عمرو الشاذلي يكتب: مارادونا.. والعُقد الثلاث التي انحلت برحيله

ذات مصر

ما أن يُذكر اسم "مارادونا".. حتى يتبادر إلى الأذهان اسم كيانين (منتخب "الأرجنتين"، وفريق "نابولي" الإيطالي).. وعلى الرغم من أن اللاعب الأسطوري لعب لأندية أخرى قبل وبعد النادي الإيطالي الجنوبي، إلا أن الفترة التي قضاها بين جدرانه، مع فترة لعبه لمنتخب بلاده - لاسيما مشاركة مونديال 1986 -، هي التي شكلت ملامح عبقريته التى لا تنسى.. وإذا كان منتخب الارجنتين أخرج لنا على مدار تاريخه الطويل، العديد من أفذاذ اللاعبين، وكأنه منجم ذهب لاينضب أبدا.. فإن نابولي -باختصار- كان مارادونا.. ولا يرتبط النادي ذهنيا في عقول الكثيرين حول العالم إلا به، ولا قيمة للنادي ولا إرثا حقيقيا إلا بعد مجيئه في صيف 1984.

آخر مشاركة لماردونا مع فريق "نابولي" كانت أمام فريق "باري" عام 1991، بعد فوزه بلقب الدوري الإيطالي في العام الذي سبقه عام 1990، قبل أن يتم إيقافه 15 شهرا لثبوت تعاطيه الكوكايين!.. وآخر مشاركة له مع منتخب "الأرجنتين" كانت في مواجهة منتخب "نيجيريا" في مونديال 1994، بعد عام من حصد منتخبه لقب بطولة "كوبا أمريكا" -دون مشاركته- عام 1993، قبل أن يتم إيقافه بعد ثبوت تعاطيه المنشطات!

 اعتزل مارادونا كرة القدم نهائيا عام 1997، ليخوض بها عدة تجارب تدريبية فاشلة، قبل أن يرحل عن دنيانا في الخامس والعشرين من نوفمبر عام 2020، متأثرا بأزمة قلبية.

المفارقة العجيبة أن الكيانين الذين ارتبط اسمه بهما، لم يحصدا أي لقب "حقيقي" منذ رحيله عنهما، إلا بعد أن رحل مارادونا نفسه عن الحياة كلها، وكأن الألقاب والبطولات كانت تتمنع عنهما طوال حياته، وكأن موته أحيا وبعث الكيانين من جديد!.

بعد رحيل مارادونا بعام واحد، فاز منتخب بلاده ببطولة كوبا أمريكا بعد غياب دام 28 عاما.. وفي العام الذي يليه حصد نفس المنتخب البطولة الأهم والأغلى (بطولة كأس العالم).. وفي العام الحالي (عام 2023) حقق فريق نابولي حلم أبناء جنوب إيطاليا بفوز فريقهم بلقب الدوري الإيطالي.

ثلاث عُقَد، بدا للكثيرين، في كثير من الأوقات، أنها لن تنحل أبدا، ولكنها انحلت واحدة تلو أخرى، بأسرع مما يتخيل البعض.. وسنلقى الضوء سريعا على العُقَد الثلاث اللي انحلت برحيل مارداونا.

 

حل العقدة الأولى: الفوز ببطولة "كوبا أمريكا" عام 2021

 

آخر بطولة "كوبا أمريكا" كان من المفترض أن تقام ما بين شهري يوينو ويوليو2020 (أي قبل وفاة مارادونا ببضعة شهور)، إلا أنه تم تأجيلها لعام 2021؛ بسبب جائحة كورونا.. فلُعبت البطولة بعد وفاته، فلم يشهدها، ويشهد فوز منتخب بلاده بها.. وكان من المفترض أن تستضيفها دولتا "الأرجنتين" و"كولومبيا"، فنقلت إلى "البرازيل"؛ بسبب الأوضاع الصحية في الدولة الأولى، والأوضاع السياسية في الثانية.. وهو ما أشار إليه ميسي قائد منتخب "الأرجنتين" حينما اجتمع بلاعبيه قبل نهائي البطولة فقال لهم "هذه النسخة كان من المفترض أن تلعب في الأرجنتين، ولكن الله أراد ان تكون هنا (في البرازيل) لنفوز بها اليوم في ماراكانا يا رفاق؛ ليجعلها اجمل لجميع الأرجنتينين".

 

https://www.youtube.com/watch?v=tp9XmcgjwjY

 

ربما بدا آنذاك أن منتخب "الأرجنتين" يسعى لحصد أول لقب له منذ عام 1993، إلا أن الجميع كان يراها محاولة متكررة في طريق سعي ميسي لحصد أول لقب مع منتخب بلاده.. ذلك اللقب المنتظر الذي وضع الرجل تحت ضغوط لا تحتمل أبدا.. خاض ميسي، قبل تلك النسخة من بطولة "كوبا أمريكا"، ثلاث نهائيات خسرها جميعا، دون إحراز أية اهداف.. على الرغم من قسوة الخسارة الثقيلة الثلاثية في النهائي الأول عام 2007، وعلى الرغم من كونه واحدا من أهم ثلاثة لاعبين في العالم في تلك الفترة، إلا إن عدة عوامل، كسنه الصغيرة، وحداثة عهده النسبي بالمنتخب الأول، ووجود نجوم أكثر خبرة منه، منعت سهام نقد محتملة من الخروج من جعبتها، لتوجه إلى البرغوث الصغير.. إلا إن خسارتي نهائيي 2015 و2016 مختلفتان، فهو قائد منتخب بلاده الذي حصد جائزة الكرة الذهبية ثلاث مرات، ولكنه المتهم أحيانا - وربما دائما - بالتخاذل وتقديم مستويات أقل من تلك التي يقدمها في ناديه "برشلونة".. وهذا الاتهام المتكررالذي يحمل قليلا من الصحة، وكثيرا من التحامل، دفعه لأن يعلن - وهو يذرف الدموع - اعتزاله الدولي بعد خسارة نهائي 2016، قبل أن يتراجع عن قراره، بعد أقل من شهرين.. على الرغم من أن ميسي أحيانا لا يكون في أفضل حالاته مع منتخب بلاده، بل وربما نشهد لاعبين أفضل منه في بعض المباريات والبطولات، مثل "دي ماريا".. إلا إن منتقديه يتناسون الفرق الفني الشاسع بين منتخب بلاده، وفريقه الكاتالوني، فرديا وجماعيا.. يتذكر مهاجموه اللقطة الاخيرة - كتضييع ضربة ترجيح - ويرونها سببا وحيدا في ضياع بطولة.. وكأن تسجيل ضربة ترجيح بواسطة منافسين لا يتذكر أحدٌ أسماءهم هي مقياس جودة وكفاءة.. وينسون أن غيره من لاعبي فريقهم أضاع غيرها، وينسون من أهدر انفرادا خلال المباراة ذاتها.

 

 لعب ميسي تلك البطولة – كسوابقها الأخيرة- محملا بذلك الإرث النفسي الثقيل، الذي يريد أن يتحرر منه؛ حتى لا يظل مكبلا به طوال حياته، ولو حصد جوائز الكرة الذهبية كما لم يفعل أحد، ولو رآه البعض الأفضل في التاريخ.

 

أخيرا، وبعد طول انتظار، بهدف صديق العمر دي ماريا.. فازت "الأرجنتين" باللقب الغائب منذ 28 سنة.. لا.. بل فاز ميسي باللقب المنتظر.. هذا هو الأهم من وجهة نظر الكثيرين.. نسبة اللقب إلى المنتخب أقل أهمية من نسبته إلى قائده.. المنتخب حصد اللقب أربع عشرة مرة، وتلك كانت الخامسة عشرة.. أما قائد المنتخب نفسه فهذا هو لقبه الأول، وحتى تلك اللحظة، ربما ظن البعض أنه سيكون لقبه الأوحد والأخير.. كانت لحظة خالدة من لحظات الإنصاف الكروي، الذي قد لا يتحقق دائما.. كل ذلك ترجمته مشاعر اللاعبين بعد إطلاق صافرة نهاية النهائي.. فور سماع الصافرة، جثا ميسي على ركبتيه باكيا.. انطلق لاعبو المنتخب إليه.. أخيرا فعلتَها.. وأخيرا فعلناها لأجلك.. شعرنا وكأنهم كان يلعبون ويركضون من أجل ميسي، قبل أن يفعلوا ذلك من أجل منتخب بلادهم وجماهيرهم، التي آن لها أن تهدأ، وأن تهنأ بأسطورتها الحية، وآن لولده تياجو أن يطمئن على والده، إذ لن يقتله واحد من تلك الجماهيرالأرجنتينة.

 

حل العقدة الثانية: الفوز بكأس العالم عام 2022 

 

الوضع قبل بطولة "كأس العالم" 2022، كان مختلفا نسبيا عن الوضع قبل بطولة "كوبا أمريكا" 2021.. فإذا كان ميسي في 2021 يبحث عن لقبه الأول مع منتخب بلاده، فإنه في 2022 كان يسعى للفوز باللقب الأهم له، ولمنتخبه، ولجماهيره.. ربما بدا للبعض أن كثيرا من الضغوط التي يحملها ميسي، قد خفت نسبيا.. أما كنتم تريدونه أن يحصد لقبا لمنتخب بلادكم؟.. ها قد فعل.. ولكن اللقب الذي ينتظرونه منه -حقا- كان لقب المونديال.. مارادونا أهدانا لقب مونديال المكسيك عام 1986.. فمتى تهدينا لقبا مماثلا؟.. قد لا يعرف البعض بالمناسبة، وربما يتفاجأ بأن مارادونا لم يفز بلقب بطولة "كوبا امريكا"، رغم مشاركته في ثلاث نسخ منها.. إلا إن ذلك لم يؤثر على مشاعر الأرجنتينين – فيما يبدو- تجاه مارادونا.. فلقب المونديال عندهم يَجُبُّ ما قبله وما بعده أيضا.

 

 ينسون أو يتناسون أن ميسي قاد منتخب بلادهم -ولو لم يكن في أفضل حالاته- إلى نهائي مونديال 2014، الذي خسروه بهدف سجل -وسط غفلة دفاعية- قبل نهاية الوقت الإضافي بسبع دقائق، أمام الألمان، الذين خسروا نهائي مونديال 1986، أمامهم قبل نهاية الوقت الأصلي بأربع دقائق بهدف بورتشاجا الذي صنعه مارادونا، والذي كان من الممكن أن يدفع ثمن غفلة دفاع منتخب بلاده في الشوط الثاني.. فعلى الرغم من تقدم منتخب بلاده في النهائي بهدفين، إلا إن غفلة دفاع فريقه خلال ست دقائق ، في الثلث الأخير من الشوط الثاني كان ورادا جدا أن تضيع حلم مارادونا وحلم جماهير بلاده.. ومن يشاهد تعبيرات وجه ماراداونا بعد تعادل الألمان، يدرك مدى الإحباط الذي أصابه؛ لأن اللقب، الذي ربما ظن أنه قد أحكم قبضته عليه، قد يبتعد عنه.. لا أحد يتأمل المشهد كاملا ليدرك الحقيقة كاملة.. أداؤه الفردي الخارق في مباراتي ثمن ونصف النهائي جعل الكثيرون يظنون أن مارادونا -وحده- حصد لقب مونديال المكسيك.. مباراة النهائي كانت كفيلة بإفاقتهم.. ولكنها لم تفعل.. منتخب الأرجنتين سجل ثلاثة أهداف، لم يسجل مارادونا منها واحدا، ولم يصنع إلا الهدف الثالث.. تعادل المنتخب المنافس في خلال ست دقائق؛ بسبب سوء تمركزوغياب رقابة وغفلة من الدفاع.. أي أنه لم يكن السبب الرئيسي أو الوحيد في الفوز، وما كان سيُلقى عليه اللوم في حالة الخسارة.. مارادونا لم يكن فريقا، وإن بدا للبعض كذلك.. لم يكن لاعبا عاديا أبدا، ولكنه ليس منتخبا بمفرده.. تلك الحقيقةالتي غابت عن أذهان معظم الأرجنتينين.. والتي استدعوها مع بزوغ موهبة ميسي العبقرية.. مارادونا -بمفرده- أهدانا كأس العالم.. فلتفعل مثله يا ليو.. لم يطالبوا لاعبا بها بعد مارادونا إلا هو..لم يطالبوا أورتيجا أو ريكلمي بها، وهما أشهر صناع اللعب الأرجنتينيين بين الأسطورتين.. رغم أن نسخ منتخبات الأرجنتين بين حقبتي مارادونا وميسي أقوى جماعيا، وأكثر تكاملا -بكثير- من نسخ منتخبات الأرجنتين في عصري مارادونا وميسي.. لكن بمجرد ظهور الشبيه، أرادوا تكرار نفس السيناريو.. حتى أقوى نسخة لعب معها ميسي -بعد ما أصبح أبرز لاعب العالم-، أضاعها مارادونا المدير الفني.. تريدونني أن أكون مارادونا آخر، وأكرر نفس إنجازه؟.. مارادونا نفسه كان حائلا بيني وبينه.. أي مفارقة مأساوية تلك؟!.. تناسوا كل ذلك في خضم انتقاداتهم الصاخبة الزاعقة، دون مراعاة لظروف تتعلق بالفريق أو بمنافسيه.. دون مراعاة للتفاصيل الصغيرة، التي تحدث عنها ميسي أكثر من مرة.. تحدث عنها في سنة 2019 ، حين قال أنهم خسروا نهائي مونديال 2014؛ بسبب تفاصيل صغيرة.. وتحدث عنها أمام جماهير بلاده بعد تحقيق لقب المونديال.. فقال لهم "دعونا نستمتع بهذه الكأس؛ لأننا لا نعرف كم من الوقت سيمضي حتى يحدث هذا مرة أخرى.. آمل ألا ننتظر ذلك لسنوات عديدة، ولكن من الصعب جدا الفوز بكاس العالم؛ لأنه يعتمد على أمور كثيرة.. ليس فقط مجموعة رائعة ومنتخبا عظيما.. أحيانا بسبب تفاصيل صغيرة، لا يمكن تحقيق الكاس".

 

https://www.facebook.com/100011686482409/videos/611725127132884/ 

 

 يبدو ظاهريا أنه كان يدعوهم للاستمتاع بالإنجاز، ولكن كان أيضا مع ذلك، وربما قبله، كان يوضح لهم صعوبة الأمر، كان توبيخ ما بين السطور، لانهم لم يصبروا ويقدروا مجهوده ومجهود زملائه سابقا.. نسوا أنهم وصلوا إلى النهائي في ثلاث بطولات في ثلاث سنين متتالية، فحملوه ضغوطا لا تحتمل، ودفع المسكين ضريبة ذلك دموعا ومعاناة وألما.

 

حل العقدة الثالثة: الفوز بكأس العالم 2023

 

في 5 يوليو 1984، امتلأ ملعب "سان باولو" عن آخره، بمشجعي نادي "نابولي" الإيطالي، وهم يشاهدون دييجو ارماندو مارادونا (افضل لاعبي العالم) في ملعبهم، لإعلان انضمامه إلى فريق مدينتهم.. كان ذلك أشبه بحلم لم يكن ليخطر على بال أحدهم يوما.. قبل شهرين فقط، كان مارادونا يرتدي قميص أحد أكبر أندية العالم (برشلونة).. أياتي الآن لينضم إلى فريق نجا من الهبوط قبل أسابيع قليلة؟!.. يبدو أن النهاية العنيفة الدرامية مع برشلونة -تحت أنظار ملك إسبانيا- هي التي مهدت الطريق لذلك الانتقال غير المتوقع.. عرضه فريق برشلونة  للبيع، ولم يتقدم نادي كبير بجدية لضمه.. ربما لارتفاع سعره، فضلا عن التخوف من تكرار مشاكل مشابهة كتلك التي حدثت مع الفريق الكاتالوني.. وحده فريق نابولي من فعل.. وقبل مارادونا الانضمام، والتحدي كذلك.. ربما وجد ضالته في فريق، لا يجرؤ مسئولوه أن يحاسبوه على أفعاله داخل الملعب وخارجه.. فضلا عن عدم تعرضه لضغوط المطالبة بتحقيق ألقاب، ولو في بداية مسيرته على الأقل.. كان يبحث عن الهدوء والسلام الذين افتقدهما في برشلونة.

 

ولأنه لم يكن يملك عصا سحرية، ولضعف الفريق فنيا، أنهى نابولي الموسم في المركز الثامن.. وبعد تدعيمات فنية، حل النادي ثالثا في جدول ترتيب الكالتشيو.. قبل بداية الموسم الثالث، كان كفا ماردونا لم يزالا يتذكران ملمس ذهب كأس العالم التي رفعها في صيف 1986.. وربما هذا ما شكل له دافعا لكي ترفع يداه لقب الاسكوديتو.. أصبح بطل العالم بمنتخب متوسط المستوى.. لم لا يكون بطلا لإيطاليا بفريق متوسط المستوى أيضا؟.. وبالفعل حقق مارادونا المعجزة عام 1987.. الفريق الجنوبي أصبح بطلا لإيطاليا لأول مرة في تاريخه.. الأمر لم يكن مجرد كرة قدم وفقط.. كان فوز أبناء الجنوب باللقب انتصارا على مرارات الفقر والتهميش والعنصرية التي يعانون منه.. ومارادونا وإن لم يكن وُلد بينهم، فقد مر بظروفهم وربما أقسى، وكان كذلك ضحية الفقر والعوز.

 

 مع حصد أول لقب للدوري، جمع الفريق معه لقب الكأس أيضا؛ لتبدأ مرحلة ذهبية في تاريخ الفريق لمدة 4 سنوات شهدت لقبي دوري تخللهما بطولة الكاس المحلية واللقب الأوروبي الوحيد في تاريخ النادي (لقب كأس الاتحاد الاوروبي)، قبل أن تختتم بلقب كأس السوبر المحلي بعد فوز عريض على يوفنتوس بخمسة اهداف.. وكعادة مارادونا في النهايات الدرامية، كانت كذلك نهايته درامية موجعة مخزية مع نابولي، حين تم إيقافه 15 شهرا في مارس 1991، بعد ثبوت تعاطيه الكوكايين!.. وكما احتل نابولي المركز الثامن في أولى مواسم مارادونا، كذلك فعل في آخرها.. ليبدأ الفريق مرحلة ما بعد مارادونا، التي شهدت تذبذبا في مستوى الفريق، وكذلك في احتلال مراكزه في جدول الترتيب، حتى انتهى به الأمرإلى الهبوط إلى الدرجة الثانية عام 98، بعد ثماني سنوات من اعتلاء منصة التتويج.. أنّى لهم بمارادونا آخر ينتشلهم من غياهب الضياع؟ّ!.

 

 لم يقتصر الامر على مجرد الهبوط، بل أعلن النادي إفلاسه في أغسطس 2004، بعد ما بلغت ديون النادي سبعين مليون يورو، ليهبط بعد ذلك إلى الدرجة الثالثة.. قبل أن يعود بعد سنوات الظل إلى دوري الدرجة الاولى عام 2007، كأن النادي بُعث ثانية من تحت الرماد.. ظل الفريق يتنقل ما بين مراكز الوسط والمراكز المؤهلة للمسابقات الأوروبية، إلى أن احتل مركز الوصافة عام 2013، والذي احتله بعد ذلك ثلاث مرات، خلف فريق يوفنتوس (محتكر الدوري الايطالي لتسع مواسم متتالية)، مستغلا تراجع عملاقي ميلان، في دلالة واضحة أن الفريق كان على الطريق الصحيح.. خاصة أن الفريق كان قريبا جدا من اللقب عام 2018.. ولكن كان فيما يبدو أن ملامسة اللقب لم تحن بعد.

 

أخيرا، بعد كبير عناء وطول غياب؛ حصد الفريق الجنوبي اللقب في موسم 2023.. من يجتهد يصل، ومن يسعى يحقق منشوده.. تربع الفريق السماوي على عرش الدوري الإيطالي، بقيادة مدرب ظل يحلم هو الآخر بلقب يتوج به مسيرته.. تماما مثل نابولي، كان سباليتي وصيفا للدوري الإيطالي أربع مرات في السنوات العشرين الماضية.. وتلاقا طموحا الإثنين (النادي ومدربه) ليحققا سويا إنجازا كان أشبه بسراب يبتعد كلما اقتربا منه.. ها قد فعلها نابولي بعد 22 سنة من المعاناة والانكسارات والتردي، بل لم تخل من موت محقق كان كافيا لإعلان شهادة وفاة النادي.. لكنه بُعث من جديد.. لملم الفريق حطام نفسه واستجمع قواه تدريجيا شيئا فشيئا.. حتى عاد بطلا، كما تركه مارادونا حاملا للقب الاسكوديتو، الذي لم يزر مدينة الجنوب إلا بعد وفاته.. وكأن حياته كانت حائلا بينهما!.

 

لم يشهد مارادونا فرحة جماهير بلاده بلقبي كوبا أمريكا وكأس العالم، وكذلك لم ير فرحة أبناء نابولي بفريق مديتنهم حين صاروا أبطالا لإيطاليا.. كأن الزمن كان يريد له أن يحتفظ ببريقه حتى موته، بعد أن ظل يسمع  حتى أواخر أيامه، ان إنجازاته لم تجد من يكررها بعده.. وما أن طويت صفحة مارادونا في الحياة، حتى بنيت صروح المجد في بوينس أيرس ونابولي.