الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفرص كاميلا هاريس

ذات مصر

دخلت الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى ذروة سخونتها، بعد المناظرة الأولي بين كاميلا هاريس ودونالد ترامب، بعدما كان ممثل الحزب الديموقراطي هو الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، والذي قام الحزب الديموقراطي بالضغط عليه من أجل الانسحاب من السباق الرئاسي، بسبب غيابه الذهني في كثير من الأحداث خصوصا المؤتمرات. حيث ظهر ذلك جليًّا في المناظرة التي تمت بينه وبين ترامب في 27 يونيو/حزيران الماضي، وكان يجد صعوبة في تجميع الكلمات والنقاش والمجادلة ودفاعه عن نفسه أمام إتهامات ترامب له، وهو ما لا يليق من وجهة نظر الكثير من الأمريكيين، وخاصة أعضاء الحزب الديموقراطي بأن يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية. ومن أجل إنقاذ الحزب الديموقراطي من السقوط في الانتخابات الرئاسية أمام الحزب الجمهوري بممثله دونالد ترامب، قام كبار قيادات الحزب الديموقراطي بالضغط على بايدن من أجل الانسحاب، ليتم استبداله بكاميلا هاريس (نائبة الرئيس بايدن). 

ولا شك أن كاميلا هاريس، مختلفة تماما عن جو بايدن حيث إن حضورها الذهني طاغ وقد استطاعت من خلاله أن تقنع الكثير من الأمريكيين بها. وقد تأكد ذلك من خلال استطلاعات الرأي عندما طرح جو بايدن نفسه في البداية كرئيس منافس لترامب، حيث جاءت الاستطلاعات كلها في صالح دونالد ترامب باكتساح، وسرعان ما انقلبت تلك الاستطلاعات بنسبة كبيرة لصالح كاميلا هاريس بمجرد الاستقرار على ترشيحها بدلا من جو بايدن. وقد جاءت معظم استطلاعات الرأي، التي تمت أثناء ترشيح كاميلا هاريس تصب معظمها وفي معظم الولايات لصالح كاميلا هاريس. إلا أن بعض الاستطلاعات جاءت متأرجحة بينهما في بعض الولايات الكبرى مثل نيويورك وبنسلفانيا. إلى أن جاءت المناظرة الأولي بين هاريس وترامب في فجر الأربعاء 11 سبتمبر/أيلول الماضي، حيث تألقت كاميلا هاريس في هذه المناظرة كثيرا، واستطاعت أن تُظهر للشعب الأمريكي أن ترامب رجل يحب الديكتاتورية ومُعجب بالديكتاتوريين، واستدلت في ذلك بتصريحات سابقة له، غير أنها قالت أن قيادات في المؤسسة العسكرية والأمنية الأمريكية قد تعاملوا مع ترامب شخصيا ووصفوه بأنه عار على الولايات المتحدة!. كما أنها أبطلت دعاوى ترامب حينما أعلن أنه إذا جاء رئيسا لأمريكا مرة أخري، سيوقف حرب روسيا وأوكرانيا فورا، فكان ردها ساحقا بالقول نعم، بأنك ستوقفها فورا، لأنك ستتنازل عن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، لأنك تحب الديكتاتوريين كثيرا وتفضلهم وتحب التعامل معهم حتي لو كان ذلك ضد مصلحة أمريكا!. كما اتهمت هاريس ترامب بأن سياساته تصب لصالح الأغنياء دون الطبقات الوسطي والفقيرة. وفي المقابل فقد أعلنت أنها ستعمل على التحكم الكامل في أسعار السلع الاستراتيجية في جميع الولايات المتحدة، لكبح جماح طمع التجار الذي حدث بعد ارتفاع معدلات التضخم الأخيرة، حيث ارتفعت الأسعار، وبعدما عادت معدلات التضخم مرة أخري للوضع الطبيعي، رفض التجار تخفيض الأسعار مرة أخري. إلا أنها أردفت بالقول تأكيدًا لسياسات الحزب الديموقراطي في دعم الطبقات الوسطي والفقيرة من خلال دور قوي للدولة رغم رأسماليتها وهو يتركز في الحفاظ على حقوق غالبية المواطنين وحمايتهم من الغلاء الذي لا مبرر له. وقد أدى خطاب كاميلا هاريس لتعاطف الكثير من الأمريكيين من الطبقات الوسطي والفقيرة، حتى المؤيدين منهم لترامب غير بعضهم من توجهاته وانحازوا لكاميلا هاريس. كما أن هاريس أفحمت دونالد ترامب في معظم القضايا الأخرى التي تم طرحها في المناظرة، مما أدي إلي ارتفاع نسب أنصارها في جميع أنحاء الولايات المتحدة باستثناء الولايات محل التنافس.

وختاما: إن التوقعات التي جاءت خلال فترة طرح ترشح جو بايدن للرئاسة الأمريكية لفترة ثانية، كانت تصب كلها في صالح منافسه ترامب، إلا أنه الآن اختلف الوضع كثيرا بسبب استبدال جو بايدن بنائبته هاريس. حيث أصبحت الكثير من التوقعات تصب في صالح كاميلا هاريس والحزب الديموقراطي. وفي هذا السياق فإنني أري أن كاميلا هاريس ستكون فرص نجاحها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، كبيرة جدا. وفي كل الأحوال فسواء نجح مرشح الحزب الجمهوري (ترامب)، أو مرشح الحزب الديموقراطي (هاريس)، فكلاهما لن تصب سياساته في صالح القضية الفلسطينية أو أي قضية عربية أو إسلامية بل ستستمر سياسات الرئيس القادم في دعم الكيان الصهيوني. فكلاهما يقدمان فروض الولاء والطاعة للصهيونية العالمية والتي تتحكم في الكثير من قطاعات الاقتصاد الأمريكي. ولذلك فإن كثيرا من المحللين يرون في معظم المناظرات بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري بغض النظر عن من يمثلهم، كيف يتنافسون في من يدعم الكيان الصهيوني أكثر؟!. وفي الوقت الذي تزداد فرص كاميلا هاريس في الفوز بمقعد الرئاسة الأمريكية القادمة في مواجهة المنافس ترامب إلا أننا لا يجب أن نتوقع دعما لقضايانا العربية والإسلامية وعلينا أن ننتبه أن مصلحة المنطقة يجب أن تكون بيد أصحابها ولا نعول على أحد وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها القادم.



                                                  مازن زهران

                                          باحث في العلاقات الدولية