د.سمية عسلة تكتب: اليوم الذي يعقب مقتل الرئيس الإيراني

ذات مصر

أعلنت الحكومة الإيرانية اليوم وبشكل رسمي مقتل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان والممثل عن المرشد الإيراني في محافظة أذربيجان وجميع من كانوا على متن الطائرة التي سقطت في منطقة حدودية وعرة على الحدود ما بين اذربيجان وإيران، خلال افتتاح الرئيس الإيراني ونظيره الاذربيجاني للسد الثالث ما بين البلدين.ليتضح لنا أن هناك لعنات جديدة تصيب القادة على مستوى العالم بدءا من لعنه السدود المائية وصولا الى لعنة الطائرات. فهذا هو رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أصابته لعنة السد الذي جلب له ولبلده العقوبات والغرق في الديون والخسائر الاقتصادية الفادحة، وهذا هو الرئيس الإيراني الذي لاحقته لعنة السدود والطائرات معا فكان له النصيب الأكبر من لعنات السدود والطائرات معا.

إن الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي لم يكن بمثابة رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط بل كان المرشح الابرز لتولي منصب المرشد الاعلى خلفا ل"علي خامنئي" ويعد هو المنافس الأول لمجتبى نجل علي خامنئي على مقعد المرشد بل أن البعض ذهب الى حتمية تولي إبراهيم رئيسي منصب المرشد خلفا لعلي خامنئي وخلال فترة انتقالية قبل تولي مجتبى هذا المنصب وهي فترة انتقالية تصل الى سنه ونصف في حال موت خامنئي.

ولطالما كانت الكتلة الغربية متمثلة في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل ترى أن إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان يشكلون حجر العثرة تجاه أي مفاوضات فيما يخص الملف النووي الإيراني وكذلك تحجيم دور الأذرع التابعة لإيران في المنطقة وعلى رأسها الحوثي الذي يهدد المصالح الدولية الآن في البحر الاحمر ،بزعم نصرة القضية الفلسطينية ودعما لمحور المقاومة في التصدي لجرائم إسرائيل داخل غزه والضفة الغربية على سواء.

وعن آلية اختيار الرئيس الإيراني في هذه الظروف فإن

المادة 131 من الدستور الإيراني تنص على :

"في حالة وفاة رئيس الجمهورية ، أو عزلة ، أو استقالته ، أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين ، أو في حالة انتهاء فترة رئاسة الجمهورية وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية نتيجة وجود بعض العقبات أو نتيجة ظروف مشابهة ، يتولى النائب الأول لرئيس الجمهورية مهام رئيس الجمهورية ، ويتمتع بصلاحياته بموافقة القيادة ، وعلى هيئة مؤلفة من رئيس مجلس الشورى الإسلامي ورئيس السلطة القضائية والنائب الأول لرئيس الجمهورية أن تحضّر لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال خمسين يوماً على الأكثر . وفي حالة وفاة النائب الأول لرئيس الجمهورية أو وجود أمور أخرى تحول دون قيامه بواجباته ، وكذلك في حال لم يكن لرئيس الجمهورية نائب أول، تعيين القيادة شخصاً مكانه"

وقد قام خامنئي منذ ساعات بإعلان تولي محمد مخبر نائب الرئيس منصب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمدة أقصاها 50 يوم يتم خلالها إجراء انتخابات لاختيار الرئيس . وهو الرجل الذي تلاحقه العقوبات الدولية المرتبطة بفساد كان يرعاه خلال توليه منصب الإدارة في احدى البنوك الإيرانية، من خلال تسهيل قروض حصل عليها مجتبى نجل علي خامنئي .ورغم أن أخر انتخابات تمت في إيران الأسبوع الماضي وقد كانت انتخابات برلمانية لم تشهد إقبال شعبي حيث وصلت نسبة الإقبال على الانتخابات 8% فقط من الشعب الإيراني الذين أدلوا بأصواتهم ما يشير الى أن الشعب الإيراني قد سئم من وجود عملية ديمقراطية شاملة في الجمهورية الإيرانية. وانه في كل الأحوال سيأتي الولي الفقيه باتباعه ليتولوا المناصب القيادية في الدولة.فلا جديد يمكن أن يقدمه رجال خامنئي للشعب الإيراني. فطالما علت الأصوات الشعبية الإيرانية من كافة الأطياف ومستويات الثقافة والتعليم والفئات العمرية المختلفة منددين جميعهم بقمع الحريات وتكميم الأفواه داخل إيران في ظل حكومة إبراهيم رئيسي ومن قبله حكومة روحاني التي افضت الى دولة تعاني من انهيار في البنى التحتية ومعدلات تضخم تجاوزت 50% ومؤخرا هناك تقارير تشير الى أن العملة الإيرانية فقدت 25%من قيمتها خلال الاشهر القليله الماضيه. وقد عجزت حكومة رئيسي عن إيجاد حلول لهذه الأزمات الاقتصادية والإنسانية والسياسية على مدار السنوات الماضية. إخفاقات حكومة إبراهيم رئيسي صنعت ضغط شعبي إيراني كبير على المرشد الاعلى علي خامنئي ونظامه والبرلمان الواقع تحت سيطرته بشكل غير مباشر. وصلت حد المظاهرات التي رجت الشوارع الإيرانية على مدار ثلاث اشهر متواصلة في حادث مقتل مهسا أميني على يد قوات البسيج التي أنشأها النظام الإيراني "لضرب الشعب بالشعب" وصنع كتيبة مدنية تنفذ توجيهات المرشد وحرسه الثوري ولكن تحت غطاء عسكري.

هل أصبحت حكومة إبراهيم رئيسي عبء على المرشد؟

ما جعل المرشد الإيراني علي خامنئي يشعر في وقت من الأوقات أن حكومة إبراهيم رئيسي والتي تشمل وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان بمثابة صداع في رأس المرشد.لم تأتي بحلول للأزمات بل ساهمت في خلق أزمات جديدة على مستوى داخلي إيراني وعلى صعيد دولي. رأيناه جليا في فشل مفاوضات فيينا التي انعقدت لأكثر من دورتين دون الوصول الى حلول ترضي كافة الأطراف في الملف النووي الإيراني وتساهم في تخفيف حدة العقوبات الدولية على إيران. وقد شاهدنا آثار هذه العقوبات في حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني المقتول ابراهيم رئيسي أمس حيث كانت الطائرة صناعه امريكيه من طراز قديم تعود الى زمن الشاه. وقد عجزت إيران عن استيراد طائرات جديدة بسبب العقوبات الأمريكية الموقعة على قطاع الطيران في إيران.وفق آخر احصائية لعام 2021 تشير الى أن 50% من طائرات إيران متوقفة بسبب نقص قطع الغيار كذلك فإنه في عام 2016 طلبت إيران 580 طائرة على مدار 10 سنوات مقبلة لتجديد أسطولها الذي يبلغ 300 طائرة فقط، ولكن الطلب الإيراني قوبل بالرفض بل انه في عام 2018 شملت العقوبات الأمريكية الطائرات الفردية الإيرانية ومنعت الولايات المتحدة إيران من استيراد الطائرات حتى تلك التي تحتوي على 10% من قطع الغيار الأمريكية. وقد طالبت إيران ب 200 طائرة من شركة تصنيع غربية ولم تستلم سوى ثلاث طائرات إيرباص و 13 محرك من فرنسا وإيطاليا وكان ذلك قبل أن تدخل إيران حيز العقوبات الأمريكية عام 2018. وقد قدمت شركة ماهان وهي احدى شركات الطيران الإيرانية العديد من الشكاوى لعدم حصولها على قطع غيار لأسطول طائراتها تزامنا مع شكاوى كثيرة لشركات طيران إيرانية أخرى بسبب عزوف السياح الإيرانيين عن ركوب الطائرات الإيرانية خوفا على حياتهم. ولكن شركة ماهان للطيران لم تستسلم وقد كانت تلتف على العقوبات الأمريكية بتسيير رحلات الى ميلان وبرشلونة بنفس السياسة الإيرانية التي كانت تقوم على إسعاف الاقتصاد الإيراني عبر الالتفاف على العقوبات الأمريكية على النفط وتصديره الى الصين بأسعار مخفضة.

عطل فني أم محاولة اغتيال؟

جميع المؤشرات حتى الآن تشير لأنه محاولة اغتيال للرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته وقد نجحت بالفعل. فعلى سبيل المثال كيف لرئيس الجمهورية الإيرانية أن يغامر بحياته ويصعد للطائرة لحضور حدث ليس بالأهمية الكبيرة رغم تلقيه تحذيرات بخصوص سوء الطقس والضباب وكيف للطائرتين المرافقين لطائرة الرئيس أن تعودا سليمتين دون خدش، وكيف لطائرة الرئيس في ظل هذه الظروف المناخيه الصعبه أن تقلع دون مضاعفة التأمين عليها وتزويدها بأحدث أنظمة الملاحة، ولما تحرك طاقم الإسعاف بعد ساعتين ونصف من الإعلان عن فقد طائرة الرئيس،وهل الخلية التي تم تكوينها والمنوط بها تتبع الأمر وإيجاد حلول جميعها من الوزراء اذا فأين هم الأطباء والفنيين الأخرين. اين هو وزير الصحة على أقل تقدير من هذه الخلية. مع ضرورة إلقاء الضوء على تخبط التصريحات الإيرانية من قبل قاده الحرس الثوري الإيراني وكذلك تخبط الرسائل الإعلامية الإيرانية ما بين نفي وتأكيد في نفس اللحظة. ما يشير الى أن راس النظام علي خامنئي كان لديه معلومات موثوقة حول الحادث ولكن إعلانها كان مثابة وقت وذلك يعود تخوف النظام من الانقسامات التي قد تحدث داخل المنظومة العسكرية الإيرانية وردود الأفعال الإيرانية على مستوى شعبي حيث أن الجمهورية الإيرانية لم تتخطى تبعات الفوضى والمظاهرات المطالبة بإسقاط النظام من بعد حادث مقتل الفتاة الإيرانية مهسا أميني.

وان كان سيناريو اغتيال الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي مطروح وبقوة الآن فهذا سيأخذنا الى تساؤل مهم لماذا في هذا التوقيت يتم إسقاط طائرة تحمل رئيس إيران ووزير خارجيته معا. هل هي محاولة جر المنطقة لصراع إقليمي للفت الأنظار بعيدا عن مشروع نوفوروسيا الذي يقف عند حدود الاراضي الاوكرانية.أم هو محاولة تخفيف العبء عن الولايات المتحدة وأوروبا في هذه الحرب، أم أنه للفت الأنظار بعيدا عن مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يقف عاجزا عند الحدود المصرية الفلسطينية والموقف الثابت للرئيس السيسي الرافض للتنازل عن سيناء و الموقف الاردني الرافض لتصفية القضية الفلسطينية على حساب سيادة الأردن على أراضيها. أن كانت أصابع الاتهام تشير إلى الكتلة الغربية كمنفذ لعملية مقتل الرئيس الإيراني ونقل الصراع الى الحدود الإيرانية فإن ذلك لن يجعل أوروبا والكتلة الغربية في مأمن من العربدة الحوثية في البحر الأحمر التي ستطال المصالح الدولية كافة ولن يكون ورقة للضغط على إيران للتراجع بضع خطوات في ملفها النووي، وهذا ما وضحته صحيفة معاريف الإسرائيليه التي قالت أن مقتل ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته لن يشكل ضغط إيجابي على إيران للتراجع في الملف النووي ودعم الأذرع التابعة لها وعلى راسهم الحوثي الذي يقوده هجمات على المصالح الدولية في البحر الأحمر بزعم دعم أهل غزة. تضارب الرسائل الإعلامية لم يقف عند إيران فقط بل وصل إلى إسرائيل حيث ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن إبراهيم رئيسي كان من اشد الكارهين للدولة الإسرائيلية وكان ينكر مجزرة الهولوكوست. وقد اضطرت بعض الصحف الإسرائيلية ومنهم صحيفة هيوم الإسرائيليه بالبدء في تبرئة إسرائيل من حادث مقتل الرئيس الإيراني وقبل أن يوجه لإسرائيل أي إتهام وقبل الإعلان عن مقتل ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته وهذا هو الملفت في الأمر.

وهناك سيناريو آخر لمقتل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته يسير في اتجاه اتهام نظام المرشد بالتواطؤ في تقديم معلومات سهلت عملية اغتيال إبراهيم رئيسي وامير عبد اللهيان. خصوصا انه بعد مقتل قاسم سليماني بعام واحد قام النظام الإيراني باعتقال وإعدام بعض ضباط الكبار في الحرس الثوري بتهمة التجسس لصالح الموساد واعطاء معلومات عن الضباط الإيرانيين. وهذا السيناريو يدعم رؤية أن حكومة رئيسي اصبحت عبء على المرشد علي خامنئي وخطر يهدد نجله مجتبى خامنئي كوريث لمقعد المرشد الإيراني. وان فرضنا صحة هذا السيناريو فإن النظام الإيراني يسير وفق رؤية ضرب عصفورين بحجر واحد فهو تخلص من نظام سياسي يشكل عبء على المرشد والدولة الإيرانية ويسبب لهم الحرج الدولي وفي نفس الوقت هو ضغط على الجانب الإسرائيلي المتهم الأول في هذا الحادث. بهدف توريطه وإضعاف موقفه دوليا.