في ذكرى مولده.. حكاية الشيخ أحمد ياسين مؤسس «حماس» وصاحب نبوءة زوال «إسرائيل»

ذات مصر

منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في السابع من أكتوبر الماضي، وما صاحبها من مشاهد لدخول عناصر القسام لداخل دولة الاحتلال واقتحام العديد من القواعد العسكرية الإسرائيلية وآسر العشرات من مواطني الكيان وغير ذلك من مشاهد حركت مشاعر الملايين بالدول العربية والإسلامية.

هذه المشاهد، سرعان ما أعادت للأذهان تلك النبوءة التي أطلقها الشهيد الراحل الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس الذي تنبأ بزوال إسرائيل قبل أكثر من ربع قرن.

وكان الشيخ أحمد ياسين قد توقع في حوار تليفزيوني أجراه عام 1998 زوال كيان دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 2027.

ورغم اغتياله منذ أكثر منذ أكثر من 20 عاما، مازال الشيخ ياسين حاضر في القضية الفلسطينية سواء بنبوءته التي يؤمن قطاع كبير من الفلسطينيين بتحقيقها أو عبر حركة حماس التي أسسها ووضع لبناتها الأولي ومازالت تقود المقاومة وترفع راية الجهاد في وجه دولة الاحتلال.

وفي ذكري ميلاده، نحاول عبر هذه السطور التعرف عن قرب على الشيخ أحمد ياسين ذلك المجاهد القعيد الضرير الذي مازال حاضرا رغم غيابه عن المشهد من عقدين من الزمان. 

النشأة والتكوين

ولد أحمد إسماعيل ياسين، في 28 يونيو 1936 في قرية تاريخية تُدعى جورة عسقلان عام 1936 وهو  العام الذى شهد اندلاع أول ثورة مسلحة ضد الزحف الصهيوني المتنامي داخل الأراضي الفلسطينية.

وقبل أن يتجاوز عمره 5 سنوات فقد والده، والتحق بمدرسة الجورة الابتدائية وأكمل تعليمه حتى الصف الخامس فيها.

وعندما بلغ الثانية عشر من عمره، وبالتحديد عام 1948 شهد أحمد ياسين الهزيمة العربية الكبرى المعروفة بـ"النكبة"، وهو الأمر الذي كان له أثراً عميقاً في حياته الفكرية والسياسية لاحقاً.

بفعل النكبة، اضطر أحمد ياسين وعائلته للهجرة إلى قطاع غزة، ومرَت الأسرة بفترة صعبة من الفقر والجوع والحرمان، مثل معظم اللاجئين في تلك الحقبة الزمنية.

وعندما اشتد عوده، كان الشاب أحمد ياسين يذهب مع أقرانه إلى معسكرات الجيش المصري بحثا عن فائض الطعام ليجلبوه إلى أهلهم. 

في عام 1952، عندما كان في سن السادسة عشرة، تعرض أحمد ياسين لحادثة خطيرة أثُرت على حياته بشكل دائم حيث أُصيب بكسر في فقرات العنق خلال لعبه مع بعض أصدقائه، بعد 45 يوماً من وضع رقبته في جبيرة من الجبس، تبين أنه سيضطر لقضاء بقية حياته وهو رهين الشلل الذي أصابه في تلك الفترة.

ورغم تلك الحالة الصحية، ألا إنه واصل دراسته وحصل على الثانوية العامة من مدرسة فلسطين عام 1958. ثم عين مدرسا للغة العربية والتربية الإسلامية في الرابع من أكتوبر من العام نفسه، بعد اجتيازه اختبارا في وظيفة التدريس، على الرغم من اعتراض البعض في البداية عليه بسبب حالته الصحية ورفض مستشار الحاكم تعيينه بحجة ضعفه الجسدي، ولكن الحاكم نفسه أصر على تعيينه بعد أن رأى فيه العزيمة القوية.

النشاط السياسي 

في سن العشرين، شارك أحمد ياسين في المظاهرات التي نشبت في غزة احتجاجاً على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956، وأثبت خلال هذه المظاهرات قدراته الخطابية والتنظيمية الملموسة، حيث نشط جنباً إلى جنب مع رفاقه في الدعوة لرفض الإشراف الدولي على غزة، مؤكداً أهمية عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم.

بدأت مواهب أحمد ياسين الخطابية تبرز بشكل واضح، وأصبح نجماً بين دعاة غزة، حيث لفت ذلك انتباه المخابرات المصرية التي كانت تعمل في المنطقة، وفي عام 1965 اعتُقل في إطار حملة اعتقالات شملت دعاة الإخوان المسلمين .

أمضى أحمد ياسين نحو شهر في الزنزانة الانفرادية، ثم أُفرج عنه بعد أن تبين أنه لا علاقة تنظيمية بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين.

الداعية الثائر

بعد هزيمة 1967 التي أدت إلى احتلال إسرائيل جميع الأراضي الفلسطينية بما في ذلك قطاع غزة، استمر الشيخ أحمد ياسين في تحفيز المصلين من منبر مسجد العباسي الذي كان يخطب فيه، داعياً إلى مقاومة الاحتلال، كما نشط في جمع التبرعات ومساعدة أسر الشهداء والمعتقلين، ثم تولى رئاسة المجمع الإسلامي في غزة.

وفي عام 1982 اعتُقلته دولة الاحتلال بتهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة، وحُكم عليه بالسجن لمدة 13 عاماً، لكنه أُطلق سراحه مرة أخرى عام 1985 في إطار صفقة تبادل الأسرى بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .

تأسيس حركة «حماس» 

في عام 1987، توصل الشيخ أحمد ياسين إلى اتفاق مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة وقرروا تشكيل تنظيم إسلامي بهدف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم "حركة المقاومة الإسلامية"، المعروفة باسم "حماس" التي لعبت دوراً مهماً في الانتفاضة الأولي وأصبح الشيخ الزعيم الروحي للحركة.

مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية، في أغسطس عام 1988 بدأت السلطات الإسرائيلية بالنظر في وسيلة لوقف نشاط الشيخ أحمد ياسين، حيث داهمت منزله وفتشته، وهددته بالنفي إلى لبنان، ثم قامت باعتقاله مع المئات من عناصر حماس في مايو 1989 بعد تصاعد حوادث قتل الجنود الإسرائيليين واغتيال العملاء الفلسطينيين.

اعتقالات متكررة

في 16 أكتوبر 1991، أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكماً بالسجن مدى الحياة بالإضافة إلى 15 عاماً إضافياً على الشيخ أحمد ياسين، جاءت التهم الموجهة إليه في لائحة الاتهام بسبب دوره في التحريض على اختطاف جنود إسرائيليين وقتلهم، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.

في 13 ديسمبر 1992، حاولت مجموعة فدائية تابعة لكتائب عز الدين القسام، الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين وعدد من المعتقلين المسنين الآخرين، وخطفوا جندياً إسرائيلياً قرب القدس، وقدمت حماس اقتراحاً لإسرائيل بشأن مبادلة الجندي الإسرائيلي الذي اختُطف بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين، ولكن السلطات الإسرائيلية رفضت هذا العرض، بدلاً من ذلك شنت هجوماً على مكان احتجاز الجندي مما أسفر عن مقتله ومقتل قائد الوحدة الإسرائيلية المهاجمة، وكذلك قائد مجموعة الفدائيين.

وفي الأول من أكتوبر 1997، أُفرج عن الشيخ أحمد ياسين بعد محاولة فاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، في العاصمة الأردنية عمّان، حيث قبضت السلطات الأمنية الأردنية على اثنين من عملاء الموساد الإسرائيلي وسلمتهما لإسرائيل مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين.

ونتيجة لسنوات الاعتقال تضاعفت معاناة الشيخ الصحية وفقد القدرة على الحركة واضطر لاستعمال الكرسي المتحرك حتى استشهاده، كما عانى من فقدان البصر في العين اليمنى بسبب التعذيب الذي تعرض له أثناء التحقيق، وضعف شديد في قدرة الإبصار للعين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن، وحساسية في الرئتين، إضافة إلى أمراض والتهابات باطنية ومعوية.

وبعد إطلاق سراحه، ذهب للأردن واستقبله الملك الحسين في المطار قبل أن ينتقل إلى مدينة الحسين الطبية لتلقي العلاج، وزاره الملك بالمستشفى مرة أخرى كما زاره رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، وبعد 5 أيام عاد إلى قطاع غزة.

نبوءة زوال «إسرائيل»

في أبريل 1998، أُجريَ الشيخ لقاء مع الإعلامي المصري أحمد منصور في أول حلقات برنامجه شاهد على العصر، وتحدث حول مستقبل إسرائيل، معتمداً على القرآن وتوالي الأجيال، حيث تنبأ بانتهاء إسرائيل في الربع الأول من القرن القادم وبالتحديد عام 2027.

واستند الشيخ في نبوءته على أن الأجيال تتبدل كل 40 سنة، وأوضح أن الـ40 الأولى من الفلسطينيين كانت جيل النكبة، ثم جاءت الـ40 الثانية فانتفض الشباب وواجهوا، في حين سيكون جيل الـ40 الثالثة هو جيل التحرير.

استشهاد الشيخ أحمد ياسين

في السادس من سبتمبر 2003، تعرض الشيخ أحمد ياسين لمحاولة اغتيال من إسرائيل، حيث استهدفت مروحيات إسرائيلية شقة في غزة، حيث كان أحمد ياسين وإسماعيل هنية، وأُصيب الشيخ بجروح طفيفة في ذراعه اليمنى.

في 14 مارس 2004، نفّذ شابان من غزة ينتميان لكتائب القسام عملية ميناء أسدود التي أسفرت عن مقتل 10 إسرائيليين وإصابة 20 آخرين، هذه العملية مثلت بداية العد التنازلي لتنفيذ عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وقد حمّلت إسرائيل الشيخ نفسه مسؤولية تنفيذ هذه العملية ووصفتها بأنها "ضربة استراتيجية" وعملية نوعية.

بعد عملية ميناء أسدود، قرر وزير الأمن الإسرائيلي شاؤول موفاز، في اليوم التالي إلغاء الفروق في استهدافاتهم بين القيادة العسكرية والقيادة الروحية لحماس.

في 16 مارس 2004، اجتمع المجلس الوزاري المصغر لاتخاذ قرار بتنفيذ عملية دراماتيكية، وتبين لاحقاً أن هذه العملية كانت اغتيال الشيخ أحمد ياسين. بين 17 و21 مارس نفَّذ الجيش الإسرائيلي حملات عسكرية في مدن رفح وخان يونس وغزة أسفرت عن مقتل أكثر من 15 فلسطينياً.

وفي 22 مارس 2004، استشهد الشيخ أحمد ياسين إثر قيام مروحيات الأباتشي الإسرائيلية بإطلاق 3 صواريخ عليه أثناء عودته من صلاة الفجر على كرسيه المتحرك أمام مسجد المجمّع الإسلامي في حي الصبرة بقطاع غزة، وفي هذه العملية استشهد 7 من مرافقي الشيخ وأُصيب اثنان من أبنائه.

ورغم رحيله منذ أكثر من عشرين عاما مازال تأثير وأفكار وجهاد أحمد ياسين حاضرا فما قدمه يتجاوز فكرة الزمان والمكان، كما أنشئت مؤسسة إنسانية وثقافية باسم مؤسسة الشيخ أحمد ياسين الدولية في غزة عام 2018 بهدف المحافظة على تراث الراحل وذكراه، وتنمية القدرات والمهاراتِ المساندةِ للتوجه الحقوقي والإنساني، ونشر مفاهيم الحرية وممارستها واقعا بوصفها قيمة نذر الشيخ حياته للدفاع عنها.

كما تعمل المؤسسة على تشجيع البحث العِلمي والمبادرات في المجالات الحقوقية، وعقد المُؤتمراتِ العلمية الحقوقية المختلفة، بما يسهم في إحداثِ التطوير في ملف حقوق الإنسان، وتقديم خدمات اجتماعية وإنسانية.