فراج إسماعيل يكتب: «سري للغاية» في الحمام!

ذات مصر

لا يفعلها غير ترامب. يخرج من البيت الأبيض بعشرات الصناديق التي تحوي وثائق بالغة السرية عن السياسة الدفاعية للولايات المتحدة وحلفائها.
لماذا نقل تلك الوثائق بأسرار دولته العظمى إلى منزله في Mar-a-Lago بفلوريدا، وخزنها داخله في أماكن مختلفة بما في ذلك  الحمام أو غرفة التواليت، وغرفة مخصصة لدش الاستحمام، وقاعة رقص، وغرفة النوم، وجزء من مساحة مكتبه، غير المخزن الذي امتلأ عن آخره.
قانون السجلات الرئاسية يحتم على الرئيس ونائبه تسليم الوثائق لإدارة المحفوظات والسجلات بمجرد مغادرتهما المنصب.
لا أحد يملك تفسير سلوك رئيس سابق غريب الأطوار. ليست أمريكا وحدها، حلفاؤها وخصومها في غاية الاستغراب. لا شك أن أدق أسرارهم ألقاها ترامب أيضا على أرضية الحمام!
لم يكتف بذلك، بل أظهر تلك الأسرار لآخرين في مناسبتين عقب خسارته الانتخابات الرئاسية، إحدى تلك الوثائق تتعلق بخطة هجوم على إيران. ووثيقة أخرى غير مسموح بالاطّلاع عليها إلا لخمسة على قمة السلطة والهرم الاستخباراتي.
والمثير للاستغراب أنه عثر عليها ملقاة على أرضية المخزن بدون أي اهتمام.
رغم ذلك.. قد يستمر دونالد ترامب في سباقه التنافسي لرئاسة جديدة لأقوى وأغنى دولة في العالم، وهو الراجح عند كثرة من المحللين، وقد يهزم منافسه الديمقراطي جو بايدن، حتى لو كان بقيود السجن الحديدية.
كل سلوكياته السابقة أثناء رئاسته الأولى تؤكد أنه "رئيس مختلف". لا حدود لمغامراته ولا يمكن التنبؤ بقراراته وسياساته.
هذا المخطط العقاري يمكنه الذهاب بعيدًا جدًا. لن يكون جمعه لأموال طائلة من السعودية والإمارات في رئاسته السابقة آخر الحكاية.
لن يكون طيعًا مثل إدارة بايدن في تعامله مع سياسات دول أوبك وعلى رأسها السعودية. وستجد دول عربية وشرق أوسطية أخرى أنها أمام شخصية تجاوزت السلوك الجنوني بمراحل.
إسرائيل ستكون الرابح الوحيد. حقا أنها ربحت مع كل رؤساء أمريكا - ديمقراطيون وجمهوريون - منذ زراعتها كدولة صهيونية يهودية في فلسطين، لكن الأرباح مع ترامب الذي نقل سابقا سفارته إلى القدس، لا يمكن تخيلها.
أن تكون وثيقة الهجوم على إيران في مقدمة الوثائق السرية للغاية التي أطلع عليها آخرين بعد تركه البيت الأبيض، فذلك يعني أن إيران لن تنجو إذا قدر لترامب العودة للرئاسة.
تل أبيب ليست خارج الصورة. حدسها أو حاستها السادسة تنبؤها بتلك الفرضية، فاستعدت لها بتأسيس وحدة خاصة للحرب ضد إيران. جهازها الاستخباراتي تكلم بوضوح عن الاستعداد لأول حرب لإسرائيل ضد دولة منذ 40 عاما وفقًا لرواية صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية.
يقول ترامب: سأهزم بايدن وأخرجه من البيت الأبيض. هذه التهم لن تمنعني من الاستمرار في المنافسة.
كعرب وشرق أوسطيين يجب ألا ننظر للائحة الاتهام الفيدرالية ضد ترامب، على أنها عرض مسرحي كوميدي. ولا يجب أيضا أن تتشابه نظرتنا إليها مع نظرة الأمريكيين من أنها اختراق فاضح لمبادئ وقواعد أمريكا ونظامها الدستوري، وجعلها أشبه بجمهورية موز.
الوضع أخطر كثيرًا على مستقبل شعوبنا وأممنا. يكفي أن 317 وثيقة بالغة السرية عثر عليها في أماكن مختلفة داخل منتجع ترامب في فلوريدا، لم يسمح المجتمع الاستخباراتي الأمريكي، سوى بتقديم 31 وثيقة فقط أمام محكمة ميامي التي من المقرر أن يمثل أمامها ترامب الثلاثاء القادم.
ما علاقتنا بذلك؟!.. تلك الوثائق المحجوبة لا تعني واشنطن وحدها، إنها تمثل الدولة العميقة للسياسة الأمريكية الخارجية. لابد أن في بعضها معلومات استخباراتية من عواصم عربية وإسلامية، ولذلك هناك حساسية شديدة من كشفها على الملأ أمام المحكمة حتى لو كانت ستودي بترامب إلى السجن 10 سنوات حسب القوانين الأمريكية.
المدعي الخاص جاك سميث قال إن مكتبه سيسعى إلى "محاكمة سريعة".. وحث الأمريكيين على قراءة لائحة الاتهام لفهم خطورة الجرائم المنسوبة إلى ترامب ومساعده والت ناوتا.
تشمل الوثائق السرية معلومات تتعلق  بالقدرات الدفاعية والأسلحة والبرامج النووية الأمريكية ونقاط الضعف المحتملة للولايات المتحدة وحلفائها في مواجهة هجوم عسكري.  
تم تصنيف بعضها على أعلى المستويات من السرية، والبعض الآخر كان شديد الحساسية لدرجة تتطلب معالجة خاصة، وفقًا للائحة الاتهام، وهو ما فعله المدعي الخاص بعرض 31 وثيقة فقط.
لكن ترامب لم يراع تلك الحساسية، فقد أظهرها في مناسبتين. إحداهما اجتماع في بيدمينستر عام 2021 ، نيوجيرسي، حيث عرض ووصف "خطة هجوم" أعدتها وزارة الدفاع. كما أظهر خريطة سرية تتعلق بالعملية العسكرية.
ترامب بذلك لم ينتهك فقط قانون السجلات الرئاسية، بل انتهك قانون التجسس، وهما اتهامان جعل منه
أول رئيس سابق في التاريخ الأمريكي يواجه اتهامات جنائية فيدرالية، بالإضافة إلى الإدلاء ببيانات كاذبة، وعرقلة سير العدالة.
الإعلام الأمريكي لم يتوقف عن السؤال التالي: ماذا كان يفعل ترامب بأسرار أمريكا عقب نقلها إلى منزله؟!.
المدعون حصلوا على تسجيل صوتي يتحدث فيه ترامب عن وثيقة سرية للبنتاجون تتعلق بهجوم محتمل على إيران.
ومع ذلك هناك شكوك كبيرة في قدرة الديمقراطية الأمريكية على المضي في محاسبة رئيس سابق وتطبيق القانون عليه.
بسبب خطأ قانوني لم يواجه الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، اتهامات فيدرالية بشأن فضيحة ووترجيت، ثم أصدر نائبه جيرالد فورد الذي خلفه عفوًا عنه.
يمكن لمرشح  من الجمهوريين إذا ربح انتخابات 2024 أن يصدر عفوا مماثلا حتى لو دخل ترامب السجن، وقد أفصح أحدهم عن نيته تلك، خصوصا أن أقطاب الحزب الجمهوري يؤكدون أنها اتهامات سياسية وراءها إدارة بايدن لإبعاد ترامب عن معترك الانتخابات.
غرد كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب: "من غير المعقول أن يوجه الرئيس لائحة اتهام ضد المرشح الرئيسي الذي يعارضه. أنا وكل أمريكي يؤمن بسيادة القانون ، أقف مع الرئيس ترامب ضد هذا الظلم الجسيم".
السناتور جيه دي فانس من ولاية أوهايو قال إنها "لائحة اتهام زائفة". والسيناتور جوش هاولي من ميسوري قال لشبكة فوكس نيوز "إذا كان بإمكان الرئيس في السلطة أن يسجن خصومه السياسيين، وهو ما يحاول جو بايدن فعله، فلم يعد لدينا جمهورية بعد الآن ".
إذن ما نتفرج عليه من كوميديا أو دراما ترامب قد تزيد من شعبيته، وذلك حدث بالفعل في مارس الماضي عندما وجهت له في نيويورك اتهامات تزوير سجلات تجارية، فقد نجحت حملته الانتخابية في جمع 4 ملايين دولار.
لن يمنع السجن ترامب من الترشح وفقا للدستور الأمريكي الذي حدد شروطا ثلاثة فقط، أن يكون أمريكي المولد وفوق 35 سنة، وأقام 14عاما داخل الولايات المتحدة. 
عام 1920 ترشح "يوجين دبس" وهو زعيم اشتراكي وعمالي من داخل السجن وحصل على مليون صوت.
هنا سيشهد العالم قمة الكوميديا الترامبية. مرشح يرتدي سوار السجن، ويركض ضد بايدن من زنزانته، فإذا ربحه، قد تصبح الرئاسة بطاقة خروجه من السجن إذا نجح في إصدار عفو عن نفسه، أو يؤدي مهام منصبه كرئيس للولايات المتحدة من داخل السجن وليس البيت الأبيض.
 التكهنات المضحكة اليوم قد تصبح عناوين أخبار الغد حسب تعبير CNN.
هل يقرر مصير العالم رئيس أقوى دولة نووية وأعظمها اقتصاديًا وتكنولوجيًا من داخل السجن؟!