لماذا لم يختر "حزب الله" الحرب الشاملة وماذا سيكون رد إيران؟

مازن زهران
مازن زهران

 بدأ الكيان الصهيوني في الآونة الأخيرة، عمليات تصعيدية نوعية ضد باقي أطراف محور المقاومة. وقد كان هذا نتيجة صراع طويل، بدأ بعد عملية طوفان الأقصى في 7من  أكتوبر/تشرين أول 2023، بين الكيان الصهيوني وبقية أطراف محور المقاومة. فقد قام حزب الله في 8 من أكتوبر/ تشرين الماضي، ببدء عمليات عسكرية نوعية على الحدود الشمالية لأراضي فلسطين المحتلة، ولكن في نطاق محدود، كي تكون فقط جبهة مساندة لقطاع غزة، دون الانجرار لحرب شاملة، لم يكن حزب الله يريدها في الوقت الحالي. كذلك بدأت جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، باستهداف جميع السفن المتجهة نحو ميناء أم الرشراش (إيلات)، وذلك بعد غلقهم لمضيق باب المندب، وإجبار جميع السفن على تحويل مسارها لطريق رأس الرجاء الصالح، حتي يُجبِروا جميع السفن التجارية بعدم التوجه نحو الكيان الصهيوني، مما أدى لارتفاع تكاليف التأمين على البضائع والسفن بشكل كبير، وزيادة التكلفة، مما انعكس على معدلات التضخم داخل الكيان الصهيوني، حتي أعلن ميناء إيلات رسميا منذ شهر تقريبا إفلاسه، وتوقفه عن العمل، وتسريح جميع العمال بداخله، وذلك ضربة في قلب اقتصاد الكيان الصهيوني، والذي تُمثل التجارة البحرية فيه بنحو 40% من كامل الاقتصاد الإسرائيلي. ويعني أن أنصار الله في اليمن، قد قاموا بمحاصرة اقتصاد ذلك الكيان بشكل كبير. وفي المقابل قامت الولايات المتحدة بضربات نوعية ضد أهداف لأنصار الله في اليمن، ولكن دون جدوى، فلا شيء استطاع إيقافهم، ولا يزالون يحاصرون اقتصاد الكيان الصهيوني من جهة البحر الأحمر، كما بدأ الكيان الصهيوني بتصعيد ضرباته شهرًا بعد آخر ضد حزب الله. وبدأ نطاق الحرب يتوسع، ولكن دون الانجرار لحرب شاملة، وقد اتهم الكيان الصهيوني إيران أنها وراء تسليح أطراف محور المقاومة كلها، وفي مقدمتهم حركة حماس، وهذا صحيح، فلا أحد يستطيع أن يزايد على إيران بعد أن قال يحيى السنوار رئيس حركة حماس في بداية طوفان الأقصي، إن إيران هي الدولة الوحيدة التي تدعمنا بالسلاح والمال والدعم السياسي. فالسنوار لا يجامل أحدا، ولا يحسب حسابًا لأحد، ولكنه لم يقل غير الحقيقة. غير أن آية الله خامئني في يوم 3 أكتوبر/ تشرين الماضي 2023، أي قبل عملية طوفان الأقصى بأربعة أيام، قد كتب على حسابه الرسمي في موقع إكس، أن "النظام الصهيوني قد انتهي". وهذا دليل آخر على أن إيران كانت على علم بعملية طوفان الأقصى، والداعم الأساسي لها بالمال والسلاح، وغيره من أشكال الدعم. وقد قام الكيان الصهيوني في 25 يوليو/تموز الماضي، باغتيال الحاج القائد/ فؤاد شكر في الضاحية ببيروت، وهذا أكبر تصعيد حدث بين الكيان الصهيوني وحزب الله منذ بداية الحرب، وقد كان الحاج/ فؤاد شكر (رئيس أركان قوات حزب الله)، فقد كان يمثل الرجل الثاني بعد الأمين العام للحزب السيد/ حسن نصر الله. ولم تكتفي إسرائيل بهذا، بل قامت في 31 يوليو/تموز الماضي، باغتيال السيد إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران. كما قامت بقصف ميناء الحديدة من قبل في اليمن، مما جعل خيار الحرب الشاملة لحزب الله وإيران وأنصار الله (الحوثيين) في اليمن، أقرب من أي وقت مضي. وقد توعدوا جميعا بالرد، ولم نكن نعرف، إن كان الرد سيأتي من محور المقاومة بعملية مشتركة، أم كل جهة سترد بشكل منفرد. حتي جاء يوم 25 أغسطس/آب الماضي، وقام حزب الله بالرد على اغتيال قائده الحاج فؤاد شكر، في الوقت الذي قامت فيه إسرائيل بضربة استباقية، ادعت أنها أفشلت ضربة لحزب الله في عمق تل ابيب. بينما قال حزب الله أن تلك المنصات كانت فارغة، وتم وضعها لخداع العدو، وأن العملية كانت محددة، وهي ضرب قاعدة الاستخبارات العسكرية قرب تل ابيب، المسماة بقاعدة جليلوت. وقال الأمين العام لحزب الله، أن معلوماتنا تؤكد استهداف القاعدة وضربها بالفعل، ولكننا سنبحث إن كان هذا الرد مناسبا ويُرضينا. فإن كان هكذا، وتأكدنا مرة أخري من إصابة القاعدة وتدميرها، فسنكتفي بهذا الرد. أما اذا بحثنا وتشاورنا ووجدنا أن الرد غير مناسب ولن يُحقق الهدف المرجو، فسنحتفظ لأنفسنا بحق الرد في وقت لاحق. وهنا نحن أمام موقف واضح للأمين العام لحزب الله السيد/ حسن نصر الله، وهو خيار الضربة مقابل الضربة المحسوبة، وليس التصعيد الشامل او الحرب الشاملة. وبعض الناس يتساءلون لماذا لم يختار حزب الله التصعيد والحرب الشاملة؟! في الحقيقة، إن حسابات حزب الله معقدة كثيرا. وتختلف كليا عن حماس. فحماس معظم أراضيها الفلسطينية محتلة، غير أنها تتمتع بدعم شعبي وحضانة شعبية كبيرة في غزة، وتأييد واسع لها، خصوصا وقت الحرب على عكس حزب الله، فهو أحد مكونات المجتمع اللبناني الذي يتكون من العديد من الطوائف من بينها من هو معادِ له، وليس كل الشعب اللبناني مع الحرب أو مع حزب الله. غير أن الاقتصاد اللبناني في حالة انهيار كامل، حتى أن الطاقة، قد نفذت من كل مرافق لبنان منذ عدة أيام، ولولا دعم دول كثيرة على رأسها الجزائر لإنقاذ لبنان، لبقيت لبنان في ظلام حتى الآن. فهل تتحمل لبنان حربا مع الكيان الصهيوني في هذا الوقت؟ الحقيقة أن حزب الله له كثير من الحق أن يتجنب الحرب قدر الإمكان، ولا يُوسِع الحرب، إلا إذا فُرضت عليه فرضاً تفادياً لأن يتهمه أي طرف في لبنان بالتسبب في الأضرار المحتمل تعرُض لبنان لها. ولكن هل نفس الوضع يكون مع إيران وأنصار الله "الحوثيين"؟ بخصوص أنصار الله، فقد توعدوا أيضا بالرد، وأن يكون الرد موجعا لإسرائيل. وقد سبق أن ضربوا عمق تل أبيب، دون تعرض الكيان الصهيوني لهم بشكل مباشر. أما عن موقف إيران، فماذا سيكون ردها؟ هل سيكون قاسيا على الكيان الصهيوني؟ أم سيكون ردًّا محسوبًا، يستطيع الكيان ابتلاعه، دون الاضطرار إلى اللجوء لحرب  شاملة؟  

وفي ضوء ما سبق، فإن حزب الله له دوافع كثيرة وحسابات معقدة، تجعل له عذرا في عدم الانزلاق لحرب شاملة. ولكن هل لإيران نفس العذر؟ ففي الحقيقة إن إيران بين خيارين كلاهما مُر. الخيار الأول هو: أن تقوم إيران بضربة تشابه ضربة إبريل الماضي. عندما قامت بإطلاق أكثر من 300 صاروخ ومسيرة، ليسوا بالمؤثرين بشكل كبير علي أراضي فلسطين المحتلة والكيان الصهيوني، ردا على ضرب سفارتهم في دمشق، ولكنه كان ردا سياسيا، وغيَر من قواعد الاشتباك. فأول دولة تضرب عمق إسرائيل بعد العراق هي إيران، وهذا رد سياسي بجانب أنه عسكري أيضا، ومُهينا لإسرائيل ولقوة ردعها التي بنتها على مدار عشرات السنوات. أو أن تكون الضربة هذه المرة، أقوي من هذه الضربة بشكل طفيف، بحيث لا يكون مُوجعا للكيان الصهيوني، بالدرجة التي تجعله يقوم بتوسيع الحرب على كافة الجبهات، بما فيها إيران. وهذا الخيار ليس بالخيار المثالي لإيران، لأنها ستفقد جزءا من قوة الردع لديها، لان الضربة هذه المرة ليست في سفارة، بل في عمق طهران، وكانت عملية اغتيال لرجل بمثابة رئيس دولة. فقد كان رئيس حركة حماس، وهي حركة المقاومة الرسمية باسم الشعب الفلسطيني بأكمله، وهذا سيجعل إيران في خطر كبير، للتعرض لمثل هذه الضربات بالمستقبل لفقدانها قوة الردع. 
 الخيار الثاني: فهو مُر أيضا، وهو أن تقوم إيران بضربة مُوجعة حقاً لإسرائيل، مثل اغتيال مسؤول كبير في الكيان، أو ضرب مبني استراتيجي يعترف به الكيان الصهيوني نفسه ولا يستطيع إنكاره بأنه موجع، أو مثل هذه الخيارات. ولكن في مثل هذه الحالة، ستكون إيران عُرضة لحرب شاملة. وقد أرادت إيران، استكمال برنامجها النووي، ومحاولة تجنب الحرب الشاملة في هذه الأوقات. ولكن في الحرب لا شيء مضمون، فمن الممكن أن يتم ضرب برنامجها النووي، أو أن يتعرض اقتصادها لضربة كبيرة، نتيجة حرب شرسة مع الكيان الصهيوني. فخيار الحرب ليس بالسهل، ولا بالنزهة، فحساباته مُعقدة. واتخاذ قرار الحرب، هو أصعب شيء يواجهه صانع القرار السياسي في حياته، مع صعوبة دخول الولايات المتحدة الحرب بشكل مباشر، نظرا للانتخابات الرئاسية المقبلة عليها في نوفمبر القادم. وأيضا حتي لا تنجر لحرب في الشرق الأوسط، تستغلها الصين، وتقوم باستغلال انشغال الولايات المتحدة في الحرب، فتقوم بضم جزيرة تايوان إليها. وتجد أمريكا نفسها في حرب متعددة الجبهات. ومن الممكن بل من الوارد جدًّا دخول روسيا على الخط وهي حليف إيران حاليا للدفاع عنها إذا أصبحت إيران على وشك الهزيمة من الجيش الأمريكي، وهذا يؤدي لحرب عالمية ثالثة بلا جدال. فالولايات المتحدة، لن تغامر مثل هذه المغامرة غير المحسوبة العواقب بالنسبة لها. وستكتفي فقط بالدفاع عن الكيان الصهيوني، دون مهاجمة إيران. ولكن أيضا الحرب مع هذا الكيان، ليست بالسهلة، ولا بالنزهة، خصوصا أن إيران تختلف عن حماس، أو حتي حزب الله، فهي جيش نظامي، والجيش النظامي يسهل ضربه، لأنه معروف إحداثيات مواقعه العسكرية، ويسهل الوصول لها. أما حزب الله وحماس، فمقراتهم تحت الأرض. يخرجون لقتال العدو، ثم يعودون مرة أخرى. فلا أقمار صناعية، ولا طائرات استطلاع حديثة، تستطيع أن تصل إليهم بسهولة. وقد هُزمت الولايات المتحدة في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، بسبب هذه الحرب الغير متناظرة، بين جيش نظامي وفرق عسكرية متفرقة، تكون مقراتها في أنفاق بعيدة عن أي وسائل استطلاع. 
وختاما، فإن الخيارات أمام إيران صعبة، ولكنها على كل الأحوال، مجبرة أن تستعيد قوة الردع لديها، حتي لا تفقدها في هذه الحرب، وفي نفس الوقت تحاول تجنب الحرب الشاملة. وهذا سيكون أصعب قرار يتم اتخاذه من أي صانع قرار في أي دولة. أما أنصار الله "الحوثيين"، فإنني أتوقع بأن ردهم سيكون قويًّا، نظرًا لأن اليمن بعيدة عن الكيان الصهيوني جغرافيا، ويصعب ضربها بسهولة، لذا ضربتهم ستكون بحسابات مختلفة، في النهاية، سننتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة التي بالطبع ستحمل معها الإجابات عن كل هذه التساؤلات.

1/9/2024   

       مازن زهران
                                          باحث في العلاقات الدولية