هشام الحمامي يكتب: المقاومة تقدم (الاختيار الأخطر).. يالطا أم حطين؟

ذات مصر

يقولون أن التاريخ ما هو إلا فعلا من أفعال (التدبير الإلهي)، وأن هناك قدرا قدّره الله العلىّ العظيم، يٌسيّر هذا التاريخ ويٌصيّره من حال إلى حال، وسيدنا عمر الفاروق حين سمع الآية الكريمة في سورة الأعراف (الآية 54) والتي تتحدث عن قدرة الله المطلقة في إبداع الخلق، ومشيئته سبحانه، وتنتهى بقوله تعالى (.. ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين)..قال رضى الله عنه بعدها (من بقي له شيء فليأخذه) ! ..                                                                                 
على أنه سيكون هاما في هذه الأيام الحاسمة من تاريخنا وتاريخ أمتنا، أن نتلفت وننتبه بشدة لتاريخ قريب منا، ولا زلنا نعيشه، فهو موصول بنا حتى اليوم.. تاريخ (ما بعد) الحرب العالمية الثانية. 
***
تقول الحكاية التي سيكون وراءها ألف حكاية وحكاية، أن (يالطا) هي المدينة التي أجتمع فيها(المنتصرون) بعد تلك الحرب، في فبراير 1945م ليقرروا مصير العالم (أمريكا/ بريطانيا/ الاتحاد السوفيتي).. الطريف أن المدينة تقع على سواحل البحر(الأسود)، وقد كان هذا فيما يبدو، فألا فؤلا على شعوب العالم بعدها، خاصة الاتحاد السوفيتي الذي كان يحكمه وقتها ستالين والذي أذاق بلدانه (أسود) أيام حياتهم على مدى 31 سنة من حكمه لهم. 

الفأل الفؤول هنا سيصاحبنا قليلا على فكرة .. لأن رئيس أمريكا بعد نهاية مؤتمر البحر الأسود قرر أن يأتي إلى الشرق الأوسط ليقابل ملك مصر وملك السعودية وإمبراطور أثيوبيا ..فجاء إلى المنطقة على سفينة أمريكية رئاسية اسمها ( كوينسي) ، أين سيقابلهم ؟           
سيقابلهم في البحيرات (المٌرة) !!.. ولا تعليق.
***
أول لقاء كان طبعا مع ملك مصر (فاروق) يوم 12 فبراير، وكل ما يتعلق بما دار في هذا اللقاء سيبقى سرا في بطن(قرموط)، وسيضع القرموط سره في كتاب الأستاذ هيكل (ملفات السويس) الذي سنعرف من سطوره أن الملك لم يتطرق إلا لموضوع واحد هو (تغليس) السفير البريطاني لامبسون(اللورد كيلرن) عليه وطلب من روزفلت تخليصه من هذا الإذلال.
(ملك يطلب تخليصه من الإذلال! وعلشان يعيش الذل مرتين! كما ورد في الكتاب، لم يكتف بذل بريطانيا وإذا به ومرة أخرى يتذلل لأمريكا). 

وأضاف ا/ هيكل، ولم تطرح في الاجتماع مسألة (مساعدة يهود أوروبا على الهجرة إلى فلسطين).. 
***
لكن هذه المسألة (اليهود وفلسطين) كما يقول(بعض)المؤرخون ستكون محور لقاء الرئيس الأمريكي(روزفلت) مع الملك عبدالعزيز ملك السعودية، والذى التقاه (ثاني يوم) ! .. 

روزفلت جاء إلى المنطقة، وكان أول لقاء، مع حاكم أهم بلد في تلك المنطقة، البلد الذى سيكون لها حدود مشتركة مع (إسرائيل) القادمة، ولم يتطرق النقاش لهذا الموضوع ..                                                لكنه ستتم مناقشته باستفاضة ثاني يوم، في ثاني لقاء، مع حاكم أخر..وعلينا أن نغلق الموضوع على ما قيل لنا من الأستاذ هيكل .
***
لكن المشكلة هو أن تاريخ كل ذلك لم يمض، ولم ينته، إذ لم تنته أثاره ومفاعيله، فكيف نغلقه؟

ما سيحدث فقط، هو أننا سنتعامل معه بطريقة مؤسس المدرسة الألمانية في علم التاريخ (يوهان هيردر) وسيكون هذا التاريخ حيا بروحه الكامنة بيننا (التاريخ ليس مجرد المجرى الخارجي للأحداث، ومن يسعى لرؤية روحه، هو وحده الذى يستطيع اكتشاف الروح الكامنة وراء أقنعة هذه الأحداث).

وطبقا لـ (الروح الكامنة) سيكون سهلا أن نتوقع أن زيارة (روزفلت) للمنطقة كانت تمهيدا لتسلم المنطقة بأكملها من بريطانيا، لتكمل بلاده (أمريكا) العهد في السيطرة الخبيثة على (الطوق الحديدي) الذي سيطوق المنطقة بأكملها بعد خروج بريطانيا.
***
لذلك سيكون الطفل وهو يتقلب في بطن(مامته) وينظر لهذا المشهد، مدركا أن (البترول) و(إسرائيل) كانا هما موضوع الزيارة التي كانت ضرورية للغاية بعد مؤتمر (يالطا) هذا ..  وتم الانتهاء من الموضوعين .. 

وسيتكفل تاريخ الشرق الأوسط من الخمسينيات بعد تأسيس (النظام العربي الرسمي)..  وحتى 7 أكتوبر 2023م بتوضيح كل الغوامض، غامض بعد غامض ..والبقية تأتى ..

لكن ما يعنينا الأن هو أن لحظة(يالطا) هذه قد أصبحت هشيما تذروه الرياح .. وكل ما نراه من أمريكا وأوروبا الأن في تعاملهم مع (الأبطال وأهل الأنوار) في غزة والضفة ..مجرد محاولة بائسة ، لمنع إلقاء (يالطا) في المجاري ..وهو ما يجرى فعليا الأن. 
***
الحقيقة تقول أننا الأن أمام لحظة (حطين) مرة ثانية ..
حروب الغرب على (عالم الإسلام) من القرن الـ 12 ميلادي فيما عرف بالحروب الصليبية، لم تنته ..          اللورد اللنبى فقط، هو من قال ذلك حين دخل القدس سنة 1917م: (الأن انتهت الحروب الصليبية)!

لكن (الأبطال) والصامدون المرابطون من (أهل الأنوار) كان لهم رأى أخر ..
وكيف كان ذلك؟
***
يقولون أن العظمة التي صاحبت سيرة (صلاح الدين) جاءت من (عظمة القرار) الذى أتخذه وقتها، وهو قرار مواجهة الصليبيين وهم في أوج مجدهم، بعد أن بلغوا من القوة واتساع النفوذ درجة هددت العراق والشام ومصر بل والحجاز والحرمين .. 

وحين قرر المواجهة كان يعلم تماما انه سينازل عدوا قويا، مكن لنفسه في الشرق تمكينا تاما.                    لقد قرر الرجل تحدى ملوك (إنجلترا وفرنسا وألمانيا) ومعهم البابوية ذات النفوذ الواسع في غرب أوروبا في هذا الوقت ..وقام الرجل وقرر جمع الأمة من (الفرات إلى النيل) في قوة واحدة شعارها(الجهاد) وهدفها تطهير البلاد من ( الأنجاس) .. 
***
في أحد الكتب الهامة التي تناولت سيرة الرجل وهو كتاب (الناصر صلاح الدين) الذى كتبه د/ سعيد عبد الفتاح عاشور أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية رحمه الله .. سيلفت نظرنا، شيئا بالغ الأهمية.
ماذا سيلفت نظرنا في هذا الكتاب؟ 
أن الكاتب سيستخدم عبارة (وشاءت الظروف) مرات عديدة،وهو يتحدث عن تلك الفترة المدهشة والتي بدأت بمجيء (صلاح الدين) مع عمه (أسد الدين شيركوه) مصر سنة 1168م .. وحتى نجاحه في جمع مصر والشام في دولة واحدة لتحقيق رسالته وتحرير (بيت المقدس) عام 1187م ..

فى كل المراحل الهامة التي صاحبت (صلاح الدين) في هذه الرحلة العظيمة كانت تحدث أشياء لم يجد لها الكاتب تفسيرا إلا بقوله (وشاءت الظروف)  .. 

والمقصود طبعا هو(القدر) الذي قدّره الله، ولا نعلم من أسراره شيئا، إلا بما يأذن به الله ويشاء. وقال(الفاروق)حول معناه جملته تلك .. رضى الله عنه، كان له بصيرة تنفذ إلى ( قلب الأشياء).
***
لكننا سندعو لـ (صلاح الدين) كما دعا له صديقه المقرب القاضي والفقيه والمؤرخ (بهاء الدين بن شداد) :
(اللهم إنك تعلم أنه بذل جهده في نصرة دينك، وجاهد رجاء رحمتك، فارحمه ..). 
وهي نفس(الكلمات) التي نسمعها في التسجيلات التي يرسلها لنا (فتية الأنفاق) وهم يطلقون الصواريخ التي أذلت أحفاد (الجنرال اللنبى) في بريطانيا وأمريكا و(قفازهم القذر) الذي يضربوننا به من سبعين سنة. 

(الأبطال) يقولون للأمة كلها الأن: إنها حطين مرة ثانية. 
لقد فعلها (طاهر الغٌدوات والرَوحات والخطرات والإسرار والإعلان).