سمية عسل تكتب: إيران ومعضلة توجية ضربات لا تفضي لحرب شاملة مع إسرائيل

ذات مصر

بات واضحا من تصريحات أمين حزب الله اللبناني حسن نصر الله أن الرد على إسرائيل سيكون من خلال الحرس الثوري الإيراني وكذلك الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة. رداً على استهداف إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية داخل مقر إقامته في طهران.

وهي دار ضيافة عسكرية للمحاربين القدامى تابعة لمؤسسة الحرس الثوري الإيراني منذ يومين.و أتوقع أن يقوم نصر الله بضربة منفردة تأتي تباعاً كرد على قصف إسرائيل لجنوب لبنان. الملفت في الأمر أنه وفق تصريحات خامنئي، فإن ايران تسعى للرد حفظا لماء الوجه خصوصا وأنه تم تدمير هيبتها العسكرية وفي نفس الوقت لا تريد الإنجرار إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل وكذلك الوضع بالنسبة لتل ابيب التي تقف عاجزة أمام الحرب في جبهات متعددة. في وقت يعيش فيه كلا الطرفين الإيراني والإسرائيلي أزمات إقتصادية وسياسية وعسكرية و أمنية خلفتها أزمة غزة على مدار عام كامل.

السؤال هنا يطرح نفسه كيف ستحل ايران معضلة الرد على إسرائيل حفظا لماء الوجه وفي نفس الوقت أن لا تنجر إلى حرب شاملة؟ خصوصا ان تصريح حسن نصر الله اليوم كان يشير إلى التأني قبل توجيه ضربات حقيقية للجانب الإسرائيلي والتي ستشارك فيها كل الميليشيات الإيرانية بالإضافة للحرس الثوري كطرف أساسي.

وقبل أن أجيب على هذا السؤال أريد أن أشير إلى أن الولايات المتحدة التي نفت علمها بمخطط إستهداف إسماعيل هنية رغم أن الكونجرس الامريكي هو من أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو في إجتماعه الأخير معهم ،عندما صفق اكثر من 500 نائب امريكي لنتنياهو حينما قال أنه سيفتح جبهة جنوب لبنان.

وأضاف أن الحرب في غزة لن تنتهي إلا بالقضاء على حماس. مما يعني ضمنيا موافقة امريكا على التحرك الإسرائيلي باستهداف هنية منذ يومين. اذا فمتوقع أن نرى الولايات المتحده الان وهي تحرك 12 بارجة بحرية في البحر المتوسط والبحر الأحمر .والملفت في الامر أن هناك حاملة طائرات امريكيه تقف على بعد كيلومترات من بوشهر الإيرانية في حالة تأهب لحدوث أي هجمات على إسرائيل. 

وفي حقيقة الأمر فإن اسرائيل التي تترقب الضربات الإيرانية تنتهج الآن نفس أسلوب إيران في تصدير "المظلومية" للعالم لكسب تعاطف دولي بإدعائها أن الهجمات الايرانية ستطال مؤسسات "يهودية" لتصدير فكرة مظلومية الدوله اليهودية المضطهدة في العالم بهدف كسب تعاطف دولي. 

وتبرير أي هجمات اسرائيلية على المدنيين ودول الجوار تحت ذريعة الدفاع عن الدولة اليهودية من أعداء السامية. مما دفع  بوزير الخارجية والدفاع البريطاني للتوجه فورا إلى لبنان لمحاولة التهدئة. 

فقد بات العالم يرى أن الأمور تسير في اتجاه صراع إقليمي لن يسلم منه أحد بعد استهداف ميناء الحديدة شريان حياه لليمنيين تلاه قصف أطفال مجدل شمس في الجولان ثم مقتل محمد الضيف وفؤاد شكر يليهم إسماعيل هنية في عمق طهران. بما يعد إزلال و إهانة للقيادة الايرانية والمؤسسة العسكرية. 

ولكنه في النهاية وحتى نكون واقعيين، ليس استهدافا للمصالح الاستراتيجية الإيرانية كالسفارات والقواعد العسكرية. رغم أن إيران عندما تم استهداف سفارتها في دمشق مؤخرا لم يكن ردها قاسي ولم يحدث خسائر لتل أبيب واضحة.

إذا فأنا أتوقع أن تكون الضربات الإيرانية تحاكي أوامر المرشد علي خامنئي بإستهداف الحرس الثوري للعمق الإسرائيلي عبر صواريخ ومسيرات ولكنها لن تستهدف بنى تحتية أو مدنيين لتجنب حدوث خسائر فادحة، ومنعا لإثارة غضب إسرائيلي قد ينتج عنه ردود تجر ايران والمنطقة لحرب مفتوحة.

في وقت تستخدم فيه ايران نظرية "المظلومية" لكسب تعاطف دولي بعد استهداف اسرائيل لأراضيها وقتل الضيف وشكر وهنيه ولربما تريد إيران أيضا تجنب أحداث خسائر فادحه داخل اسرائيل ستجر طهران لحرب شامله وهي التي تسعى لاستغلال انشغال العالم في الصراعات والأزمات من أجل إستكمال برنامجها النووي وتعزيز دعم الميليشيات بالأسلحة.

وهنا يمكنني القول أن نقطه "حجم الخسائر" هي من ستحدد بقاء الأزمة منحسرة داخل حدود الضربات النوعية التي ستقوم بها طهران لحفظ ماء الوجه، أو أن يتطور الأمر إلى حرب مفتوحة بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي. 

ولعل حرص إيران على الاجتماع بكافة الاذرع التابعة لها في المنطقه وتأخر إعلان إيران عن تفاصيل عملية الرد على اسرائيل يعود للسبب الذي ذكرته وتخوفات لدى طهران في عدم القدرة على السيطرة على ردود أفعال باقي الميليشيات التابعة لها. والتي قد تبالغ في الرد وتحدث خسائر فادحة تستفز إسرائيل لتوجيه رد أشرس يؤدي إلى حرب مفتوحة مع ايران وهذا ما تخشاه الأخيرة. 

وأيضا علينا أن لا نغفل أن إيران تمر بوقت صعب خصوصا وان اسرائيل كل يوم تعلن عن حادث اغتيال أحد رموز الميليشيات التابعه لطهران بدءا من فؤاد شكر ثم إسماعيل هنيه والاخطر من ذلك هو توقيت إعلان اغتيال محمد الضيف.و الذي قررت إسرائيل الإعلان عن مقتله في هذا التوقيت الحرج. 

رغم أن حادث استهدافه مر عليه شهر. وهذا له دلالة واضحة،وهو أن نتنياهو يتعمد استفزاز إيران لتبدأ هي شرارة الحرب مما يطيل من فترة جلوسه على الكرسي وتأخير تنفيذ قرار إعدامه سياسيا من قبل شعبه بسبب حرب غزه المتهم الاول فيها.أو على الأقل حتى يتم اختيار رجل البيت الأبيض قريبا.

الملفت أن هناك انباء في الإعلام الإسرائيلى عن تعزيز التأمين والحماية لمقر تواجد نتنياهو وهذا أمر لم نسمع به في ذروة الأزمة، حينما قامت ايران بإستهداف تل أبيب بعد حادث قصف الاخيرة لسفارة طهران في دمشق. 

مع العلم أن الرد الإيراني حينها لم يتدخل فيه حزب الله ولعل  هذا هو السبب في حالة الذعر التي تعيشها إسرائيل الان بعد تصريح حسن نصر الله اليوم بأن كافه الجبهات ستفتح على إسرائيل وتشمل جبهة حزب الله، المعروف عنه إمتلاكه ل 200 ألف صاروخ وفق تقارير معلنة، هذه الصواريخ هي فجر1 وفجر 2 وبركان وزلزال1، وأخطرهم فاتح110 M600 وهو صاروخ موجه بدقه متوسط االمدى يصل 300كم.

وهذا يضاف لترسانة صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى تصل الى 400 كيلو متر. فيمكنك ان تتخيل حجم الخسائر التي قد تحدث لتل ابيب بسبب دولة تجاورها بريا وهي لبنان. 

والخطر الأكبر بالنسبة لإسرائيل من وجهة نظري هو ان تفعل أذرع ايران سياسة التمويه كأن يطلق حزب الله بعض من هذه الصواريخ لإشغال وإلهاء الدفاعات الجويه الاسرائيليه عن صواريخ ايرانيه اخرى تابعة للحرس الثوري تستهدف عمق تل ابيب. وهنا سيتحقق تصريح خامني خلال تشييع جثمان اسماعيل هنيه. بأن الرد سيكون بالأصالة وبالوكالة.

وهنا السؤال يطرح نفسه الى أي مدى ستتحمل تل ابيب هذه الحرب المفتوحة في عدة جبهات. قد تتبع سياسة التمويه لإرباك المنظومات الدفاعية الاسرائيلية. او ان تستخدم ايران تكتيك عسكري مبتكر بأن تنسحب هي من صدارة المشهد القتالي مع اسرائيل وتكتفي بتوجيه ضربه حفظ ماء الوجه التي وعد بها خامنئي خلال تشييع إسماعيل هنية.

وإن تصدر لإسرائيل أذرعها في عملية إلهاء لمنظومه الدفاع الجوي والقبه الحديديه الاسرائيليه. يليها تسديد ضربات ناجحه للعمق الإسرائيلي. فيصبح هناك جيش نظامي إسرائيلي في مواجهة ما يشبه حروب الشوارع  من كافه الاتجاهات والجبهات. 

وقد أثبتت التجارب أنه يستحيل على أي جيش نظامي الصمود في مثل هذه الحروب ولنا في أمريكا مع الصومال وفيتنام العبره التاريخية.