محمد حماد يكتب: بعد القمة المزدوجة.. هل العرب جادون في إنقاذ غزة؟

ذات مصر

أنهكتني كلمات الحكام في المؤتمر المزدوج الذي جمع ٥٧ دولة عربية وإسلامية، وليس على جدول أعمالهم واهتمامهم غير بند وحيد هو إنقاذ غزة، وقبل أن تنتهي المكلمة استلقيت على ظهري في انتظار البيان الختامي، أغمضت عيني، وغصت في نوم عميق.

رأيتُ فيما يرى النائم أني استدعيت إلى مكتبي عددًا من المسئولين والدبلوماسيين والمفكرين وكبار رجال الأمن القومي من كل البلدان العربية، انعقدت على الفور جلسة مغلقة ومطولة انتهينا إلى عدة قرات هامة.

 لا أخفي عليكم أنه كعادة العرب حين يجتمعون كانت هناك اختلافات كثيرة، وآراء متباينة، كما كانت هناك مزايدات من البعض على ما رأوه ضعفًا في ردود أفعال البعض الآخر من المجازر اليومية في قطاع غزة المحتل، ولم تخل الجلسة من اتهامات متبادلة يرميها أحدهم في وجوه آخرين.

طرحت عليهم في البداية أن نقوم بجردة لنوعية ردود الأفعال التي نستبعدها نهائيًا، وتلك التي نفكر في عواقبها قبل أن نتخذ قرارًا بإقرارها، ثم تنتهي جردتنا إلى ردود الأفعال التي لا يمكن أن نتخطاها بدون أن نصدرها في قرارات ملزمة للجميع.

**

بدأنا بتلك التي لا فرار منها، وكان أولها كسر الحصار على قطاع غزة الذي يبدأ بتشكيل مجموعة عمل تتمثل فيها كل من مصر والسعودية والأردن والجزائر والعراق، تكون مهمتها التنسيق مع الأمم المتحدة وكل المسئولين الدوليين عن المنظمات والجهات الدولية العاملة داخل القطاع (الأونروا والصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية ومنظمات المهتمة بحقوق اللاجئين) وممثل رفيع المستوى من الأمم المتحدة لتشكيل خلية عمل دولية بالاشتراك مع الجهات المصرية المعنية تكون مهمتها الإشراف على المساعدات وضمان إدخالها من معبر رفح تحت حماية وبوجود ممثلي هذه الهيئات الدولة رفق كل قافلة تدخل من معبر رفح إلى الجانب الفلسطيني، وضمان تدفقها اليومي بالأعداد المناسبة والمساعدات الضرورية وعلى رأسها الاحتياجات الطبية ومساعدات الغذاء والماء وكذلك الوقود المطلوب.

على المستوى السياسي قررنا أولًا أن يجري على الفور وقف وتجميد كل أنشطة التطبيع بين أي دولة عربية وبين إسرائيل، وأن تقوم الدول التي لها علاقات ديبلوماسية مع الكيان الصهيوني بسحب سفيرها، والطلب من سفير الكيان مغادرة البلد.

كما قررنا منع الطيران الإسرائيلي من استخدام الأجواء العربية، والطلب من الأميركيين عدم استخدام قواعدهم في الدول العربية لتزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة.

وكان القرار الثاني أن ننهي خصومة الأنظمة العربية مع شعوبهم وأن تفتح الأبواب واسعة أمام الشعب العربي في كل بلدان العرب للانتفاض تضامنًا مع فلسطين والتظاهر دعمًا للمقاومين في الضفة وغزة، مع توجيه تحية الاحترام والتقدير إلى كل أحرار العالم الذين تظاهروا ضد العدوان الهمجي الوحشي الإسرائيلي، وأولئك الذين دعموا ـ وما زالوا يدعمون ـ حق الشعب الفلسطيني في حياة حرة كريمة على أرضهم.

**

على المستوى الاقتصادي تقرر أن تقوم الدول العربية المصدرة للغاز والنفط بتخفيض إنتاج النفط والغاز، مع إبلاغ كل الدول الداعمة للعدوان الإسرائيلي عن البدء في تقليل الحصص المصدرة إلى هذه البلاد بنسب متزايدة ما لم توقف إسرائيل عدوانها على القطاع فورًا، وتسارع إلى وقف كل إجراءاتها الإجرامية التي تمارسها ضد شعب الضفة.

الاجتماع الذي استغرق ثلاث ساعات (هي المدة التي غفوت فيها على الكنبة أمام التلفزيون الناقل لاجتماع القمة المزدوجة العربية الإسلامية) استبعد التلويح بتفعيل نصوص ومواد معاهدة الدفاع العربي المشترك بين دول الجامعة العربية، كما استبعد المباشرة الفورية في قطع الغاز والنفط عن إسرائيل والدول الغربية الداعمة لها في حربها ضد غزة، والتعامل مع هذه النقطة بجدولة تتصاعد إذا لم يتم الوقف الفوري للعدوان.

وكان توافق المجتمعين مجمعًا على لاءاتٍ ثلاث، أنه: لا يمكن السماح باستمرار العدوان ولو ليوم واحد إضافي، ولا لإعادة السفراء أو تنشيط التطبيع قبل الوصول إلى حل نهائي يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه كاملة غير منقوصة، ولا تعاون بأي شكل من الأشكال مع الدول الداعمة لإسرائيل.

**

استيقظت على صوت زوجتي تطلب مني أن أنتقل إلى النوم على السرير حتى لا تعاودني أوجاع الظهر وآلام الديسك. 

حين وصلت إلى سريري راجعت الرسائل التي تصلني عبر "الواتساب" فوجدت واحدة منها طويلة جدًا من صديق وزميل صحفي يشارك في تغطية المؤتمر المزدوج الجامع بين القمتين العربية والإسلامية وفيها نص البيان الختامي للقمة.

لفت الزميل نظري إلى ملاحظة أشار إليها بقوله إن البند الثالث تم تقديمه في البيان الختامي بعد أن كان يقبع مكان البند السادس في مشروع البيان.

قفزت فوق الديباجات المطولة التي تحوي تأكيدات وتوضيحات وإشارات ووصلت إلى البند الثالث، واستبشرت خيرًا حين شرعت في قراءته: (كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

تملكني غم وغيظ شديدين، وتساءلت من يكسر الحصار يا سادة، ومن يفرض إدخال القوافل، وكيف؟ ومن الموكل إليه دعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، ومتابعة تنفيذ كل هذه القرارات التي لا رجل لها ولا ساق تمشي عليه إلى التنفيذ على أرض الواقع؟

حين عاودت قراءة التفاصيل وجدت أن الأسوأ في بقية بنود البيان الختامي لقمة الـ57 دولة أنها كلها تبدأ بكلمات مثل المطالبة أو الطلب أو الدعوة، والتأكيد، وإعادة التأكيد (آه والله قالوا كده) والرفض والتنديد وكلها كلمات لا توقف عدوانًا، ولا تعبر عن موقف حقيقي واحد تجاه إنقاذ غزة من براثن الوحشية الإسرائيلية الأمريكية التي تنهش عظامة وتحول الأحياء والجمادات فيه إلى أشلاء.

ونمت مرة أخرى على غمٍ جديد.

**

ما تعلنه الألسنة غير ما تبطنه القلوب.

هذا بالضبط هو حقيقة الموقف العربي الرسمي المتناقض مع عموم الموقف العربي على المستوى الشعبي، رسميًا مواقف النظام العربي في السر لا تعكس ما يقال في العلن، بل تناقضه على طول الخط.

إسرائيل أول من يعرف حقيقة المواقف العربية، وهي تبدو مطمئنة، وفي بطنها 22 بطيخة صيفي، ولم تعد تزعجها تصريحات تطلق للاستهلاك المحلي، لأنها مطلعة على جوهر المواقف التي تميل ـ وربما تحبذ ـ وبعضها يحرض في السر، على أن تتمم إسرائيل مهمتها الأساسية في القضاء المبرم على المقاومة واجتثاثها من التربة الفلسطينية.

تدرك إسرائيل أكثر من أي طرف في العالم أن أكثرية الأنظمة العربية تقوم بدورها في الإمساك بالأضحية حتى لا تفلت من سكين الذبح على الشريعة الإبراهيمية التي تجمع بين إسرائيل وبين بعض العرب اليوم.

وقد طمأن نتنياهو الذين انفض اجتماعهم في الرياض موجهًا إليهم حديثه العلني: "أقول شيئا واحدا لزعماء الدول العربية الذين يشعرون بالقلق على مستقبل بلادهم ومستقبل الشرق الأوسط، لن نتوقف قبل تحقيق الهدف والقضاء على حماس".

**

موقف دولي بين شريك أو متآمر، وموقف عربي بين متواطئ أو متخاذل، وكثير من فضائياتهم تتبنى الرواية الإسرائيلية وتكاد تنطق باسم الجيش الإسرائيلي.

أما غزة ـ كما الكعبة ـ فلها رب يحميها.