هشام الحمامي يكتب: هل تكون "طوفان الأقصى" طفرة تاريخية؟

ذات مصر

الشهور العشرة الماضية من (طوفان الأقصى) كانت أشبه بالمطرقة التاريخية الكبرى التي نزلت على رأس الأحداث والوقائع، فأحدثت بها (طفرة) كتلك الطفرة الجينية التي تحدث في تتابع الـ (دي إن إيه) فتؤدى إلى تغيير في قواعد الاستنساخ، يقول العلماء أنها وليدة حدث مفاجئ وتغيرات بيئية وما إلى ذلك..

فكل شيء كان مفروضا أن يحدث طوال السنين الماضية من الخمسينيات ولم يحدث.. حدث في عشرة شهور.. كل شيء حرفيا.. ذلك أن الأمة عاشت طوال السبعين سنة الأخيرة على حقيقة واحدة، هي الصراع مع إسرائيل، وكانت الستينيات والسبعينيات ذروة تشابك هذا الصراع، وتداخله وتدخله في كل تفاصيل الواقع العربي من سياسة واقتصاد واجتماع وأدب..الخ .. 

كل شيء تم حصاره ومنعه وأحيانا قتله على شرف (لاصوت يعلو على صوت المعركة)  .. 

ولا صوت المعركة علا .. ولا صوت الناس علا..                                                     

صوت إسرائيل والنظام العربي الرسمي الذى استقوى على الناس الغلابة بحجة إسرائيل، فقط هو الذى علا واستعلى على رقاب الناس.

وتم تشكيل واقع يشبه الحقيقة، وإن كان لا علاقة له بالحقيقة على الإطلاق، ماذا يقول هذا الواقع؟ 

يقول أن إسرائيل قَدَرا حتميا، وأنها وجدت لتبقى، وأن من يحاربها فهو سيحارب أمريكا ..                     

ولعل هذه الجملة الأخيرة هي أصدقهم، وقد رأينا وسمعنا شواهد تؤكد ذلك وتثبته، لكن الأهم الذي ثبت منه هو أن ذلك ليس بشيء! .. طلع أن إسرائيل وأمريكا والغرب (ولا حاجة)  ..

***

عشرة شهور كألف شهر.. وألف شهر تعنى 83 سنة وكسر من الشهور، وهي تقريبا المدة الزمنية التي توقع نتنياهو خلالها نهاية (إسرائيل)، استنادا الى تاريخ دولة يهودية سابقة لم تعش تقريبا غير هذه المدة (الدولة الحشمونائية)، لفت نظرنا إلى ذلك من 7 سنوات حين قال: أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين سنة، 

باستثناء فريد استمرت به هي دولة الحشمونائيم، بين عامي 140-37 قبل الميلاد لكن القراءات التاريخية تؤكد قراءة الثمان عقود (الثمانين سنة)، باعتبارها حقيقة تاريخية.

إسرائيل أصلا استدعت التاريخ وكونت به (حكاية)، أقامت بها (دولة)!

***

ولأن اليهود بالنسبة لنا في الثقافة الإسلامية ليسوا أكثر من حالة (الإنسان) في أسوأ حالاته البشرية: تمردا وعنادا وخداعا وكفرا بالنعمة وتطاولا على الحقائق، وانحرافا بالكتب المنزلة على الأنبياء بل وتحديا للأنبياء وقتلا لهم، لذلك لم نهتم كثيرا بتاريخهم السياسي.                                                               

***

وإن كانت الثقافة الأوروبية قد أعطتنا ما يكفي ويزيد عن تاريخهم الاجتماعي كما قال لنا إدواردو جاليانو (ت/2015م) كاتب أوروجواي الشهير ذكرنا بذلك حين قال: 

المذبحة الكبرى التي نظمها هتلر كانت امتداد لتاريخ أوروبي طويل، لقد كان اصطياد اليهود (تسلية) أوروبية على الدوام، والفلسطينيون الذين لم يمارسوا هذا (التسلية) قطّ، هم من يدفعون الثمن اليوم.

***

وبحديث نتنياهو عن الدولة الحشمونائية الذى قاله في أحد أعيادهم (عيد العرش) سنعرف أنهم سلالة حكمت الضفة الغربية والجليل، بشكل شبه مستقل، وكثير من المؤرخين يعتبرون أن الدولة الحشمونية هي بداية مملكة إسرائيل المستقلة التي تعرضت لغزو الإمبراطورية الرومانية للشرق في عام 63 قبل الميلاد.

كل هذا تاريخ لا قيمة له في تاريخ الحضارة الإنسانية، إلا بقدر ما يقدم من معرفة عن صعود وانحدار الأمم، وما يصاحب ذلك من ظلم (الإنسان) لنفسه، بابتعاده عن غايات وجوده على الأرض ميلادا ومماتا. 

***

الواقع الأن أكتسب خصائصه من وقائعه التي تجرى على الأرض، والكلام هنا لن يكون كلاما عما هو تاريخي كما قال نتنياهو عن الدولة الحشمونية، الكلام هنا الأن عما هو استراتيجي.

فصحيفة يديعوت احرونوت قالت من أسبوعين أن 10 آلاف قتيل وجريح إسرائيلي سقطوا من الجيش خلال هذه الحرب.. وهو ما أكده تصريح من داخل الجيش الإسرائيلي نفسه الخميس 15 أغسطس.

***

على أن قطاع غزة لا يٌقارن بجبهات المواجهة الأخرى وعلى رأسها "حزب الله"، والذي رغم دوره المساند كما هو معروف، إلا أنى أتوقع أنه سيندم كثيرا. 

لضعف قراءته للفرصة السانحة التي جاءت من (طوفان الأقصى) لحظة الندم هذه لا نتمناها أبدا، وأقل ما يقال فيها أنها لم تكن من القلب الاستراتيجي لمصالح الأمة.

إذا عٌدت إسرائيل هي رأس الرمح لغرب يعادينا ويحاربنا من القرن الثامن عشر، ولازال. 

ثم إن الواقع الدولي (الصين وروسيا وكوريا..) ما كان ليقف منتظرا النتائج أمام هكذا واقع دولي جديد يتشكل بقوة الحديد والنار، ناهيك عن الحضور الشعبى الذي لا يزال بالفعل رقما غائبا، ولم تتوافر له ظروف تحوله لرقم هام. 

وقد كان ذلك متوقعا إذا ما اتسعت دائرة المواجهة الهادفة للوصول (الحلم العربي) الذى طالما كان أغاني وموسيقى، وأصبح على مسافة محطة أو محطتين في الحقيقة. 

***

خروج أعداد القتلى والمصابين من الرقابة العسكرية ليس مقصودا منه توفير أخبار مثيرة للإعلام، المؤكد بالفعل أن المقصود به الإشارة المنذرة بـ (اتساع الفجوة بين القول والفعل).

فتصريحات السياسيين وتوصيفاتهم للحرب، لا علاقة لها بالواقع العملي والميداني، والجيش  مضطر إلى أن يجمع الجميع ويضعهم معه في إطار المشهد الحقيقى للواقع.. حتى لايشيل الشيلة كلها وحده . 

***

لكن الأخطر بالفعل هو تمزق التماسك الاجتماعي داخل تلك الدولة الهجين، الجميع يحذر من حرب أهلية داخل (الدولة اليهودية).                                                                                               

جانتس قالها صراحة: (حرب الأشقاء) قد تندلع في أي لحظة، والغرب يحذر من أن إسرائيل تسير نحو الانهيار، أصوات وأقلام كثيرة تحدثت وكتبت عن حرب داخلية وشيكة. 

***

عشرة شهور وأكثر قليلا مضت على (طوفان الأقصى) وحدث فيهم من التغيير اللافح لواقع الشرق الأوسط، وفى القلب منه قضية الأمة (فلسطين والأقصى)، ما كان يحتاج إلى ألف شهر.

بدأ من انكشاف أكذوبة القرن (إسرائيل)، وانتهاء بالإعلان الصادح عن القادم الجديد إلى هذا الشرق (البطل المقاوم) 

وما بينهما من روائع الوقائع، سوف تحكيها لنا الأيام والليالي القادمة.. 

أبسطها: انتشار الوعي الصحيح بالإسلام الصحيح.. ليس في العالم والغرب فقط، بل في عالم الإسلام نفسه!! وتلك أخطر النتائج. 

أهم بركات الشهور العشر الأخيرة، أقصد (الألف شهر) الأخيرة.. دغدغة و تحطيم كل الأصنام والأوهام والأغلاط .

وصدق من قال إن صح منك العزم، هٌديت إلى الرشد.