محمد حسنين هيكل.. 60 عامًا بين الصحافة والسياسة

ذات مصر

على مدى 60 عامًا أو يزيد تميز هيكل بحضور إعلامي وسياسي نادر على الساحة الدولية، جعلته مثار جدل كبير نظرًا لتداخل أبعاد كثيرة في شخصيته وعلاقاته المتشعبة مع رؤساء ومسؤولين حول العالم وخاصة علاقته وقربه من "الريّس" جمال عبدالناصر.

ولد الصحفي البارز محمد حسنين هيكل في 23 سبتمبر 1923 بحي الحسين في القاهرة، بينما تعود جذور أسرته إلى قرية باسوس في القليوبية.

التجربة الصحفية

بدأ هيكل أو "الأستاذ" عمله الصحفي في مصر الملكية تحت حكم الملك فاروق، حين دخل صحيفة "إيجبشن جازيت" عام 1942 صحفيا تحت التمرين بقسم الحوادث.

وبدأت مواهب الأستاذ تتفتق داخل الإيجبشن جازيت، واشتهر عنه إنجاز تحقيقات صحفية بارزة، كما كلف بتغطية بعض معارك الحرب العالمية الثانية من خلال زاوية معالجة مصرية، فتوجه إلى العلمين ووصف المعارك التي دارت فيها بين قوات الحلفاء والمحور.

وتوالت التغطيات التي نشرها الأستاذ في الجريدة التي كان يعمل بها، مما جعل الكاتب الشهير محمد التابعي رئيس تحرير مجلة "آخر ساعة" وقتها يقترح عليه الانتقال للعمل معه فيها عام 1944، قبل أن يشتريها لاحقا مصطفى وعلي أمين مؤسسا "أخبار اليوم".

وداخل أروقة "آخر ساعة" أنجز هيكل عدة تحقيقات وكتب عدة مقالات حققت له شهرة واسعة، جعلته يفوز بجائزة الملك فاروق، فقد غطى أحداثا دولية بارزة بينها حرب فلسطين، وانقلابات سوريا وإيران، واغتيال الملك عبد الله في القدس، وكذلك رياض الصلح في عمان، وحرب كوريا وحرب الهند الصينية الأولى.

وبناء على مقترح من رئيس تحرير "آخر ساعة" علي أمين، ترأس هيكل المجلة عام 1952 وعمره لم يكد يتجاوز 29 عاما.

ثورة يوليو

بعد حركة الضباط الأحرار عام 1952 والتي عرفت لاحقا بثورة 23 يوليو التي أنهت الحكم الملكي في مصر بإسقاط الملك فاروق الأول، عرف مسار محمد حسنين هيكل انعطافة نوعية تحول بسببها من صحفي معروف إلى رجل دولة ويد يمنى للرئيس جمال عبد الناصر.

في تلك المرحلة، انتقل هيكل إلى جريدة "الأهرام" رئيسا لتحريرها ومسؤولا عنها حيث استمر في المنصب نفسه إلى حدود 1974، ونجح في نقلها من جريدة معروفة إلى إحدى أهم المطبوعات في الوطن العربي والعالم.

وداخل الأهرام، أنشأ هيكل مجموعة مراكز بحثية مثل مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، واشتهر في الأهرام بعموده الذي حمل عنوان "بصراحة"، وكان يلخص فيه مواقفه من القضايا المحلية والإقليمية والدولية، وأكد مرارا أنه لم يكن يحصل على أفكار مقالاته من جمال عبد الناصر رغم أنه كان يطلع على التقارير الأمنية والسياسية التي يبعث بها السفراء والمسؤولون، إلى جانب نقاشاته المستمرة والمفتوحة مع "الريّس".

عُين هيكل وزيرا للإرشاد عام 1970 بقرار من عبد الناصر دون استشارة هيكل، وأخبره لاحقا أن القرار جاء في ظرف دقيق يتميز بحرب استنزاف ضد إسرائيل، فكان بحاجة إلى دور واضح ودقيق يؤديه رفيقه هيكل. وإلى جانب وزارة الإرشاد، أضيفت إليه مهام وزارة الخارجية لفترة قصيرة.

وبعد وفاة عبد الناصر وتدهور العلاقات بين السادات وهيكل، أصدر السادات يوم 2 فبراير 1974 قرارا بنقل هيكل من الأهرام إلى العمل مستشارا للرئيس، لكن هيكل رفض القرار وانسحب، وشرع في كتابة مقالات وتحرير كتب ونشرها خارج مصر.

علاقاته بالرؤساء

علاقة محمد حسنين هيكل مع جمال عبد الناصر، مشت وئيدة، كما كان يقول، إلى أن توطدت لدرجة أصبح فيها اليد الإعلامية والاستشارية الضاربة للرئيس.

فمنذ لقائهما الأول في حرب فلسطين التي شارك فيها عبد الناصر، وبعدها خلال الأيام السابقة ليوم 23 يوليو، لم تكد لقاءاتهما تنقطع قبل الإطاحة بالملك فاروق، واستمرت وتوطدت بعد الإطاحة به، ثم أصبحت في مستوى ذابت فيه الفوارق بعد سيطرة عبد الناصر على الحكم عام 1954.

وظل هيكل يرافق الرئيس كظله أينما حل وارتحل داخل مصر وخارجها، ومن خلال ذلك استطاع تكوين شبكة علاقات واسعة مع رؤساء ووزراء ومسؤولين في دول العالم المختلفة.

وقد لخص الكاتب الراحل أنيس منصور طبيعة العلاقة بين الرجلين في حوار مع قناة "أون تي في" يوم 21 أغسطس 2011، حيث قال إن "هيكل كان مفكّر عبد الناصر، وصاغ الفكر السياسي للزعيم في هذه الفترة، ولم يحصل أي شخص على هذا الدور، وأكاد أقول إن عبد الناصر من اختراع هيكل".

وعقب وفاة "الريّس" عبد الناصر عام 1970، ورغم أنه لم يكن خافيًا أن العلاقة بين السادات وهيكل لن تكون حتى قريبة من المستوى الذي عرفته أيام "ناصر"، فإن هيكل دعم السادات بقوة، خاصة خلال السنوات الثلاث الأولى من حكمه، وكتب سلسلة مقالات يشيد فيها بالرئيس الجديد واختياراته السياسية.

كما أيد هيكل السادات في حربه ضد مراكز القوى المتمثلة في الرجال الأقوياء الذين حكموا أيام عبد الناصر وكانوا يعارضون سياسة السادات، حيث انتهت المعركة بين الطرفين بفوز ساحق للسادات.

لكنّ العلاقات بين الرئيس الجديد وهيكل ساءت بشكل واضح بعد انتهاء حرب 1973، وبلغت درجة إصدار قرار رئاسي يوم 2 فبراير 1974 بنقل هيكل من الأهرام إلى الرئاسة مستشارا، وهو ما اعتذر عنه ورفضه.

وفي العام 1978 سحب منه جواز سفره ومنع من مغادرة مصر، وحوّل إلى التحقيق بناء على لائحة قدمها وزير الداخلية آنئذ النبوي إسماعيل، وبدأ معه التحقيق بتهمة نشر مقالات تسيء إلى مصر.

وبلغت الأزمة أوجها في سبتمبر 1981 عندما صدر قرار من السادات باعتقال هيكل ووضعه في السجن، ضمن حملة شملت كتابا ومثقفين وناشطين سياسيين، قبل أن يفرج عنه إثر مقتل السادات في حادث الاغتيال الشهير يوم 6 أكتوبر من العام نفسه.

وبعد توليه زمام الأمور في مصر، التقى الرئيس الجديد محمد حسني مبارك بهيكل لنحو ست ساعات كما حكى هيكل نفسه في كتاب "من المنصة إلى الميدان.. مبارك وزمانه"، حيث حاول مبارك الاستفادة من خبرة هيكل، الصحفي ورجل الدولة ذي الخبرة الواسعة والعلاقات المتشابكة محليا ودوليا، غير أن المياه لم تجد مجرىً لها بينهما، ليحصل نوع من "التنافر" بين الطرفين.

وزاد الطين بلة، أن نشر هيكل سلسلة الكتب والمقالات والمحاضرات التي كان ينتقد فيها النظام الجديد، خاصة ما تعلق منها بالسعي نحو التوريث. 

مؤلفاته

صدر لهيكل أول كتاب عام 1951 وحمل عنوان "إيران فوق بركان"، ثم تتالت مؤلفاته التي حظيت بمتابعة واسعة داخل الوطن العربي وخارجه، وترجمت إلى لغات مختلفة، وأثار بعضها انتقادات واسعة.

ومن بين تلك الكتب: "زيارة جديدة للتاريخ"، و"السلاح والسياسة"، و"خريف الغضب"، و"مدافع آية الله.. قصة إيران والثورة"، و"من المنصة إلى الميدان.. مبارك وزمانه"، و"لمصر لا لعبد الناصر"، و"الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية.. المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل"، و"ملفات السويس"، و"سنوات الغليان"، و"حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر"، و"عبد الناصر والمثقفون والثقافة".

كما صدر له أيضا "كلام في السياسة"، و"الإمبراطورية الأميركية والإغارة على العراق"، و"الزمن الأميركي من نيويورك إلى كابل"، و"العروش والجيوش.. كذلك انفجر الصراع في فلسطين 1948-1998: قراءة في يوميات الحرب"، و"قصه السويس.. آخر المعارك في عصر العمالقة"، و"أزمة العرب ومستقبلهم".