هل تنزل السعودية الدولار الأمريكي عن عرش العالم كما رفعته؟

ذات مصر

يشهد العالم منذ منتصف العام الماضي، حربًا اقتصادية كبرى «صينية روسية» ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ صداها يدوي في الفترة الأخيرة، وتخرج التحليلات عن تباعتها المستقبلية على دول العالم.

بكين وموسكو، يسعيان حاليًا لإزاحة الدولار الأمريكي من قمته بعد تربعه على عرش المعاملات التجارية لأكثر من 50 عامًا، من خلال فتح الباب لخلق مسار موازي للمدفوعات الدولية بالعملات المحلية للدول مع إعطاء مساحة أكبر لدخول العملة الصينية «اليوان» في المعاملات.

المملكة العربية السعودية، المعروفة بأنها الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، دخلت هي الأخرى على خط المواجهة رفقة الصين وروسيا، بعد الخلافات بينهما بسبب تخفيف إنتاج النفط، وسياسات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ضد المملكة.

الرياض تخلت مؤخرًا عن مبدأ ربط بيع النفط السعودي بالعملة الخضراء الأمريكية، وبدأت مع حليفتها الجديدة الصين، فضلًا عن عقد اتفاقات تجارية جديدة مع الدول تقضي بالتعامل باليوان الصيني والعملات المحلية للدول الأخري بدلاً من الدولار.

الدعم السعودي للدولار في السابق

كانت الحكومة السعودية توصلت لاتفاق مع إدارة الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، في العديد في عام 1974، وبعد فترة قصيرة من أزمة النفط العالمية، لتسعير كافة صادرات السعودية النفطية بالدولار في سلوك كان الأول عالميًا من قبل الدول المصدرة للبترول.

وسارت العديد من الدول علي النهج السعودي وربطوا صادراتهم النفطية بالدولار، وأصبح العالم يسعر البترول بالدولار، وعليه احتفظ كثير من الدول باحتياطات أجنبية بالدولار للإحتفاظ بالقدرة علي شراء النفط وشراء سندات الخزينة والاستثمار في الغرب واستيراد كثير من السلع والخدمات الأجنبية.

فتح علاقات جديدة مع الصين

 بدأت الرياض في رأي العديد من المحللين فصلًا جديدًأ في علاقتها بـ«واشنطن» خارج السرب الأمريكي، مع العمل على إقامة علاقات متوازنة مع الجميع علي المستويين الإقليمي والدولي.

واتجهت المملكة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لـ«إعادة الاعتبار» للدور السياسي الصيني في المنطقة، من خلال قبولها بسياسة الصينية الجديدة القائمة على الانغماس في قضايا الشرق الأوسط، بالإضافة إلى دخول الشركات الصينية قطاعي التكنولوجيا والبنية التحتية بالمملكة، فضلًا عن علاقات المصالح الاستراتيجية حول قطاع الطاقة.

فتح الباب لبيع البترول العملات المحلية للدول المستوردة

بدأت السعودية مؤخرا مد قدم تجاه سياسة بيع النفط بالعملات المحلية للدول الأخري، دون التقيد بالعملة الأمريكية، وتمثلت بوادر هذه السياسة في:

الاتفاق مع كينيا على البيع بالشلن

 أعلن الرئيس الكيني، وليام روتو، توقيع اتفاقية مع المملكة  لشراء النفط بالعملة الكينية الشلن  بدلا من الدولار الأمريكي، وأتي الإتفاق السعودي مع كينيا في ظل وصول سعر صرف الدولار إلى نحو 145.5 شلن بسبب زيادة الطلب من قبل المستوردين على الدولار،  ما يفسره اقتصاديون بأنه تقليل من أهمية العملة الخضراء في المعاملات التجارية.

واتهم الرئيس الكيني روتو كارتلات النفط بتخزين الدولار في ظل الأزمة مما أدى إلى نقص الوقود في جميع أنحاء كينيا.

وقال الرئيس الكيني: «سأقدم نصيحة مجانية للجهات التي تكدس الدولارات.. قد تتعرضون لخسائر بالتأكيد، ومن الأفضل ألا تفعلوا أن تقوموا به، لأن هذه السوق ستكون مختلفة في غضون أسبوعين»، وهو ماعده الجميع إشارة لإنهاء قيمة الدولارات المكدسة لديهم بعد الإتفاق مع الجانب السعودي.

قبول الطلب الصيني بالبيع باليوان

 تداولت العديد من الأنباء حول وجود قبول مبدئي سعودي للطلب الذي سبق أن قدمة الرئيس الصيني شي جين بينغ في القمة الصينية الخليجية في نهاية سبتمبر من العام المنقضي ببيع النفط السعودي لدولته باليوان الصيني، وهو مايعني تخفيض أهمية العملة الأمريكية للصين التي كانت تضطر للشراء بها من السعودية.

مخاوف من نظام موازي للمدفوعات الدولية باليوان 

أعلنت الصين والبرازيل أمس الأربعاء توصلهما لاتفاق يقضي بالتخلي عن الدولار  في تعاملاتهما التجارية الثنائية واستخدام اليوان الصيني والريال البرازيلى بدلا من الاعتماد عليه.

وأعلنت الحكومة البرازيلية عن الاتفاق أمس الأربعاء خلال منتدى الأعمال الصيني-البرازيلي رفيع المستوى عقد في بكين، وكانت الصين قد نجحت في السابق في التخلي عن التعامل بالدولار كلا من روسيا وباكستان.

ويخشي محللون على العملة الخضراء من تأثيرات فك الارتباط السعودي بين البترول والدولار، الذي قد يخلق نظام موازي للمدفوعات الدولية بالعملة الصينية كبديلة للعملة الأمريكية، خاصة في ظل توجه صيني يحاول الدفع باتجاه تصعيد دور اليوان الصيني في المعاملات التجارية.

وفي المقابل يرى البعض أن السعودية تستخدم الصين للضغط علي الولايات المتحدة، لتعديل سياساتها تجاهها وأن الحديث عن بيع البترول بالعملة الصينية لا يتعدي كونه «كارت أصفر» تبرزه السعودية في وجه إدارة بايدن لردعها عن بناء تحالفات مضادة لها في المنطقة.