صقور ائتلاف نتنياهو يريدون السلام مقابل "لا شيء"

صفقة التطبيع السعودية الإسرائيلية.. "تلك إذن قسمة ضيزى"

ذات مصر

ليس غريبًا أن تدخل مفردة "صفقة" مجال السياسة، بعد انتقالها من معاملات التجارة و"البيزنس"، خاصةً حين يتعلق الأمر بالتطبيع مع دولة الاحتلال.

والصفقة في المعاجم تعني ضرب اليد، عند البيع تدليلًا على رضا الطرفين: البائع والمشترى، وأعطاه صفقة يده، أي منحه عهدًا.

وعلى هذا فإن أي اتفاق سياسي بين طرفين، وراءه صفقة ما، يسعى كل منهما لانتزاعها، وهذا ينسحب بالطبع على ما يثار بشأن اقتراب الصفقة السعودية الإسرائيلية، المتعارف عليها باسم التطبيع.

وبما إن شرط السعودية، الذي طرحه الملك الراحل عبدالله آل سعود: "الأرض مقابل السلام"، قد تراجع أمام المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية، فإنه بعيدًا عن المكتسبات الإسرائيلية ذات العلاقة بأن التطبيع مع الرياض سيفتح بالضرورة أبواب العلاقات مع العواصم العربية جميعها، وسينقل ما كان يسمى بتيار الممانعة العربي، من الواقع إلى كتب التاريخ، وكذلك بعيدًا عما يثار بشأن الطموحات السعودية بشأن انتقال الحكم، بطريقة سلسة، وكذلك مد الجسور عبر تل أبيب إلى واشنطن، يبقى السؤال: ماذا يحصل الفلسطينيون من صفقة التطبيع بين الاحتلال والمملكة؟

هل هناك "سمسرة ما" ستحظى بها السلطة الفلسطينية؟

المؤكد أن تحسين ظروف الفلسطينيين، يمثل مطلبًا رئيسيًا للسعودية، لعدة اعتبارات منها تسويق "الصفقة" للرأي العام العربي، والسعودي منه على وجه الخصوص، بعد نحو سبعة عقود تبنت المملكة خلالها خطاب الرفض ورفعت لواء حل الدولتين و"الأرض مقابل السلام".

وفي هذا الإطار مهدت دولة الاحتلال، للصفقة التي تسعى إلى إبرامها مع الرياض، بالإعلان عن تقديم تسهيلات اقتصادية غير مسبوقة للجانب الفلسطيني، ونقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن مسؤولين من الائتلاف المتطرف الحاكم أن المساعدات للفلسطينيين قفزت إلى مئات الملايين، وشملت تقليص ضريبة المحروقات، لتصل إلى 1.5% بدلًا من 3% كما قالت الصحيفة إنه تم تحويل 91 مليون دولار إلى السلطة الفلسطينية.

وربط المسؤولون الإسرائيليون، بين هذه "التسهيلات" وبين التطبيع المرتقب مع السعودية، وهو الأمر الذي يعني بالضرورة أن المملكة طلبت بطريقة أو بأخرى تحسين الأحوال المعيشية للشعب الفلسطيني، شرطًا لإبرام الصفقة.

غير أن السلطة الوطنية الفلسطينية، نفت في بيان رسمي لوزارة المالية وجود تسهيلات مالية، ووصفت التصريحات الإسرائيلية بالمضللة الكاذبة، بل إن الاحتلال تعمد مضاعفة خصومات أموال العائدات الضريبية بشكل غير مسبوق، وتتراوح تلك الخصومات بين 62 إلى 67 مليون دولار شهريا أي ما نسبته 25 في المئة من أموال العائدات الضريبية للسلطة الفلسطينية.

تلك إذن قسمة ضيزى.. تريد إسرائيل منها انتزاع كل شيء، من دون أن تقدم أي شيء، وهو الأمر الذي يذكر بالمرابي اليهودي "شيلوك" في رائعة شكسبير "تاجر البندقية".

ووفقًا لمجلة "إسرائيل ستراتيجيز إيشيوس"، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لا يجد الطريق ممهدًا لإبرام صفقة مع الجانب السعودي، هذا رغم أهمية هذه الصفقة، بالنسبة له شخصيًا، إذ إنه على رأس ائتلاف حكومي غير متجانس سياسيًا، كما تحاصره الانتقادات الداخلية، إثر قانون السلطة القضائية الذي يناهضه اليسار الإسرائيلي.

حسب تلك المعطيات، فإن نتنياهو يحتاج إبرام الاتفاق، لكن هناك عقبات في طريقه، على رأسها، أن تيارًا متطرفًا في ائتلافه الحاكم، يرفض تقديم أي مكتسبات للجانب الفلسطيني، إلى درجة أن تحسين معاملة الأسرى الفلسطينيين قوبلت برفض جارف لدى مناقشتها قبيل توجه نتنياهو إلى الأمم المتحدة الشهر الماضي.

وأمام اقتراح للصقور بحرمان الأسير من الزيارة الشهرية، والسماح بها مرة كل شهرين، ورغم رفض الجيش الإسرائيلي والشرطة ذلك بذريعة "عدم وجود جدوى من تفجير الوضع الفلسطيني"، لم يجد رئيس حكومة الاحتلال حلًا إلا إرجاء المناقشات في الاقتراح، إلى الاجتماع الوزاري المزمع خلال الشهر الجاري.

أما يمين الوسط الإسرائيلي، فلا يميل بدوره إلى تقديم "تنازلات"، بل إلى ترك الباب مفتوحًا أمام احتمالات حل الصراع "حين يتولى الأمور في المنطقة قادة جدد"، ما يعني أن تقديم ما يرضي السعودية ويحفظ للرياض ماء الوجه يبدو بعيدًا حتى الآن، وهكذا فالأرجح ألا يحصل الفلسطينيون من صفقة التطبيع التي انتقلت من "الهمهمات" أو الأحاديث السرية إلى العلن، على شيء، والأرجح أنهم سيخرجون منها بـ"خفي حنين" كما يقول المثل العربي القديم. 

وهكذا فإن الوضع الداخلي المعقد دفع صحيفة "فايننشال تايمز" إلى القول إن نتنياهو يمشي على "حبل ضعيف" وقد يسقط أرضًا في أية لحظة، بمعنى أن مستقبله السياسي قد ينتهي إذا مضى قدمًا في صفقة تطبيع ذات ثمن تسدده إسرائيل، التي يريد صقورها كل شيء، مقابل لا شيء.