محمد حماد يكتب: بنهاية دور مرتضى منصور.. هل يخرج الزمالك من محنته؟

ذات مصر

محنة الزملكاوي تبدأ معه لحظة تقوده أقداره إلى تشجيع الزمالك، ومحنة الزمالك بدأت وتكرست وازدادت سوءًا يومًا بعد يوم منذ قرر مرتضى منصور أن يمتطي حصان النادي العريق ليحقق أحلامه في الشهرة والنفوذ.

تفاقمت محنة الزملكاوي مع كل يوم تتعمق فيه محنة النادي بوجود وتصاعد ظاهرة الرجل المسند إليه دور يُتقن القيام به.

وكان لابد له من نقطة ارتكاز ينطلق منها للقيام بالمهمة خير قيام، أو لنقل كان لابد له من مسرح يعرض عليه تلك "المونودراما" العبثية التي استمرت لأكثر من عقدين من الزمان الرديء.

وللأسف كان الزمالك هو نقطة الارتكاز تلك، وخشبة المسرح التي شهدت كامل فصول المسرحية الهزلية.

محنة الزملكاوي لا يعانيها إلا من ذاق مرارتها، وتجرع توابعها، تستمر معه حين يبدأ مشواره التشجيعي وإلى يوم وفاته، وتتمظهر تلك المحنة لدى البعض، وهم الكثرة الغالبة، في أمراضٍ تصيبهم، أكثرها شيوعًا أمراض ارتفاع الضغط وزيادة نسبة السكر في الدم والاحتباس البولي وما إلى ذلك من أعراض وباقي أمراض الشيخوخة المبكرة (!).

تتبدى محنة الزملكاوي في صورة من ارتبط بعلاقة حب من طرف واحد، تدور بين الحب والوفاء، والإخلاص، والصبر، والتضحية والدعم وقت المحن، ولا تعود عليه بغير الخذلان ثمنًا لكل هذه التضحيات.

حتى الشعار الشهير الذي التصق بألسنة الزملكاوية "سنظل أوفياء" تجد فيه اعترافًا بخيبة الأمل، قبل أن يكون اعترافًا بالحب، هو على الحقيقة نوع من الحب ما قتل، وهي علاقة متعبة جدًا بين الزملكاوي وناديه الذي يتقن فنون خذلان عشاقه، كما لم يتقنها معشوق من قبل.

أدمن عشاق الزمالك تلك الحالة من الاقبال والفتور، من الصد والنفور، من المحبة المفرطة إلى كره الذات وتمني الموت لكي يتخلص الزملكاوي من هذا الشيء الذي يتلبس بروحه ويمنعه من أن ينفك بعيدًا عن تلك العلاقة المجنونة التي لا تنتهي إلا لتبدأ مرة أخرى أكثر شراسة وأكبر حرصا على الخذلان المتكرر.

**

المرة الوحيدة التي ظهرت فيها زملكاويتي على "الفيس بوك" حين كتبت أعبر عن سعادتي بنجاح فريق كرة القدم في التتويج بلقب الدوري المصري للموسم الثاني على التوالي، متخطيًا سلسلة من الصعوبات والكثير من المعوقات، أذكر تعليق صديق عزيز، وقد انتابته نوبة من الإشفاق وهو يسألني واللوعة على حالي بادية من كلماته: "معقولة حضرتك زملكاوي؟".

تكرر هذا الموقف مع كل زملكاوي بدون استثناء، في كثير من المواقف التي يصعب فيها الزملكاوي حتى على الكافر، ولا يصعب فيها على الأهلاوي أن يبتز زملكاوية كل فرد منا نحن المشجعين الغلابة للنادي الكبير.

**

يُولد المصري على الفطرة، فأبواه يُزملكانه أو يأهلِوانه، فيصير الولد إلى تشجيع الفريق الذي وجد عليه أباءه، أو على قول أبو العلاء المعري بتصرف: (وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ، وَما دانَ الفَتى بِحِجىً وَلَكِن يُعَلِّمُهُ التَشجيع أَقرَبوهُ).

من ناحيتي لا يقع ذنبي على عاتق أهلي، فقد بدأ حُب الزمالك في اللحظة نفسها التي تعلمت فيها حب مصر، كنا نقف صغارًا في طابور الصباح نهتف من أعماق قلوبنا: "عاشت الجمهورية العربية المتحدة"، وكانت أصواتنا المسرسعة تنطلق إلى عنان السماء ونحن نتسابق في رفع الصوت حين نهتف: "عاش جمال عبد الناصر".

وكانت "أبله نوال" هي المُدرسة التي زرعت فينا الحُبين معًا، حب الوطن وحب الزمالك، وسقتهما لنا مع دروس الفرقة الأولى في المرحلة الابتدائية.

هي مُدرسة الفصل الذي استمتعت فيه بفترة التعليم الأولى، ولا زلت أتذكرها وهي تتحمس معنا وتحمسنا وهي تقرأ علينا وتُسمِّع لنا أناشيد من نوعية: دع سمائي فسمائي محرقة، والله أكبر فوق كيد المعتدي.

كنت أشعر نحوها بمشاعر محبة غير تلك التي عهدتها في حياتي في تلك الفترة، ومن ناحيتها كانت تُوليني اهتمامًا خاصًا، ولا أنسى أني ذهبت معها إلى بيتها، ولست أذكر ملابسات تلك الزيارة المنزلية، غير الراحة التي شعرت بها في كنف أسرتها الصغيرة.

في أول حصة ألعاب في أول سنة دراسية طلبت منا "أبله نوال" إحضار "لبس رياضي"، وحددته فقالت: مطلوب فانلة بيضاء بخطين حمر، وشورت أبيض، و"كاوتش باتا" أبيض، من يومها صرتُ زملكاويًا، وتصادف أن تلك السنة نفسها التي توج فيها نادي الزمالك ببطولة الدوري.

وعلى طول مشواري مع الزمالك كمشجع خمدت زملكاويتي بعض الوقت، ولكنها تعود فتتجدد رغمًا عني، ساعدني على إبقاء جذوتها داخلي أن أغلبية أصدقائي المقربين زملكاوية، والقليل منهم أهلاوية، وهؤلاء يدفعونك دفعًا للإمساك بزملكاويتك عندًا فيهم، والبعض الثالث يترفع عن مثل هذه الصغائر الشعبوية، لكن بقيت الأغلبية الغالبة منهم يحبون الزمالك، ويعشقون فيروز، وفصيلة دمهم كلهم 0، وهي مصادفة لا أتصور أنها يمكن أن تتكرر مع رهط من الأصدقاء المقربين.

**

إذن "أبلة نوال" هي السبب الأول وراء تشجيعي لنادي الزمالك الذي تحول من بعد إلى إدمان حاولت مرارًا التخلص منه فلم أنجح إلا لبعض الوقت لأعاوده مجددًا مع كل أمل جديد لإصلاح ما أفسده الدهر في نادي الزمالك.

يتجدد الأمل اليوم في إصلاح ما أفسده الزمان مع ما يبدو أنه نهاية لهذه "المونودراما" العبثية التي طال عرضها على أرض نادي الزمالك، ورغم أني لست ممن يفرحون لهذه الطريقة في التعامل التي نقلتها شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي وفيها صورة رئيس النادي المعزول مرمية على الأرض منزوعة من مكانها في لوحة رؤساء النادي، إلا أنها بدت لي وكأنها رمزية زاعقة تعلن نهاية عصر طال بأكثر مما تطيق أحوال النادي الذي تدهورت إلى الأسوأ على الإطلاق في كل مراحل تاريخه الطويل.

**

حين دخلتُ صحبة مجموعة من الأصدقاء من البوابة الرئيسية للنادي عقب إعلان الاستقالة الجماعية لمجلس مرتضى منصور توجهت مباشرة إلى الاشتراكات ودفعت ما تأخر عليَّ منها، وجلسنا في مكان بدا وكأنه تحرر من المحتل لتوه، وهي فرحة لا يدركها غير أعضاء النادي الذين عاشوا عشرية سوداء كان مرتضى منصور هو نجمها الأوحد، انتهت بما آلت إليه الأحول من مآسي وكوارث فوق طاقة أي نادي آخر.

نجح مرتضى منصور في أن يشكل ظاهرة فردية، وخطف الأضواء، واستولى على عدسات التصوير، واحتكر الميكرفون داخل أسوار نادي الزمالك، وكان إنجازه الأهم أن صوره ملأت فضاء النادي وأحاطت به من كل زواياه. 

الفشل الأكبر الذي أودى به ـ في ظني ـ أنه قضى بنفسه على كل فرصه في الاستمرار بأداء المهمة المسندة إليه، وفي المحصلة النهائية لم ينجح رئيس النادي المنتهية صلاحيته إلا في إدخال النادي لسنوات قادمة في متاهة الديون، وانتهى الأمر بكل نجاحاته التي كان يتشدق بالحديث عنها كل ليلة في إعلامه الخاص إلى مآزق كبيرة سوف يعاني منها الزمالك طويلًا.

قلتُ من قبل ـ وما زلت أؤمن ـ إن مرتضى منصور ليس مجرد شخص منفلت، أُطلق له العنان، وتفلَّت من لجامه، ولكنه كان تعبيرًا عن حالة أنتجته، وفرضت وجوده في الساحة العامة عبر تكريس سيطرته على نادي الزمالك حتى تحول ذلك النادي العريق إلى عزبة خاصة له ولأولاده، وإلى اللحظة الأخيرة ظلَّ يفكر في الكيفية التي ينقل العزبة إليهم بالتوارث كما هو "سلو بلدنا" في الشأن السياسي.

زائر نادي الزمالك اليوم سيجد في كل ركن بالنادي فرحة وشعور بالتحرر من ربقة البلطجة والهمجية والانفراد بالقرار لا يعادلها إلا فرحة التحرر من محتل غشوم.