عن رواية جديرة بالقراءة

نساء المحمودية رواية الشعب، بين بساطة اللغة وخفة ورشاقة الوصف.. نهى صبحي

نهى صبحي
نهى صبحي

من السطور الأولى يجيد الكاتب اللعب على حواسك ببراعة كعازف محترف؛ فأنت لا تقرأ فحسب بل ترى  وتلمس وتشم وتتذوق وتشعر رواية سينمائية من الدرجة الأولى لذلك أسرتني نساء المحمودية.

 يتلاعب منير عتيبة بوترك الحساس بين ذكرياتك الجميلة بما فيها من قبح التي لا ترغب في نسيانها وبين تطلعاتك المستقبلية التي تنبثق بنعومة من بين حاضرك الراهن...لتجد نفسك ثمِلاً في أثناء القراءة تترنح بين الماضي والحاضر وتتطلع إلى المستقبل… فالحاضر ما هو إلا جزء من ماضيك، قطعة من صورة مستقبلية عليك أن تقضي حياتك في البحث عن بقية أجزائها المفقودة  وكأنك تلعب البازل وكلما عثرت على قطعة كلما زاد حماسك لإيجاد القطعة التالية...
أما عن عدسة الكاتب الخاصة فلقد عايشت من خلالها أزمنه لست من أبناء جيلها وكأني ولدت هناك أشعر أني عاصرتها بكل جوارحي من خلال أحداث الرواية...
ومن المشاعر الحية والصور المميزة هذا الجزء الممتلئ بالحياة (الأولاد يركضون عليه صاعدين السلالم عابرين المحمودية الجديدة بطرقها السريعة والبطيئة وكورنيشها الزاهي يعبرون من ناحية خورشيد البحرية إلى خورشيد القبلية ويعودون ترن ضحكاتهم في الهواء بعضهم يطير طائرات ورقية ملونة يحاول إسقاط طائرات الآخرين بها )
تلك الكلمات تبث في روحك التفاؤل وتجدد طاقتك...
أما في جمال الوصف و انفراد الحالة هنا (تختلي بنفسها قبيل المغرب فوق السطح تحب وداع الشمس الغاربة ضوؤها الحاني المنكسر يمس روحها أكثرمن ضوء الظهيرة المتكبر الجبار تجرش الملح مجترة أحداث اليوم والأيام الماضية والأشهر التي سبقتها تتصاعد حدة الغضب في نفسها تغمض عينيها كأنها تخشى أن يخرج الغضب ناراً منهما يحرقها قبل أن يحرق  أي شيء آخر)

وبالرغم من وجود نساء شريرات وأخريات طيبات إلا أن الكاتب كسر أحادية الشخصية داخل النص فالشر هنا ليس مطلقًا ولا الخير مطلقًا، لكن الشر مبرر والخير مبرر وكل منهما بقدر على سبيل المثال تقلبات شخصية رضوى الواضحة وتخبطها بين الخير والشر والاستسلام والضعف والتحدي أحيانا يستيقظ الوحش بداخلها وأحيانا تقهر هي نفسها قهرا أشد من ذلك الذي تقابله من المجتمع وتجلد ذاتها دون رحمة...القوي والضعيف متجاورين بل اخويا أحيانا الأمر نسبي...من براعة الوصف والحياة التي تدب في الصور لدى الكاتب فأنا ما زلت أتذكر الفستان الأخضر المرصع بالزهور في أول صفحات الرواية رغم أنني أنهيت الرواية التي تخطت الثلاث مائة صفحة ألا أنه لا يفارق خيالي أو ربما تمنيت أن ارتدي واحدا مثله.. رواية جميلة تستحق القراءة وكأنني ذهبت في رحلة عبر الزمن من خلال صفحاتها وكانت رحلة مبهجة ومشبعة وثرية بالمعلومات التاريخية الممزوجة بعذوبة السرد وجزالة اللغة.
من أراد تجربة السفر عبر آلة الزمن عليه قراءة نساء المحمودية