هشام النجار يكتب: الشيخ وجدي غنيم وصالح ديدو نائب رئيس بلدية مُبايكى!

ذات مصر

خرج (الداعية الإسلامي) الموالي لجماعة الإخوان (الشيخ) وجدي غنيم –وأنا هنا في حيرة بشأن استخدام الألقاب والتوصيفات- يهاجم عبر فيديوهات جماعته ويعتب بشدة على من يزعم أنهم خذلوه (وفد اتحاد علماء المسلمين) عندما ذهبوا للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دون إيجاد حل لمشكلته حيث رفضت السلطات التركية منحه الإقامة والجنسية، وهو متروك عرضة للترحيل دون رعاية وعلاج.

ما ذكره (الشيخ) وجدي غنيم في فيديو عنوانه (وظلم ذوي القربى)، هو بمثابة شرح لما وصل إليه حاله، وهو حال كثيرين أمثاله، لكن كيف وصل وماذا جرى وما السبب الحقيقي لهذا المصير ولهذا الخذلان من النظام ومن الجماعة الذي والتي خدمهما بكل تفان؟

أرى أن (الشيخ) وجدي غنيم قد سبق وخذل نفسه قبل أن تخذله جماعته وقبل أن تخذله حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ لأنه ببساطة سلم نفسه طواعية للخدمة في سياق كارثي وليس فقط (خاطئ).

بدون نظر لا في الجذور ولا في العواقب، وبدون وقوف دقيق ومنهجي على أصول القضايا لتصنيفها وفرزها، ومن ثم تقدير طريقة التعامل المناسبة وتحديد المواقف، أسهم غنيم بقوة في قلب أصول الأشياء وبديهيات الصراع التاريخية والفكرية رأسًا على عقب، فبات اختلاف وجهات النظر السياسية اختلافًا على المعتقد وفرزًا بين مؤمن وكافر، وبات من يخدع المسلمين لجعلهم وقودًا في معاركه السياسية بل والحربية ولتحقيق أمجاده الشخصية بطلًا إسلاميًا!، وفي المقابل بات من يخدم العرب بالحفاظ على وحدة وتماسك دولهم ومجتمعاتهم (وهم قوة الإسلام وذخيرته) كافرًا وزنديقًا (في عُرف غنيم)!

إذا اطلعنا على تقديرات وأطروحات وتحليلات جهابذة الفكر والسياسة في العالم لما جرى طوال العقد الماضي بالشرق الأوسط، نجدهم بدون جدال يضعون أيديهم على التوصيف الدقيق والفعلي للواقع؛ فهناك دول إقليمية غير عربية وقادة شرق أوسطيين خططوا وسعوا لجر العرب جميعًا نحو تيه الصراعات والحروب الإثنية والعرقية والأيديولوجية والمذهبية، التي يقتل فيها العراقي العراقي والسوري السوري والمصري المصري والليبي الليبي.

يقول التشريح السياسي الدقيق أنه جرى التخطيط لأن يكون العرب محكومين ومُقادين من الخارج (الإقليمي الثلاثي غير العربي)، ألم يقل مناحم بيجين في مذكراته (التمرد) : "حتى ولو أقمنا معاهدة سلام مع دولة عربية أو أكثر فإن هذا لا ينهي رسالتنا الأساسية، ألا وهي إنهاء حضارة العرب وإقامة حضارة إسرائيل"؟

السياسي البصير أو حتى القارئ المبتدئ للأحداث من منطلق سياسي صِرف يُدرك سواء بخبراته ومعارفه أو بحاسته الفطرية أن المشروع (الذي تورط فيه الشيخ وجدي غنيم كمفتٍ شرعي) هو أن يصير العرب (الذين هم جزء أساسي من قوة الإسلام وحضارته) إما لاجئين مشردين بين دول العالم أو مؤدلجين إنكشارية، يقاتلون وفق خطط وأوامر الباب العالي في معاركه التوسعية بالإقليم وحول العالم.

أرادوا أن يفقد العرب صلتهم بالعالم معلنين فخرهم فقط بانتسابهم للسلطان الجديد (الذي أرسلته العناية الإلهية)، وأن يطووا كل منجزاتهم التشريعية والدستورية وتاريخ نضالهم في ترسيخ هويتهم ودولتهم المدنية وحماية أمنهم القومي ومقدراتهم وثرواتهم، ليصبحوا مؤهلين وجديرين بأن يكونوا تبعًا ورعايا في دولة الحاكم الفرد الأحد، الذي بذل غنيم قصارى جهده لشرعنة تقديسه ولو بتأويلات متعسفة للنصوص الإسلامية.

هذا فهم وتصور من ينظر للسياسة كما هي دون تحميلها ما لا تحتمل من تقديس ودون تحميل للدين ما لا يحتمل من تسييس؛ فهي محض أطماع وخداع، ومحض صراع على الثروة والمجد؛ وللأسف يُوظف الدين كأداة في تلك السياقات الدنيوية الدنية وفي تلك الأوحال والأشغال القذرة.

فكيف في المقابل وجدها وتعامل معها (الشيخ وجدي غنيم)؟؟

يشكو الشيخ وجدي غنيم الخذلان وهو من خذل نفسه منذ البداية وتسبب في خذلان كثيرين لأنفسهم؛ لأنهم مشوا خدمًا في صراع لا يعرفون طبيعته، خالطين الأوراق خلطًا؛ فمن يتسبب في تفكيك الأوطان العربية وإسقاط جيوشها وتشريد شعوبها جعلوه (مناضلًا إسلاميًا يسعى لرفعة الإسلام واستعادة الخلافة)! ومن خطط وسعى لأن يفقد العرب بوصلتهم وهويتهم وأن تتحول دولهم إلى ساحات معارك وحروب يخوضها بحثًا عن ثروة ومجد زائف ممن يرى قوميته وعرقه هو الأنقى ويتعامل مع العرب باستعلاء واحتقار لشأنهم، رفعوه إلى مصاف الأنبياء الأتقياء الأطهار!

وفي المشهد الأخير (الذي أغضب وجدي غنيم) وبعد التطورات والتحولات والتراجعات والهزائم للمشروع والجماعة، يُلمْلِم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقايا معاركه الأخيرة وأرباع انتصاراته مع انكساراته هنا وهناك ويجمع حوله بعض المَرْضِي عنهم ممن نادوه بخليفة الزمان (ناسيًا ومتجاهلًا مأساة ومعاناة الشيخ وجدي)، في مسعى لإثبات أنه لم يُهزم تمامًا وأن مشروعه لا يزال قائمًا، وأنه ولو لم يحقق كل ما كان يخطط له فلا يزال يمتلك ما يستطيع به إيذاء خصومه.

سؤالي المباشر للشيخ وجدي غنيم: لماذا خرجت من مصر منذ البداية؟ هل لأنها -كما تزعم- (دار كفر وحرب وغير مسلمة وأنها تحارب الإسلام وتهدم المساجد فوق رؤوس المصلين)، ولأن رئيسها وقادتها (غير مسلمين) ولأنك -كما تزعم- (مضطهد عقائدي لا تجد حريتك الدينية فيها)؟!

ألم تعلم بأن الصراع مبدؤه وأصله محليًا وإقليميًا ودوليًا سياسي محض، تُستخدم فيه كل أساليب الخداع للشعوب ولبعض من يتصدرون المشهد الثقافي والفكري والديني دون استحقاق، وليس للدين فيه مكان ولا يحزنون، اللهم إلا اللعب ببعض (الحمقى والمغفلين) وتوظيف من يُطلق عليه في الأدبيات الماركسية (المُغفل المُفيد)؟

ألا تعلم يا شيخ وجدي أن تدين قادة الجيش المصري أقوى وأنقى من تدين الساسة الأتراك أنفسهم وأعضاء وقادة حزب العدالة والتنمية وحركة ميللي غوروش، وأن الإسلام الحنيف تقام شرائعه وطقوسه وتفتتح مساجده في كل ربوع الوطن، وأن مظاهر التدين مُصانة كما لم تُصن يومًا في تركيا العلمانية؟ وأن مصر كانت وستظل منارة الإسلام وحصنه والبلد الحافظ لحضارته وثقافته وبها أشجع وأعظم قادته وأنقى وأرفع علمائه وأندى وأروع قراء قرآنه؟

ألم تعلم يا شيخ وجدي أن العمل السياسي ليس عملًا من أعمال الطهارة، وعلى الذين يحرصون على الوضوء والغسل كل يوم ويداومون على ارتداء الملابس البيضاء –كما تفعل أنت- الخروج فورًا من غاباته الموبوءة.

ألم تعلم بأن السياسة ما هي إلا ألاعيب قذرة يومية تتجدد كل دقيقة، فى ساحاتها وخطبها ومواقفها وتحالفاتها وقصصها المروعة الدامية أخس الحيل وأحط الخدع، وبها أفاقون وشياطين من كل شكل ولون.

سأتركك تجيب يا شيخ وجدي غنيم على أسئلتي بنفسك بعد أن أقص عليك هذه القصة الحقيقية، وبطلها الرجل العظيم الموقر (صالح ديدو) نائب رئيس بلدية مبايكى بجمهورية أفريقيا الوسطى، والذي رفض الخروج من وطنه مع آلاف المسلمين الذين تم طردهم قسرًا منها ومن القرى والمدن المحيطة، على الرغم من أنهم طُردوا منها لأنهم مسلمون ولأنهم يقيمون شعائر دينهم.

رفض صالح ديدو مرافقة أقربائه الهاربين من عمليات التطهير العرقي والديني الوحشية، وأصر على البقاء في بلده رغم تلقيه تهديدات بالتصفية.

يا شيخ وجدي غنيم ويا سلامة عبد القوي ومحمد الصغير وأكرم كساب وعاصم عبد الماجد ومحمد عبد المقصود، ويا كل من تزعمون (أنكم فررتم بدينكم) هربًا من مصر التي تضطهدكم لأنكم مسلمون –كما تدعون-، أجيبوني: هل أنتم مقتنعون فعلًا وعلى قناعة تامة بأنها حرب دينية مقدسة بينكم وبين الدولة المصرية، وأنكم هربتم فرارًا بدينكم وليس لغرض دنيوي ولا لخديعة كبرى تعرضتم لها؟

فما قولكم فيما حدث لمسلمي بورما وأفريقيا الوسطى، وهناك بالفعل الحرب الدينية، حيث يقتل المسلمون لأنهم مسلمون، وهناك بالفعل تُهدم مساجدهم ويبادون بالجملة لأنهم مسلمون، ورغم ذلك كله لم يفر واحد منهم، زاعمًا أنه فر بدينه رغم أنه الأولى بذلك!

وإذا كنتم تحاربون وتناضلون فعلًا من أجل الإسلام وقضيتكم هي الدين والدفاع عنه ونصرته، فالدين مُحارَب في بورما وأفريقيا الوسطى وفي الهند، وليس في مصر فاذهبوا ناضلوا هناك ودافعوا هناك عن إخوتنا في العقيدة الإسلامية وعن المساجد!

استمعوا الى منطق صالح ديدو – كما نقلت (اللوموند الفرنسية)- حيث قال لمن سأله: لماذا لم تفر ولم تهرب ولم تغادر؟.. قال: (هنا وُلدت وأنجبت أولادي وأنا عضو في البلدية وهذا وطني فلماذا أغادر)؟!

رغم الحرب الدينية الصريحة التي تشن عليه وعلى أهله المسلمين وعلى المساجد، فإما يكفر بدينه أو يُقتل، يستمسك بالبقاء حتى النفس الأخير ويسأل (لماذا أغادر)، وهنا في مصر الدين مُصان والمساجد قائمة والآذان مرفوع والأجهزة والمؤسسات تحافظ على الأعراض والممتلكات والأرواح وعلى القيم والمبادئ الإسلامية العليا، فلماذا فررتم؟

أترك لك الإجابة بنفسك يا شيخ وجدي.. لكن فقط اقرأ للنهاية قصة البطل الحقيقي والمناضل الحقيقي ورجل الدين الحقيقي والداعية الإسلامي الحقيقي (صالح ديدو)... (الذي لم يغادر) رغم أنه المُضطَهد الحقيقي والمُبتَلى الحقيقي والمُحَارب الحقيقي في دينه.

وفقًا لمنظمة العفو الدولية التي حققت فى مقتل ديدو، فإن مجهولين قدموا إلى حي باغيرمى في مُبايكى يسألون أين يقطن صالح ديدو نائب رئيس البلدية الذي رفض الهرب والنزوح، والذي حاول الاحتماء في مركز بوليس، وفي الطريق اعترضه رجال ميليشيا دينية وذبحوه لأنه (مسلم) ولم يفر، وبعد الجريمة قدم جيرانه المسيحيون الحماية لزوجته الحامل وأطفاله الذين جرى نقلهم لاحقًا إلى وسط العاصمة بانغي في انتظار طائرة نقلتهم خارج البلاد.