي، بالتعاون مع الاتحاد الأمريكي لدراسة الإرهاب في جماعة ماريلاند. ويرى محللون أن التنظيم يتفادى فتح جبهة أخرى عليه في ليبيا، إضافة إلى خطوط القتال المشتعلة مع القوات الحكومية المدعومة فرنسيا في النيجر ومالي وحتى بوركينا فاسو، ويُبقي ليبيا كمصدر لتوريد السلاح والذخائر إلى عناصره، الذين ينتقلون في رحلة شاقة من "أوباري" الليبية وحتى "ماسينا ونامبالا" الماليتين، مرورًا بالنيجر. [caption id="" align="aligncenter" width="345"] هويات إرهابي تم القبض عليه[/caption]

الحرب مع "داعش" بإيعاز "الشنقيطي"

تلك الرؤية، وفق محللين، مسؤول عنها القيادي الموريتاني في تنظيم القاعدة قتيبة أبوالنعمان الشنقيطي، وهو على دراية جيدة بدروب التهريب والقبائل في المنطقة الممتدة من ليبيا إلى مالي، حيث اكتسب تلك الخبرة عندما رافق أمير كتيبة الملثمين في تنظيم وقتها "المختار بلمختار" إلى ليبيا، وهناك شكلوا ما يعرف بتنظيم "المرابطون" في العام 2014، بالتزامن مع إعلان تنظيم "داعش" خلافته المزعومة. كان "الشنقيطي" من أشد الداعين لمقاتلة التنظيم الوليد،  فكان الجنوب الليبي ساحة لتلك المواجهات بين الطرفين، واستمر الأمر على هذا المنوال حتى اضطر صقور "القاعدة" إلى المغادرة، مع ازدياد الضربات التي تنفذها القوات الأمريكية والفرنسية. [caption id="" align="aligncenter" width="345"] هوية أحد الإرهابيين[/caption] عناصره "شقّت" الصف، وفق متابعين، لكن زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في حينها عبد المالك دروكال، تجنب خوض تلك المعركة في مالي، واستمر في مواجهة القوات الحكومية المدعومة فرنسيا، مع الاكتفاء بدفع عناصر "داعش" عن أماكن نفوذ "القاعدة"، حتى قُتل في غارة فرنسية في يونيو/ حزيران الماضي. ومع وفاة دروكال، عاد "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي  للتخبط والتشرذم الذي كان فيه خلال السنين ما قبل العام 2011، لحين إعلان اختيار الجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي أميرًا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الذي وجد فيه الشنقيطي آذانًا مُصغية لرأيه الداعي لمحاربة "داعش"، ليبدأ القتال على جميع الخطوط. وسُجلت على مدار الأيام الماضية مواجهات بين المتحاربين على خارطة 3 دول هي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث أعلن أمير "داعش" في منطقة الصحراء أبي الوليد الصحراوي مقتل 76 من عناصر "القاعدة" خلال الأيام الماضية. طريق الملح والذهب وقال الباحث في الشؤون الإفريقية عمرو حسين إنه يوجد الكثير من طرق التهريب التي يسلكها الإرهابيون في منطقة الساحل والصحراء، دائمًا ما تكون مالي في القلب منها، لأن غالبية أراضيها صحراوية، وأبرزها الطريق المعروف تاريخيًّا بـ"طريق الملح والذهب"، حين كانت في مالي دولة إسلامية بارزة عاصمتها "تيمبكتو"، تتاجر مع جوارها من الدول، فتجلب الذهب من غانا، ثم تبيعه إلى دول المغرب العربي في مقابل الملح. [caption id="" align="aligncenter" width="568"] ذخائر كانت بحوزة الخلية[/caption] ويضيف، في تصريحه إلى "ذات مصر"، أن وسائل النقل القديمة كانت الجمال، ولا تزال تستخدم حتى الآن، ولكن ليس لنقل الذهب والملح، وإنما لنقل الأسلحة والذخائر، وهذا للاعتماد عليها في ظل بيئة قاسية، كما يستحيل رصدها تكنولوجيًّا بالمقارنة باستخدام المركبات الآلية. ولتمويل نشاطه -والحديث لـ"حسين"- يتورط تنيظم القاعدة في كل أنواع الأنشطة الإجرامية، ومنها تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة والهجرة غير الشرعية، موضحًا أنه بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا ازدهرت تلك الأنشطة بقدر كبير للغاية، وتستمر بنفس الوتيرة إلى الآن. وعن الصراعات التي يخوضها "القاعدة" في مالي، فإنه يمكن القول بأن المشهد هناك لا يقل تعقيدًا عن الوضع في ليبيا، فيوضح الباحث في الشؤون الإفريقية أنه "قبل سنوات، تحالف التنظيم مع مجموعات من الطوارق وشكلا ما يعرف بـ(حركة تحرير أزواد) التي تسعى للانفصال بشمال مالي، وتمكنا معا من دحر القوات الحكومية المدعومة فرنسيًّا، حتى وصلت عناصرهما إلى العاصمة". لكن فرنسا ألقت بثقلها لتدفع بنحو 50 ألفًا لمواجهة نشاط التنظيمات الإرهابية في دول الساحل والصحراء، كما يشرح "حسين"، حيث أسست باريس قاعدتها العسكرية الرئيسة في تشاد، ومن هناك تدير المواجهات مع "داعش" و"القاعدة"، وبالفعل نجحت في قلب الطاولة على "القاعدة" وحلفائه من الطوارق. ثم بدأت سلسلة جديدة من النزاعات، حيث دارت اشتباكات دامية بين "القاعدة" والطوارق لفرض السيطرة على شمال مالي، سميت بـ"الحروب اللغوية"، حيث تنازع الأطراف لفرض سيادة لغاتهم :"العربية أو الأمازيغية وحتى الفرنسية".

فرنسا في اللعبة

وأضاف أن فرنسا تظل العدو الأول لـ"القاعدة" في تلك المنطقة، حيث أطلقت باريس عملية "بارخان" في العام 2017، ثم "سيرفال" في العام 2019، لكن هذا لم يمنع حدوث صفقات تبادل أسرى بين الطرفين، آخرها كان في مالي، حين أفرج بمقتضاها عن سياسي مالي بارز مقابل إطلاق 200 من عناصر "القاعدة"، إضافة إلى دفع فدية قدرها 30 مليون يورو. [caption id="" align="aligncenter" width="1069"] ذخائر كانت بحوزة الخلية الإرهابية[/caption] ويرى المحلل السياسي أشرف مليك، أن الجيش الليبي نفذ ضربة وقائية حمت دول الجوار ومن بينها مصر، من خطر تمدد نشاط تنظيم القاعدة، خصوصا وأنهم لم يتخلوا عن مخططاتهم القديمة لاستهداف دول الشمال الإفريقي. ومن أهم مكاسب تلك العملية سقوط الإرهابي عمر الواشي، الذي يرى مليك أنه مَن قاد عملية تهريب الأسلحة من ليبيا إلى مالي. وبالنسبة إلى المحلل السياسي والصحفي الليبي محمود المصراتي، فإن مخطط "القاعدة" الرئيس هو السيطرة على مناطق بدول تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا، مرجحًا أن التنظيم لن يتوغل أكثر في القارة الإفريقية إلا إذا كان مُطارَدًا. وحذر المصراتي من النشاط المطرد للتنظيم في المثلث الحدودي الذي يربط ليبيا والنيجر والجزائر وصولاً إلى مالي، مُحمِّلا تركيا وقطر المسؤولية عن انتشار خلايا تنظيم القاعدة في الجنوب الليبي، بالإضافة إلى غياب السلطة الوطنية في العاصمة طرابلس.

التمسك بـ"المغرب الإسلامي"

المحلل السياسي والمختص في الشأن الليبي عبد الستار حتيتة، يرى أن تنظيم القاعدة، وعلى عكس بقاع أخرى حول العالم، لا يزال متماسكًا في المغرب العربي، ويملك القوة الكافية التي تمكنه من العمل والحركة. وطوال الأعوام الستة الماضية، بدا "داعش" منتصرًا في ميادين القتال أمام "القاعدة" في عدة دول، والمثال على ذلك ما جرى في العراق وسوريا خلال تلك المدة، والحديث لـ"حتيتة" الذي يضيف أن "القاعدة" تراهن على قدرتها على التماسك في دول مثل الجزائر ومالي والنيجر وغيرها، بالإضافة إلى ليبيا بطبيعة الحال. ويختتم كلامه: "خير مثال على أن التنظيم لا يزال باقيًا بقوة، هو استمرار نشاط الإرهابي القاعدي الجزائري مختار بلمختار، الملقب بالأعور، فهذا الرجل لا يزال مخلصًا في تأييده لزعيم التنظيم أيمن الظواهري، المختبئ في باكستان، وبلمختار لديه كذلك القدرة على تنشيط تنظيم القاعدة مرة أخرى رغم الضربات التي تعرض لها سواء أكان من الفرنسيين أم من الجيش الليبي، أم حتى من قوات الأمن في دول أخرى مثل مالي والجزائر والمغرب".