الشباب والتيك توك.. «هوس الشهرة» يتحول إلى كابوس

ذات مصر

على مدار العقد الماضي، احتلت السوشيل ميديا حيزًا كبيرًا من حياة المصريين، وثار جدل واسع حول إيجابياتها وسلبياتها، لكن مع ظهور «تيك توك» اقتصر الحديث عن خطر التطبيق الصيني الذي وصف بـ«القنبلة الموقوتة» التي تهدد حياة المراهقين وتدمر أسرهم.

السعي وراء الشهرة على التطبيق دفع الكثيرين إلى ارتكاب العديد من الجرائم للوصول إلى القمة وجني آلاف الدولار دون التقييد بعادات وتقاليد طالما ارتبطت بالشعب المصري.

الشباب والتيك توك

مع ظهور تطبيق الـ«تيك توك»، في عام 2016، لم يطرق المصريون بابه أو يشيع بينهم سوى بعد نحو 4 سنوات وتحديدًا في عام 2020 مع تفشي وباء كورونا في العالم، ولجوء الكثيرين إلى العالم الافتراضي لقضاء أوقاتهم تزامنًا مع قرارات حظر التجوال.

«تيك توك» بدأ من ذلك الوقت في التوسع والانتشار خصوصًا بين فئة الشباب، بعد الحديث عن تحقيق مشاهيره أرباح مادية كبيرة مقارنة بتطبيقات أخرى مثل “فيس بوك”، و"إنستغرام"، و"يوتيوب"، حتى أصبح المراهقون النسبة الأكبر من مستخدميه بالنسبة لمصر.

وفق إحصاءات الشركة يستخدم “تيك توك” 7.2 مليون شخص “نشط” شهريًا أغلبهم من الذكور بنسبة 62%، في مقابل 38% للإناث، لكن اللافت أن متوسط الأعمار في التطبيق 13 عامًا، علاوة على أن 50% من المستخدمين تتراوح أعمارهم من 20 إلى 30 عامًا.

هوس الـ«تيك توك»

لم تكن شهرة التطبيق الصيني كغيره من مواقع التواصل بل تحول الأمر إلى «هوس» من قبل الشباب الباحثين عن الشهرة والمال، ويسعى مستخدم التطبيق إلى نشر مقاطع “ترفيهية، ورياضية”، لكن تطور الأمر لدى بعض المستخدمين لنشر مقاطع توصف بـ«الإباحية».

مستخدم التيك توك من الشباب في مصر، يستقبل يومه عادةً بنشر مقطع فيديو قد يكون بلا هدف، ثم يبدأ في البحث عن «التريند» الموجود لمواكبته مصحوبًا بتعليق ورجاء لمشاهدي المقطع لمتابعته لنيل الشهرة والأرباح التي يتمناها ثم يتحول الأمر إلى «إدمان».

مشاهير التيك توك حاليًا، أغلبهم غير معروفين قبل التطبيق، بل سعوا للشهرة بمختلف الوسائل «المشروعة، وغير المشروعة»، فأصبحت مقاطع الرقص والبلطجة والإيحاءات الجنسية العامل الأبرز لأغلبهم رغم بداياتهم المتواضعة على التطبيق.

«حنين حسام، ومودة الأدهم، وأم زياد، ولوشا، وإبراهيم مالك» كلها أسماء لبلوجر واجهوا اتهامات تتنوع بين الاتجار في البشر، والتحريض على الفسق والفجور، والنصب، وهتك العرض، وبعضهم حصل على أحكام بالإدانة ويقضي حاليًا فترة عقوبته.

الشهرة بين «ضربة الحظ والخطة»

تختلف الانطلاقة الكبرى للمشاهير عن بعضهم فليس في شكل واحد، أحدهم قد ينشر محتوى ترفيهي لشهور قبل أن يتقبل المتابع أحد مقاطعه ويتحول إلى تريند، وآخرون يفشلون في تلك الحيلة فيلجأون إلى نشر محتوى يوصف بغير الأخلاقي للوصول إلى الهدف.

آخرون يلعب الحظ دوره في شهرتهم وجنيهم عشرات الآلاف من المتابعات بين ليلة وضحاها وأحيانًا في لحظة إحباط ليتحولون فجأة إلى تريند ويجنون ملايين المشاهدات، لكن البعض الآخر يبدأ في البحث عن طريق أقصر عبر وكالة لترويج حسابه.

اللاءات الثلاثة 

سيدة ترتدي «ماسك» تظهر في مقطع ترتدي «ملابس البيت» خلال تنظيف المنزل أو الطبخ، وكذلك شاب يغازل صديقته ويلقي بحكمة «توك توك»، وفتاة ترقص، كلها مشاهد أصبحت معتادة ومنتشرة بشدة على التطبيق، وظهر بعدها أنه يقف خلفها وكالة للترويج.

عادة ما يلجأ راغبي الشهرة في البداية إلى إحدى اللاءات الثلاثة «السياسية - الدين - الجنس» للوصول إلى القمة بأسرع وأقصر الطرق، كونها تجذب أنظار المستخدمين، وتقودهم إلى هدفهم حتى لو مؤقتًا قبل إلقاء القبض عليهم، كما حدث في واقعة التيك توكر “إبراهيم م”، بسبب تجاوزاته مع السيدات، ونشره للفسق والفجور، وغيره الكثير من يجري وراء الشهرة ويلجأ للمحظورات.

وكالات الـ«تيك توك»

تختلف خطة وكالات الترويج في التيك توك بين مستخدم وآخر، فعادة يلجأ التيك توكر إلى الوكالة بعد استخدام كل الوسائل للوصول إلى هدفه، وهنا تبدأ خطة الترويج أو العمل لدى وكالة بـ«إسكريبت» محدد لزيادة المتابعين وتحقيق الأرباح.

تقول «سارة ا»، أحد مؤسسي شركات الترويج، ومديرة أعمال بعض المشاهير، إن التعاون بين التيك توكر والوكالة يختلف من حالة لأخرى، فالتعامل مع شخص معروف وآخر غير معروف، وثالث لا يمتلك المال لإنتاج محتوى يمكنه من الوصول إلى المتابعين.

وتضيف لـ«ذات مصر»، أنها تنظر في البداية إلى محتوى الكلاينت وطبيعة المحتوى الذي يقدمه على التطبيق، ومن ينافسه، وما يريد إيصاله للمشاهد؟ وهدفه من الشهرة؟، متابعةً: "بعد معرفة كل التفاصيل نبدأ في وضع الخطة المناسبة للحساب والموضوعات التي سيجرى عرضها وتختلف من حساب لآخر.

وأكملت: “في حالة الشباب الذي يسعى للشهرة ولا يمتلك الأدوات أو الأموال اللازمة نتعاقد معه ونعمل على حساب الشركة بعد التأكد من استحقاقه أولًا، وهنا تختلف الأجور حسب الشخص وطبيعة محتواه، ثم نبدأ في تحديد موضوعات معينة، وطريقة الكلام والتصوير”.

وأوضحت أنه بعد نشر أكثر من مقطع فيديو للشاب على التطبيق تقيم الشركة التجربة وتحدد أكثر المقاطع التي لاقت قبولًا لدى الجمهور لتكون الانطلاقة الحقيقية للتيك توكر الجديد، مشيرةً إلى أن الكثيرين يطلبون الاستعانة بخدمات الوكالة لنشر محتوى «هابط» لكنها ترفض.

انهيار منظومة القيم والبحث عن المال

التحليلات اختلفت حول أسرار الهجمات الشبابية على مواقع التواصل عمومًا بحثًا عن الثراء السريع، دون التقيد بعادات أو تقاليد، خصوصًا مع انتشار روايات عديدة حول تبدل أوضاع أسرة ما بعد شهرتهم على التيك توك، خصوصًا في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

أستاذة علم النفس، الدكتورة هالة يسري، ترى أن ما يحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وفي مقدمتها “تيك توك”، لا يتفق مع الثقافة المصرية أو ما تطمح إليه الأسر في أبنائها، ولكن البعض يتغافل عنها من أجل جني الكثير من الأموال ليكون ضمن «الصفوة الزائفة».

وبينت يسري، لـ«ذات مصر»، أن عزوف الأسر عن أداء دورها وحرصها على متابعة أبنائها وتوفير نشاطات «رياضية وثقافية وفنية»، فضلًا عن غيابي الدور التعليمي الذي يساعد على تقديمة قيمة العمل،  تربي وجدانهم وتنمي شخصيتهم، ما أدى إلى تفشي ثقافة الثراء السريع التي تأتي بما لا تشتهي الأنفس.

وشدد أستاذ علم الاجتماع، الدكتور عبدالحميد زيد، على أن ما يحدث حاليًا يدل على انهيار منظومة القيم في المجتمع، وبالتالي أصبحت القيم التربوية متحررة أكثر من اللازم، وتحول المشاهير من فنانين ورياضيين النماذج المبهرة بالنسبة لأي مراهق.

وأكد زيد لـ«ذات مصر»، أن الانفتاح الحالي لا يمكن السيطرة عليه نهائيًا سواء من جانب الأسر أو الدولة، ولكن هناك جزء مهم قد ينقذ الشباب من التورط أكثر عبر توعيتهم في المنازل والمدارس بالسلوكيات والأخلاقيات الواجب اتباعها والبعد عن التقليد الأعمى.