قادة الحركات المسلحة في السودان: من أدغال الحرب إلى كراسي السلطة

  عاد قادة الحركات المسلحة، التي قاتلت الحكومة السودانية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق على مدار عقد من الزمان، إلى العاصمة السودانية تنفيذًا لاتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة الانتقالية وتحالف الجبهة الثورية، وسط آمال لنهاية سنوات الحرب والدم التي خلفت مئات الآلاف من القتلى وشردت الملايين. ووضعت الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك نهاية للحرب الأهلية التي بدأت في دارفور عام 2003، ووقعت منطقتا "جبال النوبة والنيل الأزرق" عام 2011 اتفاق سلام في أكتوبر/ تشرين الأول مع عدد من الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء تحالف الجبهة الثورية" عقب انفصال جنوب السودان. الاتفاق، الذي استمر نحو عام برعاية دولة جنوب السودان، وتقرر بموجبه اقتسام السلطة بين الحركات المسلحة التي اصطلح على تسميتها "حركات الكفاح المسلح" وأطراف الحكم الانتقالي، يأمل الجميع أن يضع نهاية لهذه السنوات الطويلة.

الحركات المسلحة.. وداعًا لعقود من الحروب

بعد نحو شهر من توقيع اتفاق السلام التاريخي بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في أكتوبر/ تشرين الأول عقب مفاوضات شاقة دامت عامًا كاملاً، عاد قادة هذه الحركة، الأسبوع الماضي، إلى الخرطوم، بعد سنوات طوال من البقاء في الخارج، بعد أيام من إصدار رئيس مجلس السيادة قرارًا بالعفو عنهم إنفاذًا لاتفاق السلام. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] اتفاق جوبا للسلام[/caption] والمرسوم، الذي أصدره رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان بالعفو عن أنصار وقادة الحركات المسلحة، الصادر بحقهم أحكام إعدام وسجن لفترات متفاوتة في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، يشمل العفو عن جميع حمَلة السلاح، أو الذين شاركوا في العمليات العسكرية، أو من شاركوا بأفعال أو أقوال تتصل بالعمليات القتالية. وينقل الاتفاق قادة هذه الحركات المسلحة من كهوف الحرب وموائد المفاوضات إلى كراسي السلطة، بعدما ألزم الاتفاق الموقع في جوبا تمثيل هذه الحركات في "مجلس السيادة" الحالي بواقع 3 أعضاء، و25% من الحقائب الوزارية، و75 مقعدًا في المجلس التشريعي من أصل 300 مقعد أي بنسبة 25%، وذلك حتى نهاية الفترة الانتقالية في فبراير/ شباط العام المقبل. وضمت أسماء قادة الحركة التي عادت للخرطوم وسط استقبال شعبي كُلاً من رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان مالك عقار، ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، وعددًا آخر من قيادات الجبهة الثورية ومن الموقعين على اتفاقية السلام. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] احتفالات سودانية باتفاق السلام[/caption] من جانبه، يقول عبد الفتاح عرمان، الباحث السوداني، في اتصال هاتفي مع "ذات مصر" إن اتفاقية جوبا للسلام ستسهم إيجابيا في استقرار الأوضاع سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا، لأن ما يُصرف على تلك الحرب قدّرته منظمات أجنبية بنحو 5 ملايين دولار شهريًّا، وتلك الأموال ستذهب للتنمية. وقدرت الأمم المتحدة قتلى صراع الحرب الأهلية في دارفور بالسودان الممتد منذ عام 2003 بنحو 300 ألف شخص، إلى جانب تشرد أكثر من 3 ملايين. ويؤكد عرمان على أن هذه الاتفاقية مختلفة عن سابقاتها لأنها وُقعت مع حكومة ثورة ديسمبر/ كانون الأول، وستمثل الحركات المسلحة في أعلى هرم السلطة وسيكون بعض قادتها حكامًا لبعض الولايات أيضًا، موضحًا أن هناك بعض الشهود والضامنين الإقليميين والدوليين كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكن الضامن لهذا الاتفاق هو الشعب السوداني الذي قام بثورة ديسمبر/ كانون الأول المجيدة، ومثّل السلام أحد شعاراتها (حرية، سلام، عدالة).

جيوش الحركات المسلحة.. القنبلة الموقوتة في اتفاق السلام

يقضي الشق الأمني لاتفاق السلام بدمج قوات الحركات المسلحة في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الأخرى، بعد فحص أفراد هذه القوات خلال 90 يومًا، مع إبقاء القوات المدمَجة في دارفور لمدة 40 شهرًا، إلى جانب إعادة هيكلة الجيش السوداني لاستيعاب الدمج الجديد. وحدد الاتفاق الأمني مهلة زمنية تصل إلى 39 شهرًا حتى تنتهي الحكومة بالاتفاق مع قادة الحركات المسلحة من عملية الدمج والتسريح، وتشكيل قوات مشتركة من الجيش السوداني والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن في ولاية دارفور، والتي تمثَّل فيها قوات الحركات المسلحة بنسب تصل إلى 30%. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] تسيلم أسلحة الحركات المسلحة[/caption] ويقول عمار عوض الشريف، الصحفي السوداني، في اتصال هاتفي مع "ذات مصر"، إن هذا الاتفاق لا يمكن التعامل معه كوحدة واحدة، أو الحكم على بنوده بتقييم عام دون تفصيلها، موضحًا أن بعض القضايا سينجح والبعض الآخر سيواجه عثرات في تنفيذه، ويكون مصدر قلق كبير. وأضاف الشريف أن الاتفاقية ستنجح في الجزء المتعلق بتقاسم السلطة عبر مُشاركة قادة الحركات المُسلحة في الحكم، سواء أكان ذلك في مجلس السيادة أم مجلس الوزراء أم حكام الولايات، كما نصت بنوده، وأيضًا في تقاسم الموارد المالية، منوهًا بأن بعض البنود أو الملفات في الاتفاقية من الصعب أن يكتمل بنجاح دون مشكلات، وقد يمثل "قنابل موقوتة". من أبرز القضايا، تلك التي تتعلق بالترتيبات الأمنية وتجميع جيوش الحركات المسلحة وإدماجها في القوات المسلحة، بحسب الشريف، الذي يضيف أن هذه القوات تستحتفظ بوجودها في مناطق نفوذ الحركات المسلحة في دارفور أو بلاد النوبة والنيل الأرزق، ما يشكل مصدر قلق لكل متابع لهذا الاتفاق، خاصة النقطة المتعلقة بتكوين الجيش الموحد. تمتد المشكلات كذلك لتشمل المسائل المتعلقة بإعادة النازحين للأقاليم التي شهدت الحرب الأهلية، وكذلك بند سياسة الإعمار للمناطق المنكوبة جراء الحرب الأهلية، والذي يُلزم الحكومة بدفع ملايين الدولارات سنويًّا للأقاليم المنكوبة من جراء الحرب، وهي المسألة التي يتوقع الشريف أن تنتهي إلى "فشل كبير" في ظل ضعف الاقتصاد السوداني، وعدم وجود مانحين معتد بهم لديهم اعتبار كبير ويتعهدون بدعم الاتفاق ماديًّا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك[/caption]

حركتا الحلو وعبد الواحد.. توقعات الانضمام إلى الاتفاقية قريبًا

لا تزال حركتان من الحركات المسلحة بقيادة كل من عبد العزيز الحلو، وعبد الواحد محمد نور، خارج الاتفاقية الموقعة في جوبا، بسبب خلافات حول عدد من نصوص الاتفاق، وسط توقعات بانضمام قريب للحركتين، وهما الأكثر نفوذًا في دارفور، إلى الاتفاقية في الشهور المقبلة. وتشترط "الحركة الشعبية – شمال" بقيادة عبد العزيز الحلو، ضمان فصل الدين عن الدولة في التشريعات القانونية الرسمية للحكومة، أو منح منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق حق تقرير المصير. ويرى عرمان، الباحث السوداني المُقيم في أمريكا، أن قضية العلمانية حسمت في اتفاق جوبا على الرغم من عدم إدراج النص صراحة، ولكن الاتفاق نص على حياد الدولة تجاه الأديان والحكم الذاتي لجنوب كردفان -معقل الحلو- والنيل الأزرق، ما يمنح  هاتين الولايتين الحق في تشريع قوانين لإدارة شؤونهما الداخلية بعيدًا عن تدخل المركز في الخرطوم، لذا "أتوقع انضمامها إلى عملية السلام في ظل هذه الأجواء المواتية للسلام".