لإعاقتها الطرق والكباري.. مصر تطلب من اليونسكو رسميًا تقليص القاهرة التاريخية

ذات مصر

أيام قليلة تفصل مناطق مهمة في القاهرة التاريخية عن الخروج من قائمة التراث العالمي، بعد طلب مصر من لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو إجراء «تعديل طفيف» على حدود القاهرة التاريخية.

القاهرة تفقد بريقها

الخطوة المصرية لاقت استهجانًا واسعًا وانتقادات كبيرة لمخالفتها كل التوقعات الراسخة في دول العالم، والتي تسعى للحفاظ على تراثها وزيادته لتعبر من خلاله على مدى تحضرها وعراقة تاريخها القريب والبعيد.

لجنة التراث العالمي، قالت إن مصر قدمت طلبها خلال دورتها الـ45 المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض، مشيرةً إلى أن القاهرة أبلغت المنظمة بعدم إنشاء طريق داخل حدود المناطق، ولم يكن هناك هدم لأي مقابر تاريخية أو أضرحة.

البيان الحكومي يتنافى مع الواقع الموجود في منطقة مقابر الشافعي والسيدة زينب بالقاهرة التاريخية، والتي جرى هدم الأضرحة التاريخية الموجودة بها، وسط استغاثات ونداءات شعبية وأثرية لوقف «نزيف التاريخ».

مصادر، تحدثت لـ«ذات مصر» أن القاهرة التاريخية فقدت بريقها المرتبط بها منذ قرون في أعين «الحكومة الحالية» والقائمين على البلاد، بدعوى إنشاء كوبري أو طريق لتسهيل حركة المرور، مبينةً أن الوضع الحالي مأساوي.

اليونسكو يطالب مصر بالتراجع

وصرح متحدث باسم اليونسكو، في تصريحات صحفية، أن لجنة التراث العالمي طلبت من مصر مراجعة طلبها، بناء على توصية الخبراء الذين حلّلوا الطلب بمزيد من التفاصيل حول خصائص الممتلكات والخرائط والتغييرات، التي أثرت في سلامة الممتلكات منذ تسجيلها.

وطلبت اللجنة من الدولة دعوة بعثة استشارية من الخبراء إلى الموقع، بهدف فحص الحدود الجديدة المقترحة، قبل تقديم طلب تعديل يستند إلى نصائح البعثة، مضيفًا أن "اللجنة من الوارد أن تنظر في طلب تعديل الحدود بعد الانتهاء من تلك الخطوات".

وكان موقع باب مصر، المعنيّ بصون التراث المصري، ذكر في تقرير له بتاريخ 26 سبتمبر الماضي، أن اليونسكو رفضت خلال اجتماعها الأخير الاستجابة لطلب الحكومة المصرية بشأن "تقليص مساحة القاهرة التاريخية، والمدرجة ضمن حدود اليونسكو".

واعتمدت لجنة التراث العالمي، تقرير حالة الحفظ للقاهرة التاريخية، الذي سلط الضوء على مسؤولية مصر التاريخية والوطنية تجاه "موقع التراث العالمي الفريد".

تكذيب الحكومة 

في الوقت نفسه، أعربت لجنة التراث العالمي عن قلقها بعد التقارير المنتشرة بشأن إنشاء طريق بمقابر القاهرة التاريخية الشمالية والجنوبية، لترد على تأكيدات الحكومة المصرية بعدم إنشاء طرق داخل حدود الأماكن التاريخية

وأكدت اليونسكو أنها طلبت "معلومات فنية عاجلة" بشأن أي مشروع رئيسي في المنطقة التاريخية، بينما أشارت إلى أن الإطار القانوني لهدم المعالم المحمية لا يزال غير واضح، وطلبت المنظمة التوضيح.

صمت حكومي ورفض دولي

ورغم إعلان اليونسكو الطلب المصري، إلا أن الحكومة المصرية رفضت التعليق على الأخبار المنتشرة، أو كشف تفاصيل خطتها الجديدة لإخراج مناطق من القاهرة التاريخية من قائمة التراث العالمي.

ووفق تقارير إعلامية صوتت 14 دولة على وقف تعديل خريطة القاهرة التاريخية، لحين انتهاء اللجنة من إعادة تقرير يفيد بالوضع الحالي للقاهرة التاريخية، و"لذلك لم يصدر بيان من قبل المجلس الأعلى للآثار حتى تلك اللحظة".

وأشاد أثريون بقرار المنظمة برفض طلب تقليص القاهرة التاريخية، وقرار اللجنة الذي تحفظ على طلب الحكومة المصرية ضمن "تقارير حالة الحفظ المقدمة من الدول الأطراف" على موقعها الرسمي.

وقال المدون، وائل عباس، عبر حسابه على منصة إكس، "الناس عادة بتفرح لما اليونسكو تضيف حاجة عندهم للتراث البشري، لكن نكتشف إن بلدنا طالبة من اليونسكو تقليل مساحة القاهرة التاريخية! بنتخلص من تاريخنا، لا والطلب اترفض! جت من الأجانب ولم تكن منك".

تدمير التاريخ الإسلامي 

ويؤمن أستاذ الآثار الإسلامية، ورئيس الاتحاد العام للآثاريين العرب، الدكتور محمد الكحلاوي، إن قرارات الحكومة المصرية الأخيرة فيما يتعلق بالآثار الإسلامية تعاند الشعب، وتدمر تاريخ مصر العريق.

وأوضح الكحلاوي، في تصريحات لـ«ذات مصر»، أن الحكومة والقائمين على قطاع الآثار يرتكبون أخطاءً جسيمة، تفقد مصر شرعيتها وتقلص من مكانتها كدولة ذات مركز ثقل وتمتلك تاريخيًا وتراثًا فرديًا خصوصًا في القاهرة التاريخية.

لا يدري أستاذ الآثار الإسلامية، أسباب إصرار الدولة المصرية على هدم التاريخ الإسلامي على عكس المطلوب منها، وعدم استماعها أبدًا لنداءات ورجاء العلماء والمثقفين فيما يتعلق بالقاهرة التاريخية، وأهمية الحفاظ عليها.

وأضاف: "الحكومة تستهدف الآثار الإسلامية، لم نرى هدمًا أو إهمالًا سواء في الأثر الفرعوني أو القبطي، لكن الآثار الإسلامية مستباحة من أجل إنشاء طريق أو كوبري"، متابعًا: "دعوا القاهرة وشأنها وأذهبوا إلى المدن الجديدة والعاصمة الإدارية".

موفقة اليونسكو مسألة وقت

يقول الكحلاوي، إن القائمين على وزارة الآثار رغم علمهم قيمة الأثر الموجود لكنهم لا يستطيعون مخالفة التعليمات التي تصل إليهم كونهم موظفين عند الحكومة، مكملًا: "هدم المقابر التاريخية مخالف لكل القيم فالجبانات لها قيمتها وحرمتها".

لم يستبعد الكحلاوي موافقة اليونسكو في النهاية على تقليص مساحة القاهرة التاريخية خصوصًا إذا فقد أي جزء منها العناصر التي تميزه، مردفًا: "لست متوقعًا خيرًا في ظل ما يحدث، ولا يمكننا وقف هذا النزيف".