فرحة الفلاح ضاعت.. محصول البصل يُكشر في وجه المزارعين بموسم تعويض الخسائر

ذات مصر

"فيه مركب بصل رايحة روسيا"، جملة بسيطة تداولها المزارعون منذ منتصف يناير الماضي، رسمت الفرحة والبهجة على وجوههم، لكونها تحمل البشرى بانتعاش سوق البصل الذي يعتبرونه المحصول الاقتصادي الأول بالنسبة لهم.

يعول صغار الفلاحين في سوهاج -التي تشتهر بزراعة البصل على مساحات واسعة- على هذا المحصول سنويا لجمع مبلغ معتبر من المال، يقضون به مصالحهم، مثل ذلك الذي يبني بيتًا أو يزوج ابنًا أو يسد دينًا.

ولكن خلال السنوات القليلة الماضية خابت أمانيهم، بعدما هبطت أسعار البصل إلى أرقام متدنية، لم تغط حتى ثمن التكلفة ما حدا ببعضهم إلى وضع البصل كغذاء للمواشي والأغنام، وآخرها كان العام الماضي عندما تراوح سعر الطن بين ٥٠٠ و١٠٠٠ جنيه فقط.

عمران العدوي، مزارع سوهاجي، روى معاناته لـ«ذات مصر»، مشيرًا إلى أن تكلفة البصل مرتفعة، مقارنة بكافة المحاصيل الشتوية الأخرى التي تصلح زراعتها في محافظات الجنوب مثل القمح والفول البلدي.

تكلفة الإنتاج باهظة

وقال إن البصل يحتاج إلى أرض بكر تتنوع بين الصفراء والرملية، لم يمض على بدء زراعتها أكثر من ٢٠ عامًا، وأن هذه التربة تحتاج إلى مياه مرة أسبوعيًا، وتقاوي عبارة عن بصل صغير يسمى بزق.

وأضاف عمران العدوي، أن "البصل يحتاج أسمدة ٤ مرات طوال فترة الزراعة، بالإضافة إلى رش المبيدات والتي تصل إلى ١٠ مرات، متوسط سعر الواحدة نحو ٦٠٠ جنيه للفدان الواحد تتنوع بين منشطات ومعالجة الإصابات المختلفة وأغلبها من الفطريات أو الحشرات أو تداعيات تغير الحرارة".

وشارك في الحديث عن تكلفة زراعة البصل أحمد علي، موظف وصاحب أرض زراعية، موضحا أن محصول البصل شديد التأثر بدرجات الحرارة انخفاضا وارتفاعا وفي كل حالة له نوع مبيد حشري مختلف.

ولفت إلى أن البصل يحتاج عمالة لتنقيته من الحشائش الضارة ثم خلعه من الأرض وجمعه، وصولا إلى مرحلة كثيفة العمالة وهي تقطيع البصل من الأعناق عند بيعه للتاجر.

ضعف الإنتاج 

وانتقل خيط الحديث إلى المزارع عبده أحمد، والذي كشف خلاله عن الطامة الكبرى التي صعقتهم لأول مرة في حياتهم، وهي إصابة البصل بماء وعفن يجعله غير صالح للأكل أو البيع، لأن البصلة الواحدة المصابة بهذا المرض كفيلة بنقل العدوى إلى جوال كامل، بعد العثور على 50% إلى 60% من المحصول «فاسد».

ولفت إلى أن إنتاج البصل الذي يصلح للبيع والتداول انخفض إلى أقل من الربع، حيث كان القيراط ينتج بين ٨٠٠ إلى ١٠٠٠ كيلو كل عام، ولكن خلال الموسم الجاري انخفضت الكمية لتتراوح بين ٢٠٠ إلى ٢٥٠ كيلو وربما أقل، لتفسد فرحة الفلاح الذي لن يحصد كثيرًا من فتح باب التصدير إلى روسيا وغيرها من الأسواق الأخرى.

فرحة التجار منقوصة 

التجار كان لهم نصيب من الفرحة المنقوصة، فقد عبر أحمد إبراهيم، تاجر بصل عن اندهاشه من الحظ الذي أصابهم خلال الموسم الحالي، مشيرا إلى أن انتعاش السوق نتيجة فتح باب التصدير الذي ظل مغلقا لسنوات، من شأنه أن يزيد حركة البيع وارتفاع السعر، يقابله زيادة هامش الربح ويجعل هناك فرحة عامة بين البائع الذي يتلقى مبلغا يكافئ تعبه وما أنفقه والتاجر وصولا إلى القائمين على النقل والمصدرين إلى الخارج.

وأوضح أنه مع مطلع شهر مارس بدأ الإنتاج وفيرا والطن لامس العشرين ألف جنيه، ولكن ظهر بعد ذلك البصل المتضرر الذي أفسد كميات هائلة اشتراها التجار وهي في طريقها للموانئ وتسببت في خسارة فادحة لهم.

وقال إبراهيم إن الخسائر أدت إلى انخفاض السعر وعزوف التجار عن التعامل في البصل تفاديًا لخسائر لا قدرة لهم على تحملها.

وأشار إلى أن وجود كميات كبيرة من البصل لا زالت عند المزارعين لم تُباع رغم وصول الطن إلى نصف السعر الذي كان في بداية الموسم، موضحا أن هذه الكميات قد تذهب إلى السوق المحلي الذي يجد شحا، بسبب الاتجاه نحو التصدير.

المتهمون بفساد البصل

وفي خضم تناول القضية مع المزارعين والتجار، أشارت أصابع الاتهام إلى بائعي المبيدات لفساد بضاعتهم، الأمر الذي لم ينفيه كريم عبد الستار بائع المبيدات لـ«ذات مصر»، والذي أكد وجود كميات من المبيدات المغشوشة منتشرة في السوق بسبب ضعف الاستيراد ومعظم البضاعة الواردة إليهم محليا الصنع.

ولفت إلى أن كثير من العاملين في مجال المبيدات لم يدرسوا في كليات الزراعة ومن ثم قدرتهم على توصيف أمراض النباتات ضعيفة، وبالتالي يقدمون العلاج غير المناسب أحيانا، بما يعطي نتيجة عكسية.

وأكد أنه درس في كلية الزراعة جامعة أسيوط ولا يقدم أي مبيدات للمزارعين إلا بعد رؤية المحصول على أرض الواقع في حين أن بائعين لم يحصلوا على مؤهل عالي من الأساس وفتحوا محل على اسم مهندس زراعي ربما يكون غير موجود في البلد من الأساس.

واختتم حديثه عن محصول البصل، مشيرًا إلى أن العلم الذي لحق به نتيجة عدة أسباب منها سقوط أمطار في الأيام الأخيرة المحصول في الأرض وثانيها رش مبيدات خاطئة وثالثة تداخل المبيدات مع بعضها نتيجة مجاورة المحاصيل لبعضها البعض فتتأثر بمبيد محصول آخر ينتج عنه عفن.