«الانتخابات الرئاسية» كلمة السر وراء تأجيل «تعويم الجنيه»

ذات مصر

اتفق عدد كبير من خبراء المال والاقتصاد على أن الأسباب الحقيقية وراء إرجاء الدولة لقرار تحرير سعر صرف الجنيه للمرة الرابعة على خلفية تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارته لمحافظة البحيرة، هي التداعيات الاجتماعية الخطيرة وبلوغ التضخم إلى أعلى مستوى له.

السيسي يرفض تحرير سعر الصرف

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الأربعاء، إنه لا يمكن تحرير سعر صرف العملة المحلية إذا كان نتيجة مثل هذه الخطوة تعريض الأمن القومي وحياة المواطنين في البلاد للخطر.

وأشار السيسي خلال مؤتمر الشباب في مدينة الإسكندرية، إلى أنه حينما يتعلق الأمر بالاقتراب من سعر الصرف "انتبه لأنه قد تدخل في أزمة فوق الخيال"، مضيفًا أن كثير من الخدمات التي يحصل عليها المواطن يتم تسعيرها وفقًا لقيمة الجنيه مقابل الدولار الأميركي.

وكشف البنك المركزي المصري عن ارتفاع معدلات التضخم في مصر بنهاية شهر مايو 2023، ليرتفع المعدل السنوي للتضخم الأساسي في مصر بنهاية شهر مايو 2023، بنسبة بلغت 1.7% بالمقارنة بنهاية شهر أبريل 2023، مبينًا أن المعدل السنوي للتضخم الأساسي، ارتفع ليسجل معدلاً شهرياً بلغ نحو 40.3% في نهاية مايو 2023، مقابل نحو 38.6% في نهاية أبريل 2023.

الانتخابات الرئاسية

رجح خبراء سياسيون لجوء الرئيس المصري وحكومته إلى تأجيل قرار تعويم الجنيه بسبب الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها نهاية العام الجاري، خوفًا من زيادة حالة الغضب في الشارع المصري، وخسارة الرئيس أصوات الناخبين في ظل تزايد الأزمة الاقتصادية.

وأوضح الخبراء في تصريحاتهم لـ«ذات مصر»، أن الحكومة المصرية ستتمسك بتنفيذ القرار رغم الصعوبات والضغوط التي تمارس عليها من الخارج خوفًا من الغضب الشعبي الذي قد يظهر في صناديق الاقتراع ويرجح كفة المنافس الأبرز للسيسي أحمد طنطاوي.

وبين الخبراء، أن سياسة الرئيس السيسي الاقتصادية منذ توليه رئاسة مصر لم تضع الصعوبات والضغوط التي يعانيها المواطن في اعتبارها مطلقًا، وأن ذلك ظهر جليًا بداية من قرار التعويم الأول للجنيه والذي خفض قيمة العملة بنسبة 100% تقريبًا في عام 2016.

وشدد الخبراء، في تصريحاتهم، على أن السلطة الحالية حررت سعر الصرف 3 مرات تقريبًا خلال عام واحد غير مهتمة بالأوضاع الاقتصادية للمواطنين، رغم إعلانها عن برامج حماية اجتماعية ولكنها لا تتناسب مع الضغوط الموجودة.

مخاوف من ارتفاع أسعار السلع الغذائية

وأوضح الخبير الاقتصادي، حسن هيكل، أن زيادة الطلب على العملة الأمريكية لتلبية العمليات الاستيرادية، حيث تستورد مصر 65% من السلع والمواد الخام والسلع الوسيطة من الخارج، في ظل نقص المعروض لأسباب منها توقف عجلة الإنتاج، وقفز سعر الدولار بشكل كبير في السوق الموازي على مدار الأشهر الماضية لمستويات تاريخية ليقترب من 43 جنيهًا للدولار الواحد.

وقال الخبير الاقتصادي لـ«ذات مصر»، إن قرار إرجاء التعويم جاء بسبب مخاوف من ارتفاع أسعار السلع الغذائية التي تستوردها مصر وتمس شريحة من المواطنين، بالإضافة إلى ضعف البنك المركزي في احتواء سعر الدولار والتدخل لإيقاف المضاربات والارتفاعات في سعر الدولار، وجميعها أمور ساهمت في إرجاء قرار التعويم، مشيرا إلى أن القرار يهدف أيضا إلى وقف بيع الأصول بأثمان بخسة. 

وفي سياق متصل، أكد مسئول بالغرف التجارية، في تصريحات لـ«ذات مصر»، أن قرار إرجاء التعويم سبقه عدة إجراءات منها تقيد سحب الجنيه والدولار بما يسمى بالعرقلة المصرفية وفيها تبطئ البنوك من عمليات السحب من أجل حفاظ البنوك على السيولة.

وبين المسؤول أن البنوك لا يمكن لها المخاطرة والسماح بسحب الدولار دون قيود بغير استعداد قوي لخفض العملة، لأن المودعين سيحتفظون بأموالهم حينها ولن يعيدوا ضخها بالقطاع المصرفي مرة أخرى طالما كان السعر منخفضًا.

وأكمل: «لا أحد ينكر شح العملة.. إذ لايزال هناك عدد كبير من حائزي الدولار يحتفظوا به أملًا في ارتفاعات سعرية مرتقبة»، مشددًا على أن الاحتياطي النقدي الحالي غير مشجع على إحكام قبضة المركزي على الأسواق وخاصة أن أزمة شح الدولار مستمرة.

شروط صندوق النقد الدولي

وفي ذات السياق، أكد رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة السابق، أحمد شيحة، أن إرجاء تعويم الجنيه يساهم في تقليل فاتورة الاستيراد بدعوى أن مصر كغيرها من الدول التي تعتمد على الاستيراد، حيث تتجاوز الفاتورة الاستيرادية 90 مليار دولار، خصوصا مستلزمات الإنتاج الموجه إلى التصدير، لافتا إلى أن قيمة الواردات تفوق حجم الصادرات، وعدم تعويم الجنيه جاء في الوقت المناسب ولم يخل بشروط صندوق النقد الدولي.

وأشار “شيحة” إلى أن معنى تعويم جديد هو مزيد من تآكل للقوة الشرائية لملايين المصريين من أصحاب الدخل المحدود، وصدمات اقتصادية غير مأمونة العواقب، رغم كونه يتيح لاحقا فرصة تاريخية لتدفق الاستثمارات وإعادة الاعتبار إلى المنتجات المصرية وزيادة الصادرات وإنعاش السياحة، إلا أن هذا التوقيت يحتاج إلى قرار الإرجاء ومن الناحية الاقتصادية فهو مناسب.

يحمي المواطن ويهدد المصانع والاستثمارات

من جهته قال مصدر مسئول في جمعية رجال الأعمال، أن قرار التعويم حاليا حمى المواطنين أصحاب الدخول المحدودة التي تآكلت قوتها الشرائية من مزيد من المعناة، كما يصب في مصلحة الإنتاج التي تعتمد على توفير مستلزمات الإنتاج والقدرة على التسعير، واصفا القرار بالضرورة الاقتصادية الملحة للتخفيف من معاناة المواطنين.

وأضاف المسؤول لـ«ذات مصر»، أن هذا القرار سينعكس بشكل سلبي على الاستثمار الذي يتطلب جذبة سعر صرف مرن وحتما سيقل ويتراجع حال عدم وجود سعر صرف مرن لأنه يقلل من ثقة المستثمرين في سلامة أوضاع الاقتصاد المصري.

وتابع المسئول أن من أهم شروط الصندوق هو تحديد قيمة الجنيه على أساس حر أمام العملات الأخرى، الأمر الذي من شأنه أن يوجد حالة من الشد والجذب مع الصندوق، منوهًا بأن مصر لها الحق في خلق السياسات الاقتصادية التي تتلاءم مع طبيعتها والتكيف بسلاسة في مواجهة الصدمات بما يتوافق مع الأمان الاجتماعي والحفاظ على عدم انفلات الأمور.