هاربون أو معتقلون: الركض وراء ذئاب "البشير" في السودان

ذات مصر
  ضاع كل شيء من بين يديه: الرقصات المُفتعلة فوق السجاد الأحمر، العصا الشهيرة التي كان يلوّح بها لاستدرار ولاء الجماهير المشحونة في عربات نقل. الهتافات المُعلبة التي كانت تخرج بين الحين والآخر في احتفالات ومؤتمرات سابقة التخزين في ثلاجة حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقتها. خرجت الاحتجاجات الشعبية وكَنَسَت كل شيء. الآن، يقبع عمر البشير وحيدًا في محبسه ويندم! تُرى، ما مصير فلول حزبه الحاكم؟ زمنيًّا، كان كان آخر حضور رسمي وحزبي لأعضاء حزب البشير الحاكم، في نوفمبر/ تشرين الثاني العام قبل الماضي، في المؤتمر التاسع، قبل أسابيع معدودة من اندلاع الاحتجاجات الشعبية، حين أعلن مؤيدوه تأييد ترشيح البشير لمنصب رئاسة الجمهورية لدورة أخرى في انتخابات 2020، داعين لتعديل الدستور لتمكينه من الاستمرار في ولاية خامسة تُضاف إلى سنوات الحُكم السابقة، لكن أطاحت احتجاجات شعبية بنظام حُكم الرئيس السوداني المعزول عُمر البشير، العام قبل الماضي، بعد 3 عقود أدخل بلاده خلالها في أزمات داخلية وخارجية، وقصر الوظائف العليا على أعضاء حزبه الحاكم. ولقد تغيرت أحوال الموالين لنظام البشير، عقب الإطاحة به، خصوصًا مع تحركات السلطة الجديدة لمحاولة عزل غالبيتهم من مناصبهم، ومطاردة الآخرين الذين فروا إلى خارج البلاد، خشية سجنهم. [caption id="attachment_116878" align="aligncenter" width="762"] البشير[/caption] يحاول التقرير التالي التعرف علي مصائر الموالين لنظام البشير، سواء أكانوا من أبرز رموز نظام حكمه ممن شغلوا مناصب نافذة، أو كأعضاء لحزبه الحاكم آنذاك ممن تتباين خلفيتهم المادية والاجتماعية.

بين الهروب أو الاعتقال

تباينت مصائر الموالين لنظام الرئيس المعزول عُمر البشير، عقب الإطاحة بحكمه، بين الهروب خارج السودان، أو سجنهم بتهم فساد مالي وسياسي، وبقي العدد الأكبر منهم حرًّا، دون التعرض لهم سواء أكان بالاعتقال أم بالإطاحة بهم من مناصبهم. وأبرز القادة الذي صدرَ بحقهم قرارات اعتقالات هم الأمين العام لـ”الحركة الإسلامية” الزبير أحمد حسن، وجمال الوالي، القيادي بحزب المؤتمر، وأحد الداعمين ماليًّا للحركة، وعلى عثمان طه، النائب الأول الأسبق للبشير إلى جانب أعضاء آخريين أفرجت عن بعضهم السلطات السودانية. وتصدرت تركيا قائمة الدول التي انتقل إليها أبرز رموز نظام حُكم البشير، التي تحولت لحاضنة جديدة لثرواتهم واستثماراتهم، بسبب العلاقات الجيدة التي تمتع بها قادة النظام السابق مع الحكومة التركية، والتسهيلات التي قدمتها الأخيرة لهم ولأسرهم. وضمت قائمة أبرز الأسماء التي انتقلت لتركيا شقيق البشير العباس، الذي فرَّ لتركيا مع أسرته وعدد من أقاربه، بعدما وردت أسماؤهم في قضايا فساد مالي، وكذلك معتز موسى آخر رئيس وزراء في حكومة البشير، الذي كان إلى جانب منصب رئيس الوزراء يشغل منصب وزير المالية وتربطه صلة قرابة مع البشير،  كما كان عطا المولى، أحد الشخصيات النافذة في وزارة الخارجية السودانية، وسفير الخرطوم السابق لدى واشنطن، أبرز الوجوه الدبلوماسية التي غادرت إلى تركيا. [caption id="attachment_116879" align="aligncenter" width="1079"] الحركة الإسلامية السودانية[/caption]
واحتضنت دول عربية آخرى قادة سابقين في نظام البشير، شغلوا مناصب رفيعة على رأس أجهزته الأمنية، عبر توظيف علاقاتهم السابقة مع حُكام هذه الدولة التي قدمت تسهيلات لهم ولأسرهم في ظل إدراك هذه الحكومات لنفوذ هذه الأفراد، وإمساكهم بأوراق مؤثرة في معادلة الحكم حتى وهم بعيدون عن بلادهم.

محاولات استعادة السلطة لاتتوقف

لم تتوقف محاولات الموالين لنظام الرئيس المعزول عُمر البشير للعودة للسلطة، عبر التخطيط لتدبير “انقلاب عسكري” يعيدهم للسلطة مرة أخرى، منذ الإطاحة بحكم حزب المؤتمر الحاكم. وكانت آخر هذه المحاولات تدبير محاولة انقلاب في شهر إبريل/ نيسان الفائت، بتحركات مكثفة قام بها عناصر من النظام المعزول، تهدف للقيام بانقلاب عسكري، غير أن الحكومة الجديد استبقت هذه المحاولة بسلسلة اعتقالات واسعة طالت بعض منفذي هذه المحاولة، من الموالين للبشير. وشملت محاولات استعادة فلول البشير للنفوذ المفقود بعض تحركات لأعضاء منتمين لحزب البشير الحاكم لإثارة القلاقل في بعض الولايات الحدودية كولاية شرق دارفور، التي أظهرت التحقيقات أدوار بعض الموالين للنظام السابق في تأجيج الفتن والصراع القبلي الذي شهدته الولاية الشهور الماضية، وأدى لشل مقدراتها وتماسكها الاجتماعي. وكانت المحاولة الأبرز للشخصيات والجهات المحسوبة على نظام الرئيس السابق عُمر البشير للانقضاض على السلطة الجديد ومحاولة تقويض شرعيتها، في بداية العام الحالي، حين دعموا تمرد عاملين سابقين في وحدة العمليات بجهاز المخابرات العامة، والتي يُقدر عددها بنحو 16 ألف عامل، ضد نظام الحكم الجديد. [caption id="attachment_116880" align="aligncenter" width="1000"] الجيش السوداني[/caption]
وكانت الرسالة التي حاول قادة النظام السابق والموالون للبشير إيصالها عبر هذه التحركات المناوئة هو أنهم لا يزالون يمسكون بمقابض السلطة، وقادرون على إدخال البلاد في “دوامة من العنف”، حال عدم إشراكهم في منظومة الحكم الجديدة.

منبوذون

من جانبه، قال عبدالفتاح عرمان، الباحث السوداني، في تصريحات خاصة لـ”ذات مصر” إن الفلول منبوذون في المجتمع، ولا وجود للتنظيم او الحزب الحاكم (فص ملح وداب) كشأن كل الحكومات الديكتاتورية التي تقتات أحزابها على الدولة، وعند سقوط الحكومة لا تجد لها أثرًا. يتشابه وضع حزب البشير الحاكم وأحوال أوضاعه مع تجارب الأحزاب السابقة التي ارتبطت بالسلطة في السودان مثل الاتحاد الاشتراكي، والحزب الحاكم أيام الديكتاتور الراحل المشير جعفر نميري، عند سقوط نظامه عبر ثورة شعبية في إبريل/ نيسان 1985، إذ اختفي الحزب مع سقوط النظام لأنه حزب هلامي وغير متجذر في المجتمع، وفقًا لعرمان. وبلغ عدد أعضاء حزب المؤتمر الحاكم، الذي ترأسه البشير، نحو 4 آلاف عضو: ألفان منهم قادمون من الولايات، والبقية تمثيل للقطاعات المهنية والطوعية والفئوية، و10% منهم استكمال على حسب لوائح الحركة، بحسب تصريح سابق لزبير أحمد الحسين، الأمين العام السابق للحركة الإسلامية. وأضاف عرمان أن الحركة الإسلاموية لديها وجود وسط المجتمع ولكن بعد التنكيل بالمعارضين والفساد لمدة 3 عقود ذهب ريحها وانفض سامرها لأن المواطنين عرفوا حقيقتها جيدًا كحزب فاشي وفاسد لا علاقة له بالإسلام. [caption id="attachment_116881" align="aligncenter" width="651"] عبدالفتاح عرمان[/caption]

مستقل حزب البشير

حكم البشير السودان 30 عامًا ممثِّلاً لحزب المؤتمر الحاكم، الذراع السياسية للحركة الإسلامية، والتي يتوزع غالبية أفرادها في مناصب هامة في القضاء والجيش والشرطة. وأقرت السلطات الانتقالية في السودان، نهاية العام الماضي، قانونًا لحل الحزب الحاكم السابق، ومصادرة أمواله وممتلكاته، في حين مارَس أعضاء الحزب أدوارهم غير عابئين بهذه القوانين التي حاولت إقصائهم من الحياة السياسية، عبر الاندماج في كيانات سياسية جديدة. من جانبه، قال خالد التيجاني، الناشط السابق في الجبهة القومية الإسلامية، والباحث السياسي، في تصريحات لـ”ذات مصر” إن نظام الإسلام السياسي كتيار هو من يتحمل المسؤولية التي انتهى إليها نظام البشير، موضحًا أن حُكم هذا التيار مُمثَّلاً في البشير طيلة العقود الماضية أوصلها إلى نهاية دورتها التاريخي، في صورة شبيهة بالكائن الحي الذي يمُر بفترة ميلاد تليها فترة صِبا، تنتهي بالموت! وأضاف “التيجاني” أن التعامل مع هذا الكيان “بمنطق أمني” أدى إلى نتائج عكسية، وجعل أفرادًا منه يعودون في هيئة كيانات جديدة، تستخدم نفس أدوات الحزب القديمة، ويدخل معركة وجود مع الجميع، مطالبًا بضمانات تتعلق بالديمقراطية والحُكم الرشيد والعدالة لجميع الفاعلين السياسين حتى لو كانوا من داخل “الحركة الإسلامية”. وهذه الضمانات، بحسب رأيه، لا تزال غائبة حتى اﻵن، وهو ما يدفع التيجاني إلى التحذير من أن القوى السياسية القديمة هي التي تحاول جر البلاد للخلف بافتعال معارك وهمية كمعركة الدفاع عن الشريعة الإسلامية. ويُشير إلى أن قطاعًا كبيرًا داخل “الحركة الإسلامية” لم يكن منتميًا إليها تنظيميًّا، بقدر ما كان هذا الانتماء وسيلة حماية لهم من بطش النظام الحاكم. ولهذا، يرى التيجاني أن التعامل مع الحركة الإسلامية ككيان واحد “خطأ كبير”، وأنها في طريقها لحل نفسها آليًّا، وسيندمج القطاع الأكبر في كيانات سياسية جديدة.