هلال عبد الحميد يكتب: العاصمة الإدارية والعلمين والأخ الكبير وميراث الأب

ذات مصر

مات الأب وترك 5 أولاد (ابنين وثلاث بنات)، ومبلغًا ماليًا في حسابه بالبنك، وبعض العقارات، وبعض المحلات التجارية، والمصانع، ومساحة كبيرة من الأراضي غير المستغلة.

قال الأخ الأكبر: سنوزع المبالغ المالية الموجودة في حساب المرحوم بالبنك. أما الأراضي فسوف أنشئ شركة لإدارتها، وستكون كل هذه الأراضي ملكًا للشركة. وستقوم الشركة ببيع هذه الأراضي لمستثمرين، وبأموال البيع نبني بعض المباني كبيت للعائلة، ودوارًا كبيرًا نستخدمه لاستقبال الضيوف، ومبنى كبيرًا يجلس فيه أفراد العائلة للتشاور وحل المشكلات.

• استبشر الأولاد فرحًا بخطة الأخ الأكبر، وقالوا: (جالك الفرج)، ولكن الأخ الأكبر بدأ في تمهيد الطرق التي ستصل إلى هذه الأراضي، وبدأ يجهز وسائل المواصلات، ويصل بالمياه العذبة والصرف الصحي إليها.

• احتاج المشروع لكي يبدأ أموالًا كثيرة. بدأ الأخ الأكبر في البحث عن ممولين، وبدأ فعلًا في الاستدانة بمبالغ طائلة، وكانت بعض القروض قصيرة الأجل، وعجز الأخ الأكبر عن سدادها، فبدأ يبيع بعض الأصول، ولأنه يحتاج أموالًا بشكل سريع، فكان يبيع الأصول (بيع المزنوق) وبأسعار زهيدة.

طالب الأشقاء بحصتهم في البيع، فقال لهم الأخ الأكبر: عايزين نسدد الديون... (إنتو عايزين تاكلوا ميراث أبوكم)!

• طالبوا بالانتقال لبيت العائلة في الأرض الجديدة، وأن يجلسوا في الدوار ليستقبلوا ضيوفهم، أو يستخدموا بيت الشورى، فلم يرفض الأخ الأكبر طلباتهم المشروعة، ولكنه وضع شرطًا بسيطًا: (أن يدفعوا إيجارًا سنويًا لكل هذه الأماكن).

قال الشقيق الأصغر منفعلًا: (إزاي ندفع إيجار والأراضي ميراثنا من أبونا، ومبنية من بيع أراضي أبونا؟!).

• رد الأخ الأكبر منفعلًا: الأرض ملك الشركة، وكلنا وافقنا على تخصيصها للشركة، فالشركة تبيع أو تؤجر، فتلك أرضها خلاص، مش معقول عايزين تاخدوا الحاجة ببلاش؟! شيء غريب (أضاف الأخ الأكبر).

• مصمص بقية الإخوة شفاهم، ووضعوا أياديهم على خدودهم، وسكتوا.

(والله العظيم تلاتة ما دفعنا جنيه واحد من موازنة الدولة فيها، واسألوا محمد معيط وزير المالية)

• بهذا القسم تحدث الرئيس عن تمويل العاصمة الإدارية الجديدة خلال المؤتمر الوطني للشباب الذي انعقد بالإسكندرية يوم 14/6/2023، وهو كلام يتردد في كل مرة تثار شائعات بأن المشروعات الإنشائية الكثيرة التي تمت في السنوات الأخيرة كلفت الدولة عشرات المليارات من الدولارات، ومعظمها بالاستدانة من الخارج.

• ويأتي الرد دومًا من كافة مسؤولي الدولة، بالتأكيد على أن العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة لم يكلفا الموازنة العامة للدولة جنيهًا واحدًا.

والحقيقة أن هذا الكلام صحيح نظريًّا، وقَسَم الرئيس، وكلام كل المسؤولين صحيح تمامًا.

• فالمشروعان لم يأخذا شيئًا من الموازنة العامة للدولة مباشرة، ولكن بشكل غير مباشر ومن مخصصات وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة.

فمثلًا: خصصت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في موازنتها لعام 2015/ 2016 البالغة 23.2 مليار جنيه، وخصصت مبلغ 5 مليارات جنيه لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة.

والمتابع للموازنات العامة للدولة سنة بعد أخرى سيعرف أن وزارة الإسكان تُخصَّص لها مبالغ طائلة كل عام مالي، وفي عام 2022/ 2023 خصصت الموازنة العامة لوزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة مبلغ 254.7 مليار جنيه، خصصت الوزارة الغالبية العظمى منها (212.6 مليار جنيه) لخمس هيئات اقتصادية تتبعها، وعلى رأسها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وفي كل موازنة يتم تخصيص أموال طائلة للوزارة، فتخصص منها مبالغ كبيرة للهيئات التي تتبعها.

وكان قد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 57 لسنة 2016 والمنشور بالجريدة الرسمية، العدد رقم 5 (مكررًا) في ٨ فبراير 2016 والذي نصت مادته الأولى على (تعتبر الأراضي الواقعة جنوب القاهرة/ السويس البالغة مساحتها 16645 فدانًا شرق الطريق الدائري الإقليمي: 17571 فدانًا غرب الطريق الدائري الإقليمي والمبينة الحدود والإحداثيات بالخريطة المرفقة المخصصة لصالح جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة والأزمة لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وتجمع الشيخ محمد بن زايد العمراني من مناطق إقامة المجتمعات العمرانية الجديدة وفقًا لأحكام القانونين رقمي 59 لسنة 1979- 7 لسنة 1991).

بينما نصت مادته الثانية على (تؤسس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وجهاز مشروع الخدمات الوطنية وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، شركة مساهمة مصرية، تتولى تخطيط وإنشاء وتنمية العاصمة الإدارية الجديدة، وتجمع الشيخ محمد بن زايد العمراني، وتكون قيمة الأراضي المشار إليها في المادة السابقة من حصة جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة في رأسمالها بعد تقدير قيمتها بالاتفاق مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية).

وهذه الهيئات الثلاث وإن كانت لها موازنات مستقلة، فإنها تابعة لوزارات يتم تخصيص أموال لها من الموازنة العامة للدولة، وبالتالي فالموازنة العامة للدولة تتأثر إيجابًا وسلبًا بموازنات هذه الهيئات، كما أن الدولة تحملت ديونًا كبيرة جدًّا لإنشاء القطارات والطرق التي تخدِّم على المشروعين.

• ولكل هذا، فإن القول بأن العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة لم تكلفا الموازنة العامة أموالًا قد يكون صحيح نظريًّا؛ لكنه عمليًّا ينطبق عليه المثل: (ودنك منين يا جحا؟!).