هشام الحمامي يكتب: اللّوم النبيل.. بعد الحزب.. حماس تقصف تل أبيب!

ذات مصر

بعد أقل من 24 ساعة من رد (حزب الله) على مقتل رئيس أركان جيشه (فؤاد شكر) قامت (حماس) بعمل لا يقوم به إلا حماس، ليس فقط في القدرة والجرأة والدقة، فتلك أشياء شهدناها على مدى 325 يوم، وأصبحت بالنسبة للعالم كله عادية جدا.. 

من خان يونس (جنوب غزة) سينطلق صاروخ ليستقر في قلب (أول مستعمرة) أقامتها الحركة الصهيونية في فلسطين سنة 1882م (ريشون ليتسيون).

ولم تتمكن الدفاعات الإسرائيلية من اعتراضه، وطبعا، سيكون سقوطه في منطقة مفتوحة أرض خلاء (خرابة يعنى) فمن سيرى؟. بل ومن سيعرف أنها عين عيون تل أبيب وأفخر ضواحيها. 

ولأن(المقاومة) اعتصرت في قلبها عصارة العصارة من الصدق والإخلاص مع (الله) الواحد القهار، وهى التي ليس لها (أرباب متفرقون) هنا وهناك.. وهناك وهنا، فقد كان إطلاق الصاروخ (مقادمة إم 90) فى (زمانه ومكانه) الأكثر توفيقا على الإطلاق.
لماذا؟ 
***
دعونا نعرف أولا أن تسميتة نسبة للشهيد (إبراهيم المقادمة) أحد كبار مؤسسي (كتائب القسام)، الذي استشهد عام 2003م .. فالنبلاء، دائما أوفياء.

أول مرة أطلقته المقاومة كان ليلة رأس السنة الماضية (يناير 2024م)، ولم يستخدم مرة ثانية إلا يوم 13 أغسطس، عشية زيارة أخطر شخصيتين في البيت الأبيض (ماك جورك) و(هوكشتاين) للمنطقة لبحث وقف اطلاق النار فى غزة !..وقصفت به تل أبيب يومها .. 

والمرة الثالثة كانت أمس 25 أغسطس، بعد هجوم حزب الله، الهجوم الذى كنا جميعا نرتقبه ونتطلع اليه، بعد أن أعلن الحزب أن رده على استهداف الضاحية في جنوب لبنان واغتيال مدنيين وقتل رئيس الأركان سيتجاوز (عملية الإسناد) التي كانت تحدث من قبل. 

وفعلا قال الحزب في بيانه الأول أن العملية كبيرة وممتدة، لكن الحزب أعلن بعدها، أن العملية أنجزت وانتهت ..بعد أن كانت تحت عنوان (الرد الأوّلى).
***
المهم أن إطلاق (المقادمة إم 90) أمس كان على تل أبيب، وكان من قلب الرماد، من خان يونس مثل طائر(الفينيق) الأسطوري الذى يٌولد من رماد احتراقه.. خان يونس التي شهدت طوال الشهور الماضية عمليات إبادة مروعة (مجزرة المواصى) مثلا. 

صاروخ مداه 100 كم، يٌطلق على تل أبيب في حراسة جيش الدفاع الذى لايقهر ..ومن قلب خان يونس؟؟!!

***
يا بركة البركات يا أهل الأنوار والصدق وأنواع الخيرات، (صاروخ واحد) يٌطلق فيكون أثره واسع المدى إلى هذا المدى (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى(.

تل أبيب العاصمة، وريشون ليتسيون أول مستعمرة، ومن قلب خان يونس ومن جنوب غزة. 

وبعد عملية حزب الله الواعدة المتوعدة ..ولا تستطيع الدفاعات الإسرائيلية أن تمنعه رغم أنها لازالت في حالة استعداد قصوى من ليلة أمس، فقد كانوا يتوقعون هجوما على العاصمة بألف صاروخ من حزب الله..( ماذا لو كان ..؟) وهو الذى قال عن عمليته أنها رد أوّلى .. بما ينذر بالاستمرار. 

ثم إن مفاوضات القاهرة كانت تقريبا قد انتهت على إصرار حماس على مبادرة بايدن/ مجلس الأمن (2 يوليو).. وإصرار مصر على السيطرة التامة على محور صلاح الدين(فيلادلفيا) ليكون التحكم فيه بينها وبين قطاع غزة ولا علاقة لإسرائيل به .. وهو موقف كبير ومهم.
***
ماذا كان يقصد من قرر قصف تل أبيب في هذا اليوم؟

سيكون هاما هنا أن نتذكر مقولة جامعة مانعة للأستاذ العقاد رحمه الله، يقول فيها: إن هذا الوجود يسيرعلى قصد إلهي ثابت، ولا يمكن أن يكون هذا الوجود، إلا إراديا، بل ويقوم بوضوح على فكرة (القصد)، وأن هناك معنى موضوعي لكل شيء، وليس هناك أي عبث.
هذا كلام فلسفى، شرحه أحد أقرب المفكرين إلى الأستاذ العقاد، د/عبد الفتاح الديدى رحمه الله في كتاب (عبقرية العقاد)  .. 
د/ الديدى أحد كبار من درسوا ودرّسوا علم (المنطق)، وكان يقول: لابد من وضع المنطق في إطار علم النفس، وله جملة مشهورة وأراها بارعة تقول : (الجانب النفسي هو أساس الموقف العقلي).
***
لكن ما علاقة كل هذا بالصاروخ الذي قصف تل أبيب؟؟ 

اليقين .. اليقين .. اليقين بأن ما يجرى في الأرض المباركة وحولها من 7 أكتوبر 2023م ، هو في حفظ الله وصونه ورعايته ومعيته ونصرته وتوفيقه وعطائه وفضله وكرمه.
هو سبحانه وتعالى يسمع ويرى وبذلك طمأن خائفين (موسى وهارون) حين قال لهما في سورة طه (لا تخافا ، إنني معكما أسمع وأرى).

وهي بالطبع لكل من يؤمن بأن الله هو الواحد القهار الفعال لما يريد، وأن إرادته سبحانه وتعالى علوا كبيرا لن تكون، إلا فيما يريد له أن يكون. 
***
وقد رأينا (جند الله) في المقاومة، بعد أن نفذوا كمين حي الزيتون السبت الماضى24/8 .. يصطفون ليركعوا ويسجدوا بين يدى الله .. الدائرة مكتملة إذن .. 

كما وأن حرصهم على أن يسجلوا (صوتا وصورة) ركوعهم وسجودهم لله العزيز الحكيم، ويرسلوا المشهد كله للعالم كله، وفى القلب منه عالم الإسلام. ليهلك من هلك عن بيّنه، وليحيى من حىّ عن بيّنة ..  
وذلك بعد تصويرهم للكمين المحكم كالمعتاد.. 
***
أتوهم يدا تلمس يدى ولا أرى إلا ظلي .. 
أعلم أن الشيعة العرب في الشام واليمن (زيدية أو إماميه) ينتمون لشخصية الأمة، انتماء عميقا (عروبة وإسلاما)، ولعل الموقف في العراق وايران مختلفا قليلا .. 

لكن الجميع يجتمعون في حلقة واحدة في هذا التوقيت (الأخطر والأدق) من تاريخنا الحديث، وهو بالفعل كذلك.

و(حزب الله) تحديدا بأفقه الاستراتيجي الواسع، وقدرة مفكريه وقادته وكوادره على استشراف الحاضر والى أين هو ذاهب في المستقبل، يعلمون أن الحديد لن يكون ساخنا لطرقه وإعادة تشكيله مثلما هو ساخن الأن! 

لكنهم اختاروا اختيارا أخر، ونظروا للمشهد نظرأخر. 

وكان ذلك واضحا فيما جرى اليومين الماضيين، وحسنا فعلت حماس بتوجيه تحية شكر هادئة لهم .. والأحسن والأحسن هو هذا (اللّوم النبيل)  ..لوم الأكابر الأفاضل الأشراف، الذى لم يتأخر بقصفها لتل أبيب من أبعد منطقة في غزة!

بعد يوم واحد من الضجيج الكثير والطحن القليل على رأى شكسبير.
لعل هناك من يسارع بالهمس فى أذن الحزب قائلا: لا تجعل الشك يفسد عليك، ما أصلحه لك اليقين.. 

اليقين الذى ثبت، وثبتت مضامينه فى 325 يوم لم تر لها الأمة نظيرا في تاريخنا الحديث.                      

تقدم ..فبالإقدام.. تٌرفع الأقدام.