هلال عبد الحميد يكتب: أمن دولة مبارك

ذات مصر

لي صديق قريب، كنا معًا في حزب التجمع، وكان يترشح لمجلس الشعب، وكنا نعد برنامجًا انتخابيًا قويًا، ولا نفعل  من فنون الانتخابات غيره.

وفي إحدى الانتخابات -أعتقد  ٢٠٠٥- كتبنا ورقة انتخابية تربط  هموم الدائرة بالهم الوطني وشننَّا هجومًا حادًا على مبارك وسياساته.

ذهبنا لمطبعة من مطابع أسيوط لنطبع عدة آلاف لنوزعها بالدائرة –لم نكن نفعل غير ذلك فهو شيوعي سيخ، لم أكن أنا سيخًا وقتها– ولم يكن يستجيب لنصائحي بصفتي خبيرًا من يومي في موضوع الانتخابات منذ نجاحي في ٣ ابتدائي وحتى انتخابات اتحاد الطلاب بدار العلوم ومرورًا بنجاحي لدورتين بالمحليات حتى إسقاطي في انتخابات نواب ٢٠١٥ وتمزيق محضر اللجنة العامة التي أعلنت نجاحي ثم غيرت النتيجة. 

المهم صاحب المطبعة وضع نظارته المقعرة على أرنبة أنفه، وقرأ وأعاد القراءة واحمرت عيناه وزفر: (عايزين تقفلولي المطبعة، انتو مين زقكم عليا). 

 أقسمنا بكل الأيمانات ما زقنا أحد، وبخبث الأسايطة أفهمنا أنه اقتنع، ولكنه بعد دقيقة صمت قال: طيب اوصلوا لأمن الدولة هاتولي موافقة على الطباعة. فهمت أن الرجل أراد أن يرد لنا الصاع صاعين ويودينا سكة  اللي يروح ميرجعش.

تركناه وذهبنا لمطبعة ثالثة ورابعة حتى انتهينا من مطابع أسيوط، ووجدنا نفس الطلب (هاتولنا تصريح من أمن الدولة) وذهبنا لنستريح بڤيلا صديقي وقريبي الشيوعي السيخ بمدينة أسيوط، وقلبنا الأمر على وجوهه وعزمنا على التوجه الى مقر أمن الدولة.

أذكركم  بأن صديقي هذا تم اعتقاله لفترة طويلة أيام انتفاضة ١٧و١٨ يناير -يناير دا شهر مبارك الحقيقة ربنا يعيده عليكم بخير– ويبدو أنه حن لأيام البُورش وكان عايز يجرجرني معاه، فذهبنا وطلبنا مقابلة مفتش الفرع – وكان وقتها اللواء أبو المعالي- وكان اسمه وقتها يهز أتخنها شنب، وكان له شقيق ترشح بدائرتنا فكان التصويت يتم له بالأمر المباشر ونجح. وقابلنا الرجل بترحاب، وسلمنا له البيان الانتخابي ووضع نظارته على أرنبة أنفه، وتحول لصاحب المطبعة وقال: انتو عايزين تطبعوا ده وفيه الكلام ده على الرئيس مبارك؟! (كان ناقص يقول لنا : أنتو عايزين تقفلولي الفرع ؟!!! 

بعد أن أفقت من خبطته على المكتب وقرقعة ركبتي استجمعت شجاعتي، وقلت له وأنا أتصنع الثبات: يا فندم مش إحنا مرشحين معارضة، وعايزين نيجي مكان الحزب الوطني زي كل العالم ونشكل الحكومة؟! .. عالم ؟!!!! قال سيادة اللواء متهكمًا، وأضاف: روحوا يا بهوات شوفوا مين يطبعلكم. 

خرجنا لا نلوي على شيء وقفانا يقمر عيش، وذهبنا لشركة مهمات مكاتب واشترينا طابعة معقولة وكرتونة ورق وطبعنا كميات كبيرة من البيان، كنا كل يوم قبل الجولة نطبع كمية، وكنا نوزع البيان يوميًا على ناخبين نسبة الأمية بينهم كبيرة للغاية (الشيوعيون يعشقون البيانات كحبهم للبوليتاريا)، ولكنهم -المواطنون- يفهمون سياسة أفضل من كل السياسيين، وعندما يوضعون في أجواء انتخابية نزيهة أو شبه نزيهة يكيدون لمذليهم ويصوتون تصويتًا عقابيًا وبنسب لا يتخيلها أحد، بينما يمكثون في بيوتهم ولا يخرجون مهما كانت عصا وجزرة السلطة، عندما يتأكدون أنهم أمام مسرحية هزلية، كما هي الانتخابات في مصر في أغلب الأحيان، وهكذا كان يحافظ مبارك على دولته وأمن دولته.