هشام النجار يكتب: فض رابعة 14 أغسطس 2013م .. قفزة الجهاديين وكبوة الإخوان

ذات مصر

هشام النجار يكتب: فض رابعة 14 أغسطس 2013م .. قفزة الجهاديين وكبوة الإخوان 

عندما سألني محرر بإحدى الصحف عام 2015م في مثل هذه الأيام لفائدة تقرير يكتبه عن ذكرى فض إعتصام جماعة الإخوان وحلفائها بميدان رابعة العدوية، بشأن توصيفي لما جرى من واقع الإشكاليات داخل حالة الإسلام السياسي والحركي، أذكر أنني أجبته بالآتي: (أرى أن تاريخ فض رابعة وما بعده هو بمثابة عودة الأبناء (الجهاديين) لأمهم (الإخوان) بعد طول جفاء؛ حيث كانت من هول الصدمة مرتبكة في حالة ذهول غير قادرة على تلمس الطريق الصائب، فيما كانوا هم أكثر إدراكًا بقيمة اللحظة لسحب جسد الإخوان الضخم لساحتهم القتالية الصدامية).

وللتوضيح أكثر وبمفهوم المخالفة نسأل اليوم: لو كان صاحب القرار داخل جماعة الاخوان رجلًا محنكًا أريبًا وداهية سياسية، فماذا كان عليه فعله وما طبيعة قراره، في ظل تلك الأوضاع الخطيرة حينذاك؛ وبالنظر إلى أن المعتصمين فى ميدانى النهضة ورابعة العدوية بمدينة نصر من كافة أطياف الحركة الاسلامية سواء سلفية جهادية وجهاد وقاعدة وجماعة إسلامية وتنظيمات تكفيرية وجبهة سلفية وحازمون فضلًا عن الاخوان وروابط الألتراس وجماهير من كافة محافظات مصر، جميعهم فى حالة شحن دينى وأيديولوجى وطائفى غير مسبوق. 

أقول لو كان أريبًا وداهية سياسية لسارع على الفور الى قطع الطريق أمام الجهاديين والتكفيريين ليحول بينهم وبين استغلال الأوضاع لصالحهم على حساب جماعته الأم، عبر امتصاص أحادى لصدمة عزل الدكتور محمد مرسي عن السلطة واعتبارها جولة من جولات منافسة سياسية طويلة، خاصة وأن جماعة الإخوان تمعن في الإلحاح على كونها متميزة عن غيرها من الجماعات بكونها بارعة في المناورة السياسية وفي الاشتغال بأدوات السياسة. 

كان قرارًا -متخيلًا مني- مثل هذا من قبل قيادي ومرشد أريب وداهية سياسية مفترض بجماعة الإخوان (ولا وجود له) ضامنًا لبقاء جماعة الإخوان المسلمين فى المشهد السياسى، ولحافظ على مكانتها فى الحركة وعلى طلاء السلمية والاعتدال الذى دهنت به جسدها عقب العهد الناصرى، ولحفاظت على ما تحقق من مكتسبات وامتيازات سياسية واعلامية واسعة بعد حراك يناير 2011م مقابل خسارة منصب – مهما كبر – من الممكن تعويضه لاحقًا. 

طرحت وجهة نظري تلك على بعض قادة الحركة الإسلامية خلال ذروة اشتعال الأحداث ليتداركوا الكارثة المحدقة لكنهم لم يستجيبوا، وقلت لهم إن إسهام جماعة الإخوان فى اجراء انتخابات شفافة بمشاركة الجميع (وكان كرسي ممثل الجماعة حاضرًا لكنه فارغ) من منطلق الاصلاحات السياسية والدستورية التى تحققت سيعد انجازًا أيضاً للاخوان. 

كان المنطق الذى سيقبله الجميع فى الميادين وسيعصف بخطط الجهاديين والتكفيريين هو تراجع الإخوان قليلًا لكى تتقدم الديمقراطية قليلًا، بدلًا من التورط فى الصدام والعنف الذى يعصف بمكتسبات الاخوان تحديدًا وسيقوى شوكة ونفوذ الجهاديين وحملة السلاح، وهو الذى يعوق نهضة الأوطان ويدعم عدم استقرارها، بل يصب فى تغذية مخططات ومؤامرات القوى المعادية للأمة التى تسعى لافساد مسارات النهضة والاستقلال بسيناريوهات الإرهاب والصراعات الساخنة والفوضى والفتن. 

لكن غاب الرشد وغابت الحنكة والدهاء السياسي، ورغم ضآلة تصور امكانية عودة الدكتور محمد مرسى والاخوان للحكم بما يحتم عليهم التعامل مع الأزمة ببرود الانجليز وعقلية الألمان ونفعية الأمريكان، الا أنهم وقعوا فى فخ توظيف الجهاديين لطموحاتهم فى استرداد مستحيل للسلطة. 

وكان تاريخ 14 أغسطس 2013م وما تلاه بالنسبة للتنظيمات الجهادية والتكفيرية المصرية بمثابة الحادى عشر من سبتمبر الأمريكى بالنسبة لليمين الأمريكى المتطرف؛ فساقوا الشباب الاسلامى وراءهم (ومن بينهم شباب من داخل صفوف الإخوان). 

وتفرق الجميع بعد الفض ساخطًا على العجز الاخوانى وفشل الجماعة السياسى، مدفوعين نحو النموذج التكفيرى والجهادى المسلح، وتفككت جموع المعتصمين من مختلف أطياف الحركة الى مجموعات مسلحة صغيرة مستقلة تفخخ وتفجر بطول البلاد وعرضها، وصارت ذريعة الارهاب الأولى وأقوى مبررات حمل السلاح فى مواجهة الدولة واستهداف الجيش والشرطة هى (القصاص لشهداء رابعة والنهضة). 

إذن بدلًا من أن تفرض جماعة الإخوان رؤيتها لتحافظ على طلائها الخارجي حتى لا يسقط فتظهر بدون أي فرق بجانب أي جماعة جهادية سلفية أخرى، تتخذ قرارات عشوائية بحمل السلاح ومباشرة القتال والصدام المسلح. 

كان هذا هو منتهى أمل الجهاديين وحملة السلاح وطيف تيار الإسلام الحركي والسلفية الجهادية –خاصة في مصر-؛ أن تنمحي الفوارق بينهم وبين جماعة الإخوان وأن تسقط مزاعم تميزها عنهم في الساحة السياسية، وأن يثبتوا أن منهجهم الصدامي الحربي هو الصائب وألا جدوى من السياسة والديمقراطية التي صدعت بها الإخوان رؤوسهم، (الإخوان تقول لهم عندكم كل الحق تعالوا وأنا معكم للصدام المسلح)، علاوة على الأهم وهو جر كتلة هائلة من داخل صفوف شباب الإخوان للعنف ولحمل السلاح. 

من بين الجماعات الجهادية ذات الثقل الجماعة الاسلامية المصرية التي تخلت عن العنف وحلت جناحها العسكري وأطلقت ما عُرف بمبادرة وقف العنف وأسست حزبًا سياسيًا، وعقدت تحالفًا مع جماعة الإخوان في أعقاب حراك يناير 2011م. 

رغبت هذه الجماعة فى انجاح أول تجربة حكم للاسلاميين فى مصر بعد عقود من المحاولات التي استخدمت بها شتى الوسائل دون جدوى، وبعد أن باتت على قناعة بأن الاخوان هى القوة المؤهلة تنظيميًا وماديًا لوراثة الحكم، وأنها القادرة على تحقيق حلم (الاسلاميين) فى السلطة و(أسلمة) كرسى الرئاسة، استغلالًا للاضطراب فى الساحة السياسية والمستجدات فى الساحتين الاقليمية والعربية وظهور التنظيمات الجهادية العولمية والمتغيرات الخطيرة فى العراق وسوريا وليبيا، وخروج الجماهير الى الشارع والضعف الطارئ على الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة وطبيعة المرحلة الانتقالية المضطربة. 

رغبت القيادات الجديدة للجماعة الاسلامية فى الانتصار لرؤى التغيير الفوقى من خلال الوصول الى السلطة – ولو بمؤازرة الإخوان هذه المرة- ، وهو الخط الذى تم انشاء الجماعة فى البداية انطلاقًا منه، قبل إطلاق المبادرة وقبل ظهور الفكر الاصلاحى داخلها. 

ظنت قيادات الجماعة أنها بصدد استكمال ما بدأته عقب اغتيال الرئيس السادات، باتمام ما فشلت فيه فى أحداث أسيوط 1981م، عندما خططت وسعت لاحداث حراك شعبى و(ثورة اسلامية) تقودها (الصفوة) التى قضت على رأس الدولة، وظهر ذلك من خطابات قياداتها على المنصات، فى محاولات مستميتة لاصطناع (ثورة اسلامية)، تأثرًا بنموذج الثورة الخومينية، تتغذى من روافد روايات المظلومية والاضطهاد وتصوير الصراع على أنه صراع دينى وحرب على الهوية والمساجد، واستقواءًا بجماعة الاخوان عبر توظيف أزمتها ورغبتها المهووسة فى عدم الاستسلام لهزيمة قاسية بهذا الشكل. 

وهكذا تراقص الجميع وانتعشوا من تكفيريين مسلحين وجهاد وحازمون وجماعة اسلامية وسلفية جهادية وقاعدة وداعش على مركب الاخوان الذى يوشك على الغرق في أغسطس 2013م، فى حين أن سائقى المركب أضاعوا البوصلة والخريطة ولا يعلمون طريق عودتهم للحكم. 

بل ان نسبة أمل قادة الإخوان فى العودة الى ما قبل 30 يونيو 2013م لا تتجاوز ال 5%، لكنهم كانوا قد تركوا ظهورهم للجميع ليركبوها، فلم تعد لديهم القدرة على التحرك بسرعة ومرونة وخفة واستقلالية، فجمدت (الحركة الاسلامية) وغاصت فى أوحال التكفير والعنف والصدام المسلح مع الدولة ومؤسساتها. 

وبعد تاريخ طويل من نكران الأم (جماعة الإخوان) لأبنائها (الجهاديين) وتبرئها منهم لتلميع صورتها وتحسين سمعتها بوصفها سلمية تمارس السياسة، دون سعى منهجى تربوى لتقويم هذا الاعوجاج العام، عادوا لأحضانها لتدفع ثمن مسؤوليتها التاريخية والفكرية والتربوية عن هذه الكيانات الملغومة، التى تغذت على أدبيات وسياسات وأفكار ومناهج حرصت الاخوان على عدم تقويمها وتغييرها منذ البداية. 

والمحصلة أن جماعة الإخوان انقادت لرغبات وهوس أبنائها الجهاديين في الانحياز للخيارات الحادة وإعلان المواجهة والصدام بدلًا من اللعب في ميدان السياسة بأدواته المعروفة وبآلياته، وهو ميدان لا يعرف الانتصار الدائم ولا الهزيمة الدائمة، إنما يوم لك ويوم عليك، ولو كانت استمرت الجماعة فيه لجاء خلال الفترة الماضية يوم لها، أما ما اختارته صحبة أبنائها (الجهاديين) فقد حرمها كل شيئ وجعل كل أيامها عليها طوال العشرة سنوات الماضية (2013-2023م).