فراج إسماعيل يكتب: التطبيع السعودي الإسرائيلي.. ما هو الثمن؟!

ذات مصر

بعد حوار ولي العهد السعودي مع قناة فوكس نيوز الأمريكية الذي أشار فيه إلى اقتراب التطبيع مع إسرائيل برعاية بايدن.. انتقل المحللون ومراكز الأبحاث من السؤال عن الزمن الذي سيوقع فيه الاتفاق التاريخي، إلى السؤال عن الثمن الذي ستجنيه السعودية التي لا حاجة لها إلى التطبيع.

إسرائيل احتفت بما ذكره الأمير محمد بن سلمان. إيلي كوهين وزير خارجيتها قال إن الاتفاق سيتم توقيعه في الربع الأول من العام القادم. بايدن الذي لا يطيق نتنياهو اجتمع معه على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان البند الأهم هو ذاك التطبيع، وبعده ظهرت السعادة على رئيس أكثر الحكومات اليمينية الإسرائيلية تطرفا.

الخبراء أجمعوا على أن تل أبيب لا يمكن في ظل حكومتها الحالية تقديم تنازلات بخصوص القضية الفلسطينية والتي يتوفع أن تكون حجر الأساس في اتفاق التطبيع المرتقب. جميع حكومات إسرائيل – حمائم وصقور ومتطرفون – لم يقبلوا حل الدولتين الذي نصت عليه المبادرة العربية التي قدمها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز في قمة بيروت عام 2002 مقابل تطبيع الدول العربية مع إسرائيل.

ما أقصى ما يمكن أن تقدمه حكومة القبضة الحديدية الحالية التي تواصل بعجرفة لا مثيل لها سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، وهدم منازل العرب في القدس التي نصت مبادرة الملك عبدالله على أنها عاصمة للدولة الفلسطينية؟!

واشنطن نفسها نقلت عاصمتها إلى القدس في عهد ترامب.. فماذا عساها أن تكون خطة بايدن التي تحظى بمباركة الطرفين لإنجاز الاتفاق الذي وصفه حديث محمد بن سلمان بأنه سيكون الحدث الأعظم منذ نهاية الحرب الباردة.
في حواره مع مذيعة شبكة CNN كايتلان كولينز تحدث بنيامين نتنياهو بغروره المعتاد عن الثمن قائلا: "السعودية بإمكانها الاستفادة من هذا السلام. اعتقد أنهم ارتكبوا خطأ في عدم الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام وإبقاء أنفسهم خارجها. صنع السلام مع السعودية سيساعد أيضا على إنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. إسرائيل والسعودية وأمريكا تشترك في هدف مشترك لتغيير التاريخ وتحقيق قفزة نوعية".

وفي خطابه أمام الجمعية العامة قال إنه على أعتاب اختراق أكثر دراماتيكية وسلام تاريخي مع السعودية. ولن يكون للفلسطينيين حق الفيتو على العلاقات الإسرائيلية العربية.

الفلسطينيون مأخوذون بخطوة التطبيع المحتملة، فحوار فوكس نيوز مع ولي العهد السعودي لم يأت إطلاقا على ذكر حل الدولتين أو التمسك بدولة فلسطينية عاصمتها القدس. تحدث عن القضية الفلسطينية في المجمل بأنها "مهمة للغاية ونحن بحاجة إلى حلها، وأن تؤدي إلى مرحلة يتم فيها تحسين حياة الفلسطينيين وتسمح لإسرائيل بالقيام بدور في الشرق الأوسط".

إذن لا ثمن إسرائيليا ملموسا، وأقصى ما يمكن أن تمنحه الحكومة الأكثر قومية وتطرفا دينيا، هو تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، كتقديم الدعم المادي للسلطة الفلسطينية للوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين، والحد من الحصار.. ويمكن تأجيل توسيع الاستيطان في الضفة الغربية كما قالت بعض مراكز التحليل الاستراتيجية في واشنطن وتل أبيب إلى مرحلة لاحقة لن تتجاوز عام 2028.

ما عدا ذلك فإن الثمن الذي ستحصل عليه السعودية سيكون خاصا بها. مركز كارنيجي للشرق الأوسط، وهو تابع لمؤسسة بحثية أمريكية شهيرة، يشير إلى تحول السياسة السعودية من مسايرة الإجماع العربي ومجرد اللحاق بالركب في العهود السابقة إلى دولة تقود الركب.
الثمن الذي قبضته تل أبيب مقدما هو مشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا مرورا بالإمارات والسعودية والأردن قبل أن يحط رحاله في ميناء حيفا المحتل، وقد زفه نتنياهو إلى الشعب الإسرائيلي.

قال حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق وأبرز رجالات السياسة العرب في مرحلته، إنه يصب لفائدة ميناء حيفا حيث سيكون المعبر الذي تمر منه السلع بين الهند وأوروبا.

وفي سلسلة بوستات عبر منصة إكس، نصح بألا تكون الدول العربية مجرد ممرات دون دراسة أُثرها على قناة السويس كممر استراتيجي لمصر والعرب.
يعني ذلك أنه ثمن باهظ لصالح إسرائيل، رغم التحفظ حول تأثيره على القناة. لكن هناك ثمنا آخر لصالح الهند، فرغم وجود العمالة الهندية الغزير في الخليج، لدرجة أنهم الأغلبية في بعض المناطق أو حتى الدول، فإن الممر بسككه الحديدية سينقل ملايين الهنود وسيساهم في توطينهم، علما بأن القوانين الدولية تسمح للأغلبية بالحقوق السياسية إلى حد المشاركة في السلطة.
يمكن القول حينها إن الهنود قادمون ما يؤكد أنه ممر سياسي يهدف إلى تقويض المد الصيني، أكثر منه ذو جدوى اقتصادية. ولأنه سياسي غضب أردوغان من تجاهل بلاده رغم أنها الأقرب لتكون ممرا إلى أوروبا، ولا يوجد سبب لتفضله الدول العربية على طريق الحرير الصيني الذي أنفقت عليه الصين المليارات وهو في مرحلة التنفيذ فعليا.
ابحث عن إسرائيل ستجدها حاضرة في ممر بايدن الجديد. فالصين وجهت لها لطمة كبيرة بإنهاء العداء السعودي الإيراني، وستجدها أيضا حاضرة بدءا من مشاريعها السابقة لحفر قناة تنافس قناة السويس.
ولي العهد السعودي وصف الممر بأنه أهم الأعمدة اللوجستية القادمة في هيكل الصناعة والتجارة للدولة السعودية والمنطقة.
نصل للثمن الذي تقود به السعودي الركب.. وهو السماح الأمريكي لها ببرنامج نووي سلمي وتخصيب اليورانيوم وهو ما كانت واشنطن تعارضه بمعية إسرائيل. وكذلك إمدادها بأسلحة متطورة، وهي بالفعل أكبر مشتر للسلاح من أمريكا بفارق كبير عن باقي المشترين كما قال ولي العهد الذي حذر بأنه في حالة امتلاك إيران سلاحا نوويا، ستضطر السعودية لامتلاكه هي الأخرى.
ليس من المعتاد أن تطلق اتفاقيات السلام أو إنهاء حالة عداء تاريخي كالذي بين العرب وإسرائيل سباقا للتسلح النووي، لكن مع احتمال التطبيع السعودي الإسرائيلي يبدو أنه الثمن الأفدح على المنطقة.

كذلك قد تقايض الرياض ثمنا استراتيجيا، فقد كشفت نيويورك تايمز بأن واشنطن تدرس إبرام اتفاقية دفاع مشترك مع السعودية كحافز لها للتطبيع، على نسق الاتفاقيات العسكرية القوية مع اليابان وكوريا الجنوبية، وهو عنصر أساسي في دبلوماسية التحفيز البايدنية.
بموجب تلك الاتفاقية، والكلام للصحيفة نفسها، ستتعهد الولايات المتحدة والسعودية بتقديم الدعم العسكري إذا تعرضت الدولة الأخري لهجوم في المنطقة أو على الأراضي السعودية.
هل حسبة ما ذكر من أثمان سيعني نهاية حلم إقامة دولة فلسطينية أم مجرد تحليلات لا تستند إلى حقيقة ما يجري داخل الغرف المغلقة من مفاوضات التطبيع الجارية برعاية بايدن؟.
قد يحمل ما جاء في خطاب بايدن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رسالة مضيئة للمتشائمين بإعلانه الالتزام بتعزيز حل الدولتين.

لكن إذا تم تأجيل التفاهم حول هذا الموضوع إلى ما بعد توقيع اتفاق التطبيع فمعناه أن الحلم قد ضاع فعلا.